الفاتيكان
12 شباط 2024, 08:45

البابا فرنسيس يعلن قداسة الطّوباويّة الأرجنتينيّة "الأم أنتولا"

تيلي لوميار/ نورسات
ترأس البابا فرنسيس صباح الأحد قدّاسًا احتفاليًّا في بازيليك القدّيس بطرس بالفاتيكان أعلن خلاله الطّوباويّة الأرجنتينيّة "الأم أنتولا" قدّيسة بحسب ما أورد "فاتيكان نيوز". البابا فرنسيس يعلن قداسة الطوباوية الأرجنتينية "الأم أنتولا"

في عظته، توقّف البابا فرنسيس عند القراءة الأولى والإنجيل اللّذين يتحدثان عن البرص، "وهو داء يؤدّي إلى إتلاف جسديّ تدريجيّ للّشخص، وينتج عنه التّهميش وهو موقف ما يزال وللأسف موجودًا اليوم في بعض المناطق. الرّبّ يسوع يريد أن يحرّر الرّجل التي التقى به من داءين هما البرص والتّهميش. هذا الرّجل الأبرص كان مجبرًا على العيش خارج المدينة، وتُرك ليواجه مصيره بنفسه عوضًا عن الحصول على الرّعاية. ولم يُساعد لأنّ النّاس كانوا يخشون العدوى، فكان الخوف عائقًا. ثم هناك الأحكام المسبقة إذ كان الاعتقاد السّائد بأنّ الله أراد أن يعاقب الإنسان المصاب بداء رهيب، بسبب إثم ما ارتكبه في حياته. وهو بالتّالي يستأهل ذلك. وهناك أيضًا التّديّن المزيّف، إذ كان يعتقد النّاس في ذلك الزّمن أنّ لمس الميت يجعل الشّخص مدنّسًا، والأبرص كان يحمل جسدًا ميتًا. هذا هو التّديّن المشوّه الذي يرفع الحواجز ويخنق الرّأفة.

الخوف والأحكام المسبقة والتّديّن المزيّف هي أسباب ثلاثة تكمن وراء أوضاع الظّلم، إنّها بمثابة ثلاثة أنواع من برص النّفس الذي يؤلم الضّعيف ويقصيه. هذه الممارسات لا تقتصر على الماضي، كم من الأشخاص المتألّمين الذين نلتقي بهم على أرصفة مدننا! وكم من الأحكام المسبقة والمخاوف والمواقف غير المنسجمة التي يعيشها من يقولون إنّهم مسيحيّون وهذا ما يزيد من معاناة الآخرين."

وسلّط البابا فرنسيس الضّوء على أمرين فعلهما يسوع مع الرّجل الأبرص في الإنجيل، "إذ لمسه وشفاه. إنّ الرّبّ شعر بالرّأفة حيال هذا المريض فمدّ يده ولمسه، مع أنّه كان يدرك أنّ هذا الأمر قد يجعله منبوذًا هو أيضًا. لكنّ الأدوار انقلبت وبعد أن شفي الأبرص ذهب إلى الكهنة كي يُقبل مجدّدًا وسط الجماعة. يسوع كان قادرًا على شفائه بدون أن يلمسه، لكنّه فعل ذلك لأنّ طريقه هو طريق المحبّة القريبة من المتألّمين، والتي تلمس جراحهم. إلهنا لم يبق بعيدًا في السّماوات، إذ تجسّد في يسوع المسيح ليلمس فقرنا. وإزاء البرص الأخطر، الذي هو الخطيّة، لم يتردّد في الموت على الصّليب، خارج أسوار المدينة، منبوذًا كالخطأة كي يلمس في العمق واقعنا البشريّ."

وتساءل البابا "ما إذا كنّا نحن أيضًا، على غرار الرّبّ، نقترب من الآخرين، أو نبتعد عنهم لنفكّر بأنفسنا، وننغلق ضمن جدران رخائنا، ونقول إنّ تلك المشاكل تعني الآخرين وحسب". وحذّر "من خطر "برص النّفس"، الذي هو مرض يجعلنا لا مبالين تجاه المحبّة والرّأفة، ويقضي علينا بواسطة الأنانيّة والأفكار المسبقة، واللّامبالاة وعدم التّسامح. العلاج لهذا المرض يكمن في الفعل الثّاني الذي قام به يسوع تجاه الأبرص. فقد لمسه. وهذه اللّمسة لا تعني القرب وحسب إنّما كانت بداية العلاج، مشيرًا إلى أنّ الله قريب ورؤوف وحنون. فلمسة يسوع تجعلنا نشفى من الدّاخل، وهذا يحصل من خلال الصّلاة والسّجود، وعندما نجعله يتصرّف بنا بواسطة كلمته والأسرار. فلمسته هذه تبدلنا حقًّا، تشفينا من الخطيّة وتحررنا من الانغلاق، وتتخطى كلّ جهودنا الخاصّة. ومن الأهميّة بمكان ألّا تكون صلاتنا فارغة من المضمون وعبارة عن تكرار للكلام، بل عليها أن تكون صادقة وحيّة، تضع أمام قدمي المسيح المآسي، الهشاشة، الرّياء والخوف.

كما أن لمسة الرّب تعيد إلينا جمالنا، وعندما يحبّنا المسيح نعيد اكتشاف فرح أن نهب أنفسنا للآخرين، بلا خوف وأحكام مسبقة، وبعيدًا عن التّديّن الذي يخدّر الإنسان، وهذه اللّمسة توقظ فينا القدرة على المحبّة بعيدًا عن كلّ الحسابات والمصالح. وهذا يتحقق من خلال المحبّة التي تُعاش يوميًّا في العائلة وبيئة العمل، في الرّعيّة والمدرسة، في الطّريق والمكاتب والمتاجر. وهذه المحبّة لا تبحث عن الدّعاية أو عن التّصفيق لأنّ المحبّة مكتفية بالمحبّة. وإذا ما تركنا الرّبّ يلمسنا، يمكن أن تصبح – بواسطة قوّة الرّوح القدس – شهودًا للمحبّة التي تخلص.

إنّنا نفكّر اليوم بالقدّيسة الجديدة الأم أنتولا التي اجتازت آلاف الكيلومترات سيرًا على الأقدام، عابرة الصّحارى والطّرقات الخطيرة لتحمل الله إلى الآخرين. وهي تشكّل بالنسبة لنا اليوم نموذجًا للحماسة والشّجاعة الرّسوليّة. عندما طُرد اليسوعيّون (من الأرجنتين) أضاء فيها الرّوح القدس شعلة إرساليّة ترتكز إلى الثّقة في العناية الإلهيّة والمثابرة. وقد طلبت شفاعة القدّيس يوسف والقدّيس  Gaetano Thiene  وأقامت التّعبّد لهذا الأخير، وقد وصلت أيقونته الأولى إلى بوينوس أيريس في القرن الثّامن عشر. وبفضل الأم أنتولا دخل هذا القدّيس إلى البيوت والأحياء ووسائل النّقل والمحال التّجاريّة، والمصانع والقلوب ليقدّم حياة كريمة من خلال العمل والعدالة وتواجد الخبز اليوميّ على موائد الفقراء." 

في الختام طلب البابا فرنسيس من المؤمنين أن يتوجّهوا إلى القدّيسة الجديدة القادرة على مساعدتهم، سائلًا الرّبّ أن يباركهم.