الفاتيكان
21 كانون الأول 2022, 14:20

البابا فرنسيس يضيء على الأمور المساعدة على التّمييز

تيلي لوميار/ نورسات
في ختام مقابلته العامّة اليوم، ذكّر البابا فرنسيس بمعاناة أطفال أوكرانيا، فـ"هؤلاء الأطفال يعانون بسبب حرب غير إنسانيّة وشرسة"، ولفت الأنظار إلى ما يواجه هؤلاء الصّغار من مشاكل بسبب عدم توفّر التّيّار الكهربائيّ والتّدفئة. وشدّد على أنّ كثيرين منهم "لا يتمكّنون اليوم من الابتسام، وحين يفقد طفل القدرة على الابتسام فهذا أمر خطير"، فدعا الجميع إلى التّفكير في الأطفال الأوكرانيّين.

وكان الأب الأٌقدس قد ألقى تعليمه مركّزًا فيه على العلاقة مع الله، كلمة الله وعطيّة الرّوح القدس كأمور مساعِدة للتّمكّن من التّمييز، فاستهلّه قائلاً: "في بداية تعليمه إنّ من تابعه حتّى الآن في حديثه عن التّمييز قد يفكّر كم هو معقّد التّمييز. إنّ الحياة هي المعقّدة، وإن لم نتعلّم قراءتها فهناك خطر أن نضيّعها هباء سائرين إلى الأمام من خلال حيل تقود إلى التّدهور. إنّنا نقوم بالتّمييز بشكل يوميّ أردنا أم لم نُرد، فهذا ما نفعل فيما يتعلّق بما نأكل أو نقرأ، في العمل والعلاقات، في كلّ شيء، فالحياة تضعنا دائمًا أمام اختيارات، وإن لم نقم بالاختيار عن وعي فإنّ الحياة هي من يختار لنا حاملة إيّانا إلى حيثما لا نريد".

وتابع البابا بحسب "فاتيكان نيوز": "إلّا أنّ التّمييز لا يتمّ القيام به بشكل منفرد"، وتوقّف عند بعض الأمور الّتي بإمكانها أن تجعل الّتمييز أكثر سهولة، أمور لا غنى عنها بالنّسبة للحياة الرّوحيّة: "أوّلاً، المساعدة الأولى والّتي هي العلاقة مع كلمة الله وتعليم الكنيسة، إنّهما يساعداننا على أن نقرأ ما يدور في القلوب وتعلُّم التّعرّف على صوت الله وتمييز هذا الصّوت عن الأصوات الأخرى الّتي يبدو أنّها تفرض نفسها على انتباهنا لكنّها تتركنا في النّهاية في تخبّط... فإنّ صوت الله يتردّد في الهدوء، في الانتباه، في الصّمت."  

 

وأضاف: "إنّ صوت الله لا يفرض ذاته، فصوته هادئ، محترِم، متواضع، ولهذا فهو صوت مطَمئن، إنّنا في السّلام فقط يمكننا الدّخول إلى أعماق أنفسنا ومعرفة الأماني الحقيقيّة الّتي وضعها الرّبّ في قلوبنا". وأراد البابا هنا الإشارة إلى "صعوبة الدّخول في هذا السّلام في حالات كثيرة بسبب انشغالنا بأمور حياتنا اليوميّة"، لكنّه دعا المؤمنين إلى "أن يتوقّفوا بعض الشّيء ويدخلوا في ذواتهم"، مشدّدًا على أهمّيّة التّوقّف ولو دقيقتين للتّعرّف على ما يشعر به القلب، مؤكّدًا أنّ "هذا أمر سيفيدنا كثيرًا لأنّنا في لحظة الهدوء هذه سنسمع على الفور صوت الله".

وفي حديثه عن كلمة الله قال: "إنّها ليست مجرّد نصّ يُقرأ بل هي رجاء حيّ، إنّها من عمل الرّوح القدس، عمل يعزّينا ويُعلِّمنا ويمنحنا النّور والقوّة ومذاق الحياة". وشدّد بالتّالي على أهمّيّة قراءة حتّى مقطع أو مقطعين من الكتاب المقدّس ووصف هذه المقاطع "ببرقيّات صغيرة من الله تصل إلى القلب مباشرة. إنّ كلمة الله هي بشكل ما استباق للفردوس. إنّ هذه العلاقة الحميميّة مع الكتاب المقدّس والإنجيل تقودنا إلى عيش علاقة حميميّة مع الرّبّ يسوع"، وشدّد هنا على "عدم الخوف من مثل هذه العلاقة، فهي علاقة قلب يتحدّث إلى قلب"، وأكّد أنّ "هذه مساعدة أخرى لا غنى عنها. قد تكون لدينا في بعض الأحيان صورة خاطئة عن الله وكأنّه قاضٍ صارم يمسك علينا الأخطاء. إنّ يسوع يكشف لنا على العكس إلهًا مليئًا بالشّفقة والحنان، مستعدًّا للتّضحية بذاته من أجلنا مثل الأب في مثل الابن الضّالّ".

