الفاتيكان
13 تشرين الأول 2021, 10:20

البابا فرنسيس يسلّط الضّوء على الحرّيّة، فماذا قال؟

تيلي لوميار/ نورسات
أجرى البابا فرنسيس صباح اليوم المقابلة العامّة مع المؤمنين في قاعة بولس السّادس في الفاتيكان واستهلّ تعليمه الأسبوعيّ قائلًا: "في مسيرة تعاليمنا حول الرّسالة إلى أهل غلاطية، تمكنّا من أن نركِّز على نواة الحرّيّة المركزيّة بالنّسبة للقدّيس بولس: حقيقة أنّه بموت وقيامة يسوع المسيح، تحرّرنا من عبوديّة الخطيئة والموت. بعبارة أخرى: نحن أحرار لأنّنا تحرّرنا، لقد حرّرتنا النّعمة وحرّرنا الحبّ، الذي أصبح القانون الأسمى والجديد للحياة المسيحيّة."

وأضاف: "أودّ اليوم أن أُسلّط الضّوء على كيف أنّ حداثة الحياة هذه تفتحنا لكي نقبل كلّ شعب وثقافة وتفتح في الوقت عينه كلّ شعب وثقافة على حرّيّة أكبر. في الواقع، يقول القدّيس بولس إنّه بالنّسبة للذين يتبعون المسيح، لا يهمُّ إن كان المرء يهوديًّا أو وثنيًّا، ولكنَّ "القِيمةُ لِلإِيمانِ العامِلِ بِالمَحبَّة". لقد كان منتقدو بولس يهاجمونه بسبب هذه الحداثة، بحجّة أنّه قد اتّخذ هذا الموقف بدافع الانتهازيّة الرّعويّة، أيّ "لكي يرضي الجميع"، مقلِّلاً من المتطلّبات التي نالها من أقرب تقاليده الدّينيّة. كما نرى، فإنّ الانتقاد إزاء كلّ حداثة إنجيليّة ليس فقط في أيّامنا هذه، وإنّما يحمل تاريخًا طويلاً؛ لكنَّ بولس لم يبقَ صامتًا بل أجاب بجرأة وقال: "أَفتُراني الآنَ أَستَعطِفُ النَّاسَ أَمِ الله؟ هل أَتوَخَّى رِضا النَّاس؟ لَو كُنتُ إِلى اليَومِ أَتوَخَّى رِضا النَّاس، لَما كُنتُ عَبْدًا لِلمسيح". كذلك في رسالته الأولى إلى أهل تسالونيكي، كان قد عبّر عن ذلك بعبارات مماثلة، عندما قال إنه في بشارته "لَم ينطِقْ بِكَلِمةِ تَملُّقٍ قَطّ... ولا أَضمَر طَمَعًا... ولا طَلَبْ المجْدَ مِنَ النَّاس".

وأكمل: "يظهر فكر بولس مرّة أخرى أنّه يتمتّع بعمق مُلهم. فبالنّسبة له، لا يعني قبول الإيمان التّخلّي عن قلب الثّقافات والتّقاليد، وإنّما فقط عمّا يمكنه أن يعيق حداثة ونقاء الإنجيل. لأنّ الحرّيّة التي نلناها بموت الرّبّ وقيامته لا تدخل في نزاع مع الثّقافات، والتّقاليد التي نلناها؛ لا بل تُدخل إليها حرّيّة جديدة، حداثة محرِّرة، حداثة الإنجيل. إنّ التّحرّر الذي نلناه في المعموديّة، يسمح لنا، في الواقع، باكتساب الكرامة الكاملة لأبناء الله، بحيث، إذ نبقى مُطعّمين في جذورنا الثّقافية، ننفتح على شموليّة الإيمان الذي يدخل في كلّ ثقافة، ويعترف ببذور الحقيقة الموجودة فيها وينمّيها ويحمل إلى تمامه الخير الذي تحتويه.

في الدّعوة إلى الحرّيّة نكتشف المعنى الحقيقيّ لانثقاف الإنجيل: أيّ أن نكون قادرين على إعلان البشرى السّارة للمسيح المخلّص مع احترام ما هو جيّد وحقيقيّ في الثّقافات. إنّه ليس بالأمر السّهل! هناك العديد من الإغراءات للرّغبة في أن نفرض نموذج حياة خاصّ بنا كما لو كان الأكثر تقدّمًا والأكثر جاذبيّة. كم من الأخطاء قد ارتُكِبَت في تاريخ البشارة في الرّغبة في فرض نموذج ثقافيّ واحد! وفي بعض الأحيان، تمَّ اللّجوء على العنف من أجل فرض وجهة نظر معيّنة. بهذه الطّريقة، حُرمت الكنيسة من غنى العديد من التّعابير المحلّيّة التي تحمل في داخلها التّقاليد الثّقافية لشعوب بأكملها. لكن هذا هو عكس الحرّيّة المسيحية تمامًا!

بإختصار، إنّ رؤية بولس للحرّيّة ينيرها ويخصبها بالكامل سرّ المسيح، الذي اتّحد في تجسّده - كما يذكر المجمع الفاتيكانيّ الثّاني - بطريقة معيّنة مع كلّ إنسان. ومن هنا جاء واجب احترام الأصل الثّقافيّ لكلّ شخص، وإدخاله في فُسحة من الحرّيّة لا يُقيِّده أيّ فرض تمليه ثقافة مُسيطرة واحدة. هذا هو معنى تسمية أنفسنا كاثوليك، والتّحدث عن كنيسة كاثوليكيّة: إنّها ليست تسمية اجتماعيّة لكي نميِّز أنفسنا عن المسيحيّين الآخرين؛ إنّ كلمة كاثوليكيّ هي صفة تعني الشّموليّة. هذا يعني أنّ الكنيسة تملك في ذاتها، في طبيعتها، الانفتاح على جميع الشّعوب والثّقافات في كلّ العصور، لأنّ المسيح ولد ومات وقام من أجل الجميع."

وإختتم البابا فرنسيس بالقول: "من ناحية أخرى، الثّقافة بطبيعتها هي في تحوّل مستمرّ. لنفكّر في كيف أنّنا دُعينا لكي نعلن الإنجيل في هذه المرحلة التّاريخيّة من التّغيّير الثّقافيّ العظيم، حيث يبدو أنّ التّكنولوجيا المتقدّمة هي التي تُسيطر. إن كان علينا أن نتظاهر بالحديث عن الإيمان كما كان يحدث في القرون الماضية، فسنواجه خطر ألّا تفهمنا الأجيال الجديدة. إنَّ حرّيّة الإيمان المسيحيّ لا تُشير إلى رؤية ثابتة للحياة والثّقافة، بل إلى رؤية ديناميكيّة. لذلك، نحن لا ندَّعي امتلاك الحرّيّة. وإنّما قد نلنا عطيّة ينبغي علينا أن نحافظ عليها، والحرّيّة هي التي تطلب من كلّ فرد منّا أن يكون في مسيرة مستمرّة، موجَّهًا نحو الملء. إنّه شرط الحجاج. إنّها حالة عابري السّبيل، الذين يكونون في نزوح مستمرّ، والذين إذ تحرّروا من العبوديّة يسيرون نحو ملء الحرّيّة. وهذه هي العطيّة العُظمى التي أعطاها لنا يسوع المسيح. إنَّ الرّبّ قد حررنا من العبوديّة مجانًا ووضعنا على الدّرب لكي نسير في الحّريّة الكاملة."