الفاتيكان
18 تشرين الثاني 2017, 13:31

البابا فرنسيس يستقبل المشاركين في الجمعيّة العامة للمجلس البابوي للثقافة

استقبل قداسة البابا فرنسيس ظهر اليوم السبت في قاعة الكونسيستوار في القصر الرسولي بالفاتيكان المشاركين في الجمعيّة العامة للمجلس البابوي للثقافة وللمناسبة وجّه الأب الأقدس كلمة رحّب بها بضيوفه وقال لقد اختارت جمعيّتكم العامة موضوع المسألة الأنتروبولوجيّة مقترحة أن تفهم الخطوط المستقبليّة لنموِّ العلم والتكنولوجيا، وقد تمحور اهتمامكم بشكل خاص حول ثلاثة مواضيع.


 

أولاً تابع الأب الأقدس يقول الطب وعلم الوراثيات اللذان يسمحان لنا بالنظر داخل بنية الكائن البشري الحميمة والتدخُّل لتغييرها وتبديلها. هما يجعلانا قادرين على استئصال أمراض كانت تُعتبر مُستعصية ولكنهما يفتحان أيضًا الإمكانية لتحديد الكائنات البشريّة من خلال "اختيار وضبط" بعض ميزاتهم.

ثانيًا، أضاف الحبر الأعظم يقول تقدّم علوم الأعصاب على الدوام معلومات أكبر حول طريقة عمل الدماغ البشري. من خلال هذه العلوم تظهر الوقائع الأساسيّة للأنتروبولوجيا المسيحيّة، كالنفس والإدراك والحريّة بطريقة جديدة ويمكن أيضًا أن تتمَّ مُساءلتها. وأخيرًا التقدّم المدهش للآلات المُستقلَّة والمُفكِّرة – التي أصبحت من مكوّنات حياتنا اليوميّة – والذي يحملنا للتأمُّل حول ما هو بشريّ ويجعلنا مختلفين عن الآلات.

تابع البابا فرنسيس يقول جميع هذه التطورات العلمية والتقنية تقود البعض على التفكير بأننا نعيش مرحلة فريدة من تاريخ البشريّة وبأننا عند فجر مرحلة جديدة وولادة كائن بشريٍّ جديد وأفضل من الذي عرفناه حتى اليوم. إنها في الواقع أكبر وأخطر المسائل التي علينا أن نواجهها. لذلك تريد الكنيسة، التي تتابع باهتمام أفراح ورجاء ومخاوف أناس زمننا، أن تضع الشخص البشري والمسائل التي تتعلّق به في محور تأملاتها.

أضاف الحبر الأعظم يقول إن السؤال حول الكائن البشري: "ما الإنسان حتى تذكره؟" يتردّد صداه في الكتاب المقدّس منذ صفحاته الأولى وقد رافق المسيرة الكاملة لإسرائيل والكنيسة. على هذا السؤال قدّم الكتاب المقدّس نفسه جوابًا أنتروبولوجيًّا يحدد بدءًا من سفر التكوين وعبر الوحي العناصر الأساسيّة للعلاقة والحريّة. تتشعّب العلاقة بحسب بعد ثلاثي: نحو المادة والأرض والحيوانات، نحو الإلهي ونحو الكائنات البشريّة الأخرى. أما الحريّة فتظهر في الاستقلاليّة – النسبيّة – والخيارات الأخلاقيّة. هذه البنية الأساسيّة قد دعمت لعصور فكر جزء كبير من البشريّة وتحافظ اليوم أيضًا على قيمتها؛ ولكن في الوقت عينه ندرك أنَّ المبادئ الكبرى والمفاهيم الأساسيّة للأنتروبولوجيا تكون غالبًا عرضة للشك على أساس إدراك أكبر لتعقيد الوضع البشري وتتطلّب تعمُّقًا إضافيًّا.

تابع البابا فرنسيس يقول الأنتروبولوجيا هي أفق الفهم الذاتي الذي نتحرك فيه جميعنا وتحدّد أيضًا نظرتنا للعالم والخيارات الوجوديّة والأخلاقيّة. وقد أصبحت في أيامنا أفقًا متغيِّر بسبب التغيّرات الاجتماعيّة والاقتصاديّة وتنقلات السكان والنقاشات بين الثقافات الناتجة عنها وانتشار ثقافة عالميّة واكتشافات مدهشة علميّة وتقنيّة.

كيف نتفاعل مع هذه التحديات؟ أضاف الأب الأقدس متسائلاً، أولاً علينا أن نعبّر عن امتناننا لرجال ونساء العلم على جهودهم والتزامهم لصالح البشريّة. هذا التقدير للعلوم يجد أساسه في مخطّط الله الذي "اختارَنا قَبلَ إِنشاءِ العالَم... وقَدَّرَ لَنا مُنذُ القِدَم أَن يَتَبنَّانا" (أفسس 1، 3- 5) والذي أوكل إلينا العناية بالخليقة: أن نزرع الأرض ونحرسها، لأنَّ الإنسان على صورة ومثال إله خلق العالم محبّة بنا، وبالتالي يجب على العناية بالخليقة أن تتبع منطق المجانيّة والمحبّة والخدمة ولا منطق التسلّط والاستغلال.

تابع الحبر الأعظم يقول إنَّ العلم والتكنولوجيا قد ساعدانا لتعميق حدود معرفة الطبيعة والكائن البشري بشكل خاص. ولكنَّ هذه الأمور وحدها لا تكفي لتعطينا جميع الأجوبة؛ واليوم ندرك أكثر فأكثر أنّه من الضروري أن نستقي من كنوز الحكمة المحفوظة في التقاليد الدينيّة والحكمة الشعبيّة والأدب والفنون التي تلمس سرّ الوجود البشري في عمقه بدون أن تنسى تلك الموجودة في الفلسفة واللاهوت. وكما أكّدت في الرسالة العامة ":كُن مسبّحًا": "تُصبح آنية الحاجة الملحّة لأنسنة تستدعي شتى مجالات المعرفة... من أجل نظرة أكثر شموليّة وإدماجًا" (عدد 141)، فنتخطّى هكذا الانقسام بين الثقافتين – أي الثقافة الإنسانيّة- الأدبية- اللاهوتيّة والثقافة العلميّة – الذي يقود إلى افتقار متبادل، ونشجّع حوارًا أكبر بين الكنيسة جماعة المؤمنين والجماعة العلميّة.

أضاف الحبر الأعظم يقول تقدم الكنيسة من جهتها بعض المبادئ الكبيرة لتعضد هذا الحوار الأول محوريّة الشخص البشري التي يجب اعتبارها كهدف ولا كوسيلة والثاني وهو التوجيه الشامل للخيور والذي يتعلّق أيضًا بخيور المعرفة والتكنولوجيا. إنَّ التقدّم العلمي والتكنولوجي ضروري لخير البشريّة بأسرها ولا يمكن لمنافعه أن تكون لصالح أقليّة فقط. وختامًا يبقى صالحًا على الدوام مبدأ "ليس كل ما هو ممكن على صعيد تقني يكون مقبولاً على صعيد أخلاقي"؛ لأنَّ العلم كأي نشاط بشريٍّ آخر، يعرف أنَّ هناك حدود عليه احترامها من أجل خير البشريّة. وختم البابا فرنسيس كلمته بالقول أشكركم جميعًا لأنّكم تقومون بخدمة قيّمة، وأستمطر عليكم بركات الرب الوافرة وأسألكم أن تصلّوا من أجلي.