هذا وتحدّث البابا هنا عن "خبرة شخصيّة له في الأرجنتين وذلك خلال حجّ إلى مزار لوخان المريميّ، حيث حدّثه شابّ عن مواجهته لمشكلة خطيرة وأضاف الشّابّ أنّه أخبر أمّه بهذه المشكلة فنصحته بأن يقوم بهذا الحجّ، فستعطيه العذراء النّصيحة. وتابع الشّابّ أنّه أتى إلى هذا الحجّ وشعر بكلمة الله تلمس قلبه، وهو يدرك الآن ما عليه أن يفعل... إنّ كلمة الله تلمس قلوبنا وتغيّر حياتنا. مَن يبقى أمام يسوع المصلوب يشعر بسلام جديد، فالمسيح على الصّليب هو صورة للعجز إلّا أنّها صورة للمحبّة الكاملة القادرة على مواجهة أيّ اختبار بالنّسبة لنا. إنّ آلام المسيح هي الطّريق من أجل مواجهة الشّرّ بدون أن يسحقنا، ففي هذه الآلام ليست هناك إدانة ولا استسلام لأنّ نورًا أكبر يمرّ بها، نور الفصح الّذي يسمح برؤية تصميم أكبر في هذه الأفعال الرّهيبة. إنّ كلمة الله تجعلنا ننظر إلى الطّرف الآخر، فهناك الصّليب، إلّا أنّه في الطّرف الآخر هناك شيء آخر، الرّجاء، القيامة. إنّ كلمة الله تفتح أمامنا كلّ الأبواب لأنّ الرّبّ هو الباب." وكرّر الأب الأقدس بالتّالي الدّعوة إلى العودة إلى الإنجيل خمس دقائق في اليوم وأن نحمله معنا لنقرأ خلال اليوم مقطعًا ونجعل كلمة الله تقترب من قلوبنا.

ثمّ أشار إلى جمال التّفكير في الحياة مع الرّبّ كعلاقة صداقة تكبر يوما بعد يوم، فـ"الصّداقة مع الله قادرة على تغيير القلوب"، وتحدث بالتّالي عن إحدى عطايا الرّوح القدس الكبيرة الّتي تجعلنا قادرين على أن نرى أبوّة الله، "فلدينا آب حنون يحبّنا وأحبّنا دائمًا. إنّ خبرة هذه المحبّة تجعل القلب يذوب، والشّكوك والمخاوف تتساقط، فلا شيء يمكنه معارضة هذه المحبّة، محبّة اللّقاء مع الرّبّ".

ولفت الأب الأقدس إلى عطيّة الرّوح القدس الحاضر فينا والّتي تساعد على التّمييز، فالرّوح القدس "يُعلِّمنا ويجعل كلمة الله الّتي نقرأها حيّة، يقترح معانٍ جديدة ويفتح أبوابًا كانت تبدو مغلقة ويدلّنا على مسارات حياة حيثما كان يبدو هناك فقط الظّلام والاضطراب". وسأل الأب الأقدس المؤمنين هنا إن كانوا يُصلّون إلى الرّوح القدس، وقال: "إنّنا نصلّي إلى الآب وإلى يسوع ولكن لا إلى الرّوح القدس. إنّنا لا نعي أهمّيّة الرّوح القدس، فهو الّذي يمنح الحياة للنّفس، فلندعه يدخل". ثمّ وصف الأب الأقدس الرّوح القدس بالتّمييز العامل فينا، بحضور الله فينا، الهبة، العطيّة الكبرى.

وفي ختام تعليمه الأسبوعيّ، شدّد البابا فرنسيس على أنّ "هدف التّمييز هو التّعرّف على خلاص الرّبّ العامل في حياتنا، إنّه يُذكِّرنا بأنّنا لسنا بمفردنا أبدًا". وكرّر الدّعوة إلى الحديث مع الرّوح القدس وعدم قطع الحوار معه، مؤكّدًا أنّ "علينا مع هذه المساعدات الّتي يهبنا الرّبّ إيّاها ألّا نخاف."