الفاتيكان
21 تشرين الثاني 2023, 13:30

البابا فرنسيس يخبر عن شخصيّات عيد الميلاد في كتاب

تيلي لوميار/ نورسات
صدراليوم كتاب البابا فرنسيس "Il mio Presepe. Vi racconto i personaggi del Natale" (مغارتي. سأخبركم عن شخصيّات عيد الميلاد) عن دار النّشر Piemme في طبعة مشتركة مع دار النّشر التّابعة للكرسيّ الرّسوليّ.

مقدّمة الكتاب كتبها الحبر الأعظم، أمّا صفحاته فهي عبارة عن سلسلة من النّصوص والتّأمّلات والخطب والعظات الّتي خصّصها البابا للمغارة وشخصيّاتها خلال حبريّته. وفي هذه النّصوص يوجّه البابا دعوة، انطلاقًا من الشّخصيّات والعناصر الّتي نراها في المغارة والّتي رافقت أيضًا أعياد الميلاد الّتي عاشها الأب الأقدس منذ الطّفولة- يسوع، مريم، يوسف، الملائكة، الرّعاة، المجوس، النّجم، المزود-  لكي نكتشف بشكل أعمق وأكثر حميميّة معنى هذا الحدث الخالد: محبّة الله الّتي تقدّم نفسها لكلّ إنسان في صغر، وفقر، وحنان طفل.

وكتب البابا في المقدّمة بحسب "فاتيكان نيوز":

"أردت مرّتين أن أذهب لزيارة غريتشو. في المرّة الأولى لكي أتعرّف على المكان الّذي اخترع فيه القدّيس فرنسيس الأسيزيّ مغارة الميلاد، الأمر الّذي طبع طفولتي أيضًا: في منزل والديّ في بوينس آيرس، لم تغب علامة عيد الميلاد هذه أبدًا، حتّى قبل الشّجرة. أمّا في المرّة الثّانية فقد عدت طواعيّة إلى ذلك الموقع، في مقاطعة رييتي، لكي أوقع الرّسالة الرّسوليّة "Admirabile signum" حول معنى وأهمّيّة مغارة الميلاد اليوم. في كلتا المناسبتين، شعرت بتأثُّر مميّز ينبعث من المغارة حيث يمكنك الاستمتاع بلوحة جداريّة من العصور الوسطى تصوّر ليلة بيت لحم وليلة غريتشو، وضعمها الفنّان كما لو كانتا متوازيين.

يدفعني التّأثُّر أمام ذلك المشهد إلى التّعمّق أكثر في السّر المسيحيّ الّذي يحبّ أن يختبئ داخل ما هو صغير. في الواقع، يبقى تجسّد يسوع المسيح هو قلب وحي الله، حتّى لو أنّنا ننسى بسهولة أنّ ظهوره كان خفيًّا للغاية لدرجة أنّه لا يمكن لأحد أن يلاحظه. إنَّ الصِّغر في الواقع، هو الدّرب إلى اللّقاء بالله، وفي منقوشة تذكاريّة للقدّيس إغناطيوس دي لويولا نجد ما يلي: "Non coerceri amaximo, sed contineri a minor, divinum est". من الإلهيّ أن تكون لديك مُثُل لا يحدّها أيّ شيء موجود، ولكن مُثُل موجودة ومعاشة في أصغر الأشياء في الحياة. بإختصار، لا يجب أن نخاف من الأشياء الكبيرة، وإنّما علينا أن نمضي قدمًا ونأخذ في عين الاعتبار الأشياء الصّغيرة.

هذا هو السّبب الّذي من أجله يصبح الحفاظ على روح المغارة غوصًا سليمًا في حضور الله الّذي يتجلّى في أشياء يوميّة صغيرة، مبتذلة ومتكرّرة في بعض الأحيان. أن نعرف أن نتخلّى عمّا يغوي، ويقودنا إلى طريق سيّئ، لكي نفهم ونختار دروب الله، هي المهمّة الّتي تنتظرنا. في هذا الصّدد، يشكّل التّمييز عطيّة عظيمة، ويجب ألّا نكلّ أبدًا من طلبه في الصّلاة. إنَّ الرّعاة في المغارة هم الّذين يقبلون مفاجأة الله ويختبرون اللّقاء معه بذهول، ويعبدونه: في الصّغر يتعرّفون على وجه الله. نحن جميعًا نميل إنسانيًّا إلى البحث عن العظمة، ولكن أن نجدها حقًّا هي عطيّة: أن نعرف كيف نجد العظمة في ذلك الصّغر الّذي يحبّه الله كثيرًا. في كانون الثّاني يناير ٢٠١٦، التقيت بشباب رييتي في واحة الطّفل يسوع، فوق مزار مغارة الميلاد. لقد ذكّرتهم، واليوم أذكّر الجميع، أنّه في ليلة عيد الميلاد هناك علامتان ترشداننا في التّعرّف على يسوع: الأولى هي السّماء المليئة بالنّجوم. نجوم كثيرة، لا حصر لها، ولكن من بينها جميعًا يبرز نجم خاصّ، ذلك الّذي دفع المجوس لكي يتركوا بيوتهم ويبدؤوا رحلة لم يعرفوا إلى أين ستقودهم. يحدث هذا أيضًا في حياتنا: في لحظة معيّنة، يدعونا "نجم" خاصّ لكي نأخذ قرار، ونقوم بخيار، ونبدأ مسيرة. وبالتّالي علينا أن نطلب بقوّة من الله أن يجعلنا نرى ذلك النّجم الّذي سيقودنا نحو ما هو أكثر من عاداتنا، لأنّ ذلك النّجم سيقودنا إلى التّأمّل بيسوع، ذلك الطّفل الّذي ولد في بيت لحم والّذي يريد سعادتنا الكاملة.

في تلك اللّيلة الّتي تقدّست بميلاد المخلّص نجد علامة قويّة أخرى: صغر الله، فالملائكة تدلُّ للرّعاة على طفل مولود في المذود. إنّها ليست علامة على القوّة أو الاكتفاء الذّاتيّ أو الفخر. لا، إنَّ الله الأزليّ يختفي في إنسان أعزل، ووديع، ومتواضع. لقد تنازل الله لكي نتمكّن من أن نسير معه ولكي يتمكّن من أن يقف إلى جانبنا، وليس فوقنا وبعيدًا عنّا. الدّهشة والتّعجّب هما الشّعوران اللّذان يثيران الجميع، صغارًا وكبارًا، أمام المغارة الّتي تشبه الإنجيل الحيّ الّذي يفيض من صفحات الكتاب المقدّس. لا يهمُّ كيف تُشيِّد مغارة الميلاد، يمكنها أن تكون هي نفسها دائمًا أو أن تتغيّر كلّ عام؛ ما يهمّ هو أن تتحدّث إلى الحياة.

يصف أوّل كاتب سيرة للقدّيس فرنسيس، توماسو دا شيلانو، ليلة عيد الميