الفاتيكان
05 تشرين الأول 2023, 09:30

البابا فرنسيس يردّ على تساؤلات خمسة كرادلة

تيلي لوميار/ نورسات
أجاب البابا فرنسيس على 5 تساؤلات (دوبيا) وردت إليه في تمّوز/ يوليو الماضي من الكرادلة والتر براندمولر وريموند ليو بورك بدعم من ثلاثة كرادلة آخرين: خوان ساندوفال إينيغيز، روبرت ساراه وجوزيف زين زي كيون. تمّ نشر أسئلة الكرادلة باللّغة الإيطاليّة وإجابات البابا بالإسبانيّة، يوم الإثنين، على موقع دائرة عقيدة الإيمان، نقلها موقع "فاتيكان نيوز"، وفي تفاصيلها ما يلي:

"تساؤل حول التّصريح بأنّه يجب إعادة تفسير الوحي الإلهيّ بناءً على التّغيّرات الثّقافيّة والأنثروبولوجيّة الرّائجة.

بعد تصريحات بعض الأساقفة الّتي لم تُصحَّح ولم يتمُّ التّراجع عنها، يُسأل ما إذا كان يجب إعادة تفسير الوحي الإلهيّ في الكنيسة وفقًا للتّغيّرات الثّقافيّة في عصرنا ووفقًا للرّؤية الأنثروبولوجيّة الجديدة الّتي تعزّزها هذه التّغيّرات؛ أم أنّ الوحي الإلهيّ مُلزِم للأبد، وغير قابل للتّغيير، وبالتّالي لا يمكن مناقضته، وفقًا لما ورد في المجمع الفاتيكانيّ الثّاني، حيث قيل إنّه يجب أن يكون هناك واجب "طاعة الإيمان" تجاه الله الّذي يُظهر الوحي (في الوحي الإلهيّ، عدد ٥)، وأنّ كلّ ما تمّ الكشف عنه من أجل خلاص البشريّة يجب أن يبقى حيًّا وأن تتمّ المحافظة على "سلامته للأبد" وأن يُنقل إلى "جميع الأجيال" (٧)، وأن تقدُّم الفهم لا يتضمّن أيّ تغيير في حقيقة الأمور والكلمات، لأنّ الإيمان قد تمّ نقله "مرّة واحدة وإلى الأبد" (٨)، وأنّ السّلطة التّعليميّة للكنيسة ليست أسمى من كلمة الله، وإنّما هي تُعلِّم فقط ما تمّ نقله (١٠).

أجابات البابا فرنسيس

أيّها الإخوة الأعزّاء، على الرّغم من أنّني لا أجد دائمًا مناسبًا الإجابة على الأسئلة الّتي تُوجّه إليَّ مباشرة، وأنّه من غير الممكن أن أجيب على جميعها، إلّا أنّني في هذا الحالة وبالنّظر إلى قرب انعقاد السّينودس، وجدت أنّه من المناسب أن أقوم بذلك.

الإجابة على السّؤال الأوّل:

إنّ الإجابة تعتمد على المعنى الّذي تعطونه لكلمة "إعادة تفسير". إذا كانت تُفسّر كـ"تفسير أفضل"، فإنّ هذا التّعبير صالح. في هذا السّياق، أكّد المجمع الفاتيكانيّ الثّاني أنّه من الضّروريّ أن "ينضج حكم الكنيسة" من خلال عمل مفسّري الكتاب المقدّس- وأُضيف هنا، من خلال عمل اللّاهوتيّين أيضًا (المجمع الفاتيكانيّ الثّاني، الدّستور العقائديّ، في الوحي الإلهيّ، عدد ١٢(.

لذا، إذا كان صحيحًا أنّ الوحي الإلهيّ لا يتغيّر ومُلزِم على الدّوام، يجب على الكنيسة أن تكون متواضعة وأن تعترف أنّها لا تستطيع أبدًا أن تستنفد غناه الّذي لا يُسبر وأنّها تحتاج إلى أن تنمو في فهمه. وبناءً على ذلك، هي تنمو أيضًا في فهم ما أعلنته في تعاليمها.

إنّ التّغيّرات الثّقافيّة والتّحدّيات الجديدة للتّاريخ لا تغيّر الوحي، ولكن يمكنها أن تحفّزنا لكي نعبّر بشكل أفضل عن بعض جوانب غناه الفائض الّذي يقدِّم أكثر على الدّوام.

من الحتميّ أن يؤدّي ذلك إلى التّعبير بشكل أفضل عن بعض التّصريحات السّابقة للسّلطة التّعليميّة للكنيسة، وهذا في الواقع حدث على مرّ العصور.

من ناحية أخرى، صحيح أنّ السّلطة التّعليميّة للكنيسة ليست أسمى من كلمة الله، ولكن صحيح أيضًا أنّ نصوص الكتاب المقدّس وشهادات التّقليد تحتاج إلى تفسير يسمح بتمييز مضمونها الدّائم عن التّأثيرات الثّقافيّة. هذا واضح، على سبيل المثال، في النّصوص البيبليّة (مثل سفر الخروج ٢١: ٢٠-٢١) وفي بعض مداخلات السّلطة التّعليميّة الّتي كانت تسمح بالعبوديّة (راجع نيكولو الخامس، بابا الكنيسة، المرسوم “Dum Diversas”، لعام ١٤٥٢). وهذا ليس موضوعًا ثانويًّا نظرًا لارتباطه الوثيق بالحقيقة الدّائمة لكرامة الشّخص البشريّ غير القابلة للانتهاك. هذه النّصوص تحتاج إلى تفسير. الأمر نفسه ينطبق على بعض اعتبارات العهد الجديد بشأن النّساء (١ كورنثوس ١١: ٣-١٠؛ ١ تيموثاوس ٢: ١١-١٤) وعلى نصوص أخرى من الكتاب المقدّس وشهادات التّقليد الّتي لا يمكن تكرارها اليوم هكذا كما هي.

من المهمّ التّأكيد على أنّ ما لا يمكن تغييره هو ما تمّ الكشف عنه "من أجل خلاص الجميع" (المجمع الفاتيكانيّ الثّاني، الدّستور العقائديّ، في الوحي الإلهيّ، عدد ٧).  لذلك يجب على الكنيسة أن تميّز باستمرار بين ما هو أساسيّ للخلاص وما هو ثانويّ أو ما لا يرتبط مباشرة بهذا الهدف. يهمّني أن أُذكِّر بما قاله القدّيس توما الأكوينيّ: "كلّما نزلنا إلى التّفاصيل، كلّما زاد الغموض" (الخلاصة اللّاهوتيّة ١-١ ١، س. ٩٤، م. ٤).

في الختام، لن يمكن فهم صياغة واحدة للحقيقة بشكل كافٍ إذا تمّ تقديمها بمفردها، معزولة عن السّياق الغنيّ والمتناغم للوحي بأكمله. إنّ "هرميّة الحقائق" تعني أيضًا وضع كلّ واحدة منها في اتّصال مناسب مع الحقائق الأكثر محوريّة ومع مجمل تعليم الكنيسة. ويمكن لذلك أن يؤدّي في النّهاية إلى وسائل مختلفة لتقديم العقيدة عينها، حتّى ولو قد يبدو ذلك بالنّسبة للّذين يحلمون بعقيدة متشدّدة يدافع عنها الجميع بدون تدرّجات، نوعًا من التّشتيت. لكن الواقع هو أنّ هذا التّنوّع يساعد على إظهار وتطوير جوانب متنوّعة من غنى الإنجيل الّذي لا ينضب (فرح الإنجيل، عدد ٤٠). كلّ تيّار لاهوتيّ له مخاطره الخاصّة، وإنّما لديه أيضًا فرصه.

تساؤل حول الادّعاء بأنّ عمليّة تبريك الاتّحادات بين أشخاص من الجنس نفسه تتوافق مع الوحي والسّلطة التّعليميّة للكنيسة (تعليم الكنيسة الكاثوليكيّة ٢٣٥٧).

وفقًا للوحي الإلهيّ، الّذي يُوكّد عليه الكتاب المقدّس، بأنّ الكنيسة "عملاً بالوصيّة الإلهيّة وبمعونة الرّوح القدس تصغي بتواضع، وتحفظ بقداسة، وتعرض بأمانة" (المجمع الفاتيكانيّ الثّاني، الدّستور العقائديّ في الوحي الإلهيّ، عدد ١٠): في البدء، خلق الله الإنسان على صورته، ذكرًا وأنثى خلقهم وباركهم، لكي يثمروا و يكثروا و يملأوا الأرض (راجع سفر التّكوين ١، ٢٧-٢٨)، لذا يُعلِّم الرّسول بولس أنّ إنكار الفرق بين الجنسين هو نتيجة لإنكار الخالق (رومية ١، ٢٤-٣٢). ولذلك يُطرح السّؤال: هل يمكن للكنيسة أن تستثني من هذا "المبدأ"، وتعتبره، متعارضًا مع ما تمّ تعليمه في " Veritatis Splendor" العدد ١٠٣، كمجرّد مثال بسيط، وأن تقبل كـ"خير ممكن" حالات متّسمة بالإثم بشكل موضوعيّ، مثل الاتّحادات بين أشخاص من الجنس نفسه، دون أن تُنقِّص من العقيدة المُلهَمة؟

إجابة البابا فرنسيس على السّؤال الثّاني:  

لدى الكنيسة تصوّر واضح جدًّا للزّواج: اتّحاد حصريّ وثابت ولا يمكن حلَّه بين رجل وامرأة، ويكون طبيعيًّا مفتوحًا لإنجاب الأبناء. هذا النّوع من الاتّحاد فقط يمكن أن يُطلق عليه اسم "زواج". أمّا أشكال الاتّحاد الأخرى، فهي تحقّق ذلك "جزئيًّا وبطريقة تشابهيّة" فقط (فرح الحبّ، عدد ٢٩٢)، وبالتّالي لا يمكن تسميتها "زواجًا".

إنّها ليست مسألة تسميات فقط، بل الواقع الّذي نسمّيه زواجًا لديه هيكليّة أساسيّة فريدة تتطلّب اسمًا حصريًّا، لا يمكن تطبيقه على واقع آخر. بدون شكّ، إنّها أكثر بكثير من مجرّد "أمر مثاليّ".

لهذا السّبب، تتجنّب الكنيسة أيّ نوع من الطّقوس أو الرّتب الأسراريّة الّتي قد تتعارض مع هذه القناعة وتوحي بأنّها تعترف بأنّ شيئًا ما هو زواج عندما لا يكون كذلك.

ومع ذلك، في العلاقات مع الأشخاص، لا يجب علينا أن نفقد المحبّة الرّاعويّة، الّتي يجب أن تطبع جميع قراراتنا ومواقفنا. إنّ الدّفاع عن الحقيقة الموضوعيّة ليس التّعبير الوحيد عن هذه المحبّة، المكوّنة أيضًا من اللّطف والصّبر والتّفهّم والحنان والتّشجيع. وبالتّالي، لا يمكننا أن نكون ديّانون ينكرون ويرفضون ويستبعدون فقط.

لذلك، يجب على الحكمة الرّعويّة أن تميّز بشكل مناسب ما إذا كانت هناك أشكال بركات، تُطلب من قبل شخص واحد أو أكثر، لا تنقل مفهومًا خاطئًا عن الزّواج. لأنّه عندما تُطلب البركة، يتمّ التّعبير عن طلب مساعدة من الله، وتضرّع للعيش بشكل أفضل، وثقة في أب يمكنه أن يساعدنا على العيش بشكل أفضل.

من ناحية أخرى، على الرّغم من وجود حالات لا يمكن قبولها أخلاقيًّا من وجهة نظر موضوعيّة، إلّا أنّ المحبّة الرّاعويّة عينها تلزمنا بألّا نتعامل كمجرّد "خطأة" مع أشخاص آخرين يمكن لذنبهم أو مسؤوليّتهم أن تُخفَّف من خلال عوامل متعدّدة تؤثّر على المسؤوليّة الشّخصيّة (راجع القدّيس يوحنّا بولس الثّاني، Reconciliatio et Paenitentia، عدد ١٧).

ليس من الضّروريّ أن تصبح القرارات الّتي يمكن أن تكون جزءًا من الحكمة الرّاعويّة في ظروف معيّنة، قاعدة. هذا يعني أنّه ليس من المناسب أن تفعّل أبرشيّة ما أو مجلس أساقفة أو أيّ هيكليّة كنسيّة أخرى باستمرار إجراءات أو طقوس رسميّة لكلّ نوع من القضايا، لأنّ كلّ ما يشكّل جزءًا من تمييز عمليّ أمام حالة معيّنة لا يمكن أن يُرفع إلى مستوى قاعدة، لأنّ هذا الأمر "سيؤدّي إفتاء لا يحتمل في قضايا الضّمير" (فرح الحبّ ٣٠٤). لا يجب على القانون الكنسيّ ولا يمكنه أن يغطّي كلّ شيء، وكذلك لا يجب على المجالس الأسقفيّة مع وثائقها وبروتوكولاتها المتنوّعة أن تدّعي ذلك، لأنّ حياة الكنيسة تتدفّق من خلال العديد من القنوات غير تلك القانونيّة.

تساؤل بشأن التّأكيد بأنّ السّينودسيّة هي "بُعد أساسيّ للكنيسة" (الدّستور الرّسوليّ Episcopalis Communio، عدد ٦)، بحيث تكون الكنيسة بطبيعتها سينودسيّة.

بما أنّ سينودس الأساقفة لا يمثّل مجمع الأساقفة، بل هو مجرّد هيئة استشاريّة للبابا، وبما أنّ الأساقفة كشهود للإيمان لا يمكنهم أن يفوِّضوا اعترافهم بالحقيقة، يُطلب معرفة ما إذا كان من الممكن أن تكون السّينودسيّة المعيار التّنظيميّ الأسمى للحكم الدّائم للكنيسة دون أن تحدث انقلابًا في تكوينها التّأسيسيّ الّذي أراده مؤسّسها، حيث تُمارس السّلطة الكنسيّة العليا والكاملة من قبل البابا بفعل وظيفته، ومن قبل مجمع الأساقفة مع رأسه الحبر الأعظم الرّومانيّ (نور الأمم، عدد ٢٢).

إجابة البابا فرنسيس على السّؤال الثالث:

على الرّغم من أنّكم تعترفون بأنّ السّلطة الكنسيّة العليا والكاملة تُمارس من قبل البابا بسبب وظيفته، وكذلك ومن قبل مجمع الأساقفة مع رأسه الحبر الأعظم الرّومانيّ، فإنّكم من خلال هذه الأسئلة تعبِّرون عن حاجتكم لأن تشاركوا، وتعبّروا بحرّيّة عن آرائكم، وأن تتعاونوا، وبالتّالي أنتم تطلبون نوعًا من "السّينودسيّة" في ممارسة خدمتي.

إنَّ الكنيسة هي "سرّ شركة إرساليّة"، لكن هذه الشّركة ليست فقط عاطفيّة أو سماويّة، بل تتضمّن بالضّرورة مشاركة حقيقيّة: ليس فقط الهرميّة، وإنّما شعب الله بأسره بطرق متنوّعة وعلى مستويات مختلفة يمكنه أن يُسمع صوته ويشعر بأنّه جزء من مسيرة الكنيسة. وبهذا المعنى، يمكننا أن نقول إنّ السّينودسيّة، كأسلوب وديناميكيّة هي بعد جوهريّ لحياة الكنيسة. وفي هذا الصدد، قال البابا القدّيس يوحنّا بولس الثّاني أمورًا جميلة جدًّا في الـ Novo millennio ineunte .

شيء آخر هو تقديس أو فرض منهجيّة سينودسيّة معيّنة تُعجبُ مجموعة ما، وتحويلها إلى قاعدة ومسار إلزاميّ للجميع، لأنّ ذلك سيؤدّي فقط إلى "تجميد" المسيرة السّينودسيّة وتجاهل السّمات المتنوّعة لمختلف الكنائس الخاصّة والغنى المتنوّع للكنيسة الجامعة.

تساؤل حول دعم الرّعاة واللّاهوتيّين للنّظريّة الّتي تقول إنَّ "لاهوت الكنيسة قد تغيّر" وبالتّالي يمكن منح السّيامة الكهنوتيّة للنّساء.

نتيجة لبعض التّصريحات الّتي أطلقها بعض الأساقفة ولم يتمّ تصحيحها أو التّراجع عنها، والّتي قالوا فيها إنّه مع المجمع الفاتيكانيّ الثاني تغيّر لاهوت الكنيسة وكذلك معنى القدّاس، يُطلب معرفة ما إذا كانت لا تزال صحيحة تعليمات المجمع الفاتيكانيّ الثّاني الّتي تقول "إنّ كهنوت المؤمنين المشترك وكهنوت الخدمة مختلفان في الجوهر وليس في الدّرجة فقط" (نور الأمم، عدد ١٠) وأنّ الكهنة بفضل "السّلطة المقدّسة للكهنوت لكي يقرّبوا التّضحية ويغفروا الخطايا (قرار في حياة الكهنة وخدمتهم الرّاعويّة، "الدّرجة الكهنوتيّة"، عدد ٢) يعملون باسم وشخص المسيح الوسيط، الّذي به تُصبح كاملة التّضحية الرّوحيّة للمؤمنين؟ ويُسأل أيضًا ما إذا كان لا يزال صالحًا تعليم البابا القدّيس يوحنّا بولس الثّاني في الرّسالة الرّسوليّة " Ordinatio Sacerdotalis"، والّذي يُعلِّم كحقيقة نهائيّة عدم إمكانيّة منح السّيامة الكهنوتيّة للنّساء، وبالتّالي فإنّ هذا التّعليم ليس معرضًا للتّغيير أو للمناقشة الحرّة من قبل الرّعاة أو اللّاهوتيّين.

إجابة البابا فرنسيس على السّؤال الرّابع:

"إنّ كهنوت المؤمنين المشترك وكهنوت الخدمة مختلفان في الجوهر" (نور الأمم، عدد ١٠)  ولكن ليس من الملائم التّرويج لاختلاف في الدّرجة، والّذي قد يتضمّن اعتبار الكهنوت المشترك للمؤمنين كشيء "من الدّرجة الثّانية" أو أقلَّ قيمة. إنَّ كلا الشّكلين للكهنوت يستنيران من بعضهما البعض ويعضدان بعضهما البعض.

عندما علَّم البابا القدّيس يوحنّا بولس الثّاني أنّه يجب أن نؤكّد "بشكل نهائيّ" على استحالة منح السّيامة الكهنوتيّة للنّساء، لم يكن في أيّ حال يهين النّساء أو يمنح الرّجال سلطة أسمى. إنَّ البابا القدّيس يوحنّا بولس الثّاني قد أكّد أيضًا أمورًا أخرى. على سبيل المثال، قال إنّه عندما نتحدّث عن السّلطة الكهنوتيّة "نكون في سياق الوظيفة، وليس في سياق الكرامة والقداسة" (البابا القدّيس يوحنّا بولس الثّاني، Christifideles laici، عدد ٥١). إنّها كلمات لم نقبلها بعد بما فيه الكفاية. كذلك أكّد أيضًا بوضوح أنّه على الرّغم من أنّ الكاهن يترأّس الإحتفال الإفخارستيّ، إلّا أنَّ المهام "لا تؤدّي إلى تفوّق البعض على البعض الآخر" (البابا القدّيس يوحنّا بولس الثّاني، Christifideles laici، مذكّرة عدد ١٩٠؛ راجع مجمع عقيدة الإيمان، الإعلانInter Insigniores، VI). وأكّد أيضًا أنّه حتّى وإن كانت الوظيفة الكهنوتيّة "هرميّة"، لا يجب أن تُفهم على أنّها شكل من أشكال السّيطرة، وإنّما هي "مخصّصة بشكل كاملة لقداسة أعضاء المسيح" (البابا القدّيس يوحنّا بولس الثّاني، كرامة المرأة، عدد ٢٧). إذا لم يتمَّ فهم هذه الأمور ولم تتمّ الاستفادة من النّتائج العمليّة لهذه التّمييزات، سيكون من الصّعب قبول أنّ الكهنوت محفوظ فقط للرّجال ولن نتمكّن من أن نعترف بحقوق النّساء أو بضرورة مشاركتهنّ، بأساليب مختلفة، في قيادة الكنيسة.

من ناحية أخرى، ولكي نكون دقيقين، علينا أن نعترف بأنّه لم يتمّ بعد تطوير عقيدة واضحة وموثوق بها بشأن الطّبيعة الدّقيقة لـ"إعلان نهائيّ". إنّه ليس تعريفًا عقائديًّا، ومع ذلك يجب أن يكون مقبولاً من قبل الجميع. لا يمكن لأحد أن يناقضه علنيًّا ومع ذلك يمكنه أن تكون موضوعًا للدّراسة، كما في حالة صحّة السّيامات الكهنوتيّة في الشّركة الأنغليكانيّة.

تساؤل حول التّصريح بأنّ "المغفرة هي حقّ بشريّ" وإصرار الأب الأقدس على واجب منح المغفرة للجميع وعلى الدّوام، وبالتّالي فالتّوبة ليست شرطًا ضروريًّا للغفران الأسراريّ.

يُسأل ما إذا كان تعليم المجمع التّريدنتيني لا يزال ساري المفعول، والّذي ينصّ على أنّ ندم الشّخص التّائب هو شرط ضروريّ لصحّة الاعتراف الأسراريّ، وهذا النّدم يقوم على كره الخطيئة الّتي تمَّ ارتكبها مع قرار بعدم العودة للخطيئة مرّة أخرى، ولذلك، يجب على الكاهن تأجيل منح الغفران عندما يكون واضحًا بالنسبة له أنّ هذا الشّرط لم يتحقّق.

إجابة البابا فرنسيس على السّؤال الخامس:

إنَّ التّوبة ضروريّة لصحّة الاعتراف الأسراريّ وتتضمّن نيّة عدم العودة للخطيئة. ومع ذلك، يجب أن أُذكِّر مرّة أخرى أنّه ليس هناك قاعدة رياضيّة هنا، ويجب علينا أن نتذكّر دائمًا أنّ كرسيّ الاعتراف ليس الجمارك.  نحن لسنا أسيادًا، بل وكلاء متواضعون للأسرار الكنسيّة الّتي تغذّي المؤمنين، لأنّ عطايا الرّبّ هذه، ليست ذخائر ينبغي الاحتفاظ بها وإنّما هي مساعدات من الرّوح القدس من أجل حياة الأشخاص.

هناك العديد من الطّرق للتّعبير عن التّوبة. غالبًا ما يكون الاعتراف بالذّنب عذابًا قاسيًا بالنّسبة للأشخاص الّذين قد جُرحوا في تقديرهم لأنفسهم، ولكن مجرّد اقترابهم من سرِّ الاعتراف هو تعبير رمزيّ عن التّوبة وعن البحث عن المساعدة الإلهيّة.

أريد أيضًا أن أذكِّر أنّه "في بعض الأحيان يكون من الصّعب جدًّا أن نُفسح مكانًا في العمل الرّاعويّ لمحبّة الله غير المشروطة" (فرح الحبّ، عدد ٣١١)، ولكن علينا أن نتعلّم ذلك. وإذ أسيرُ على خطى القدّيس يوحنّا بولس الثّاني، أؤكّد أنّه لا ينبغي علينا أن نطلب من المؤمنين مقاصد تصحيح محدّدة ودقيقة بشكل مفرط، تصبح في نهاية المطاف مجرّدة أو حتّى نرجسيّة، ولكن حتّى إمكانيّة السّقوط الجديد المتوقّعة "لا تؤثّر على صدق القصد والنّيّة" (القدّيس يوحنّا بولس الثّاني، رسالة إلى الكاردينال ويليام باوم وللمشاركين في الدّورة السّنويّة لمحكمة التّوبة الرّسوليّة، ٢٢ آذار، مارس عام ١٩٩٦، عدد ٥).

وأخيرًا، يجب أن يكون واضحًا بأنّ جميع الشّروط الّتي عادة ما توضع في الاعتراف بشكل عامّ لا تنطبق عندما يكون الشّخص في حالة من العجز أو تكون قدراته العقليّة والنّفسيّة محدودة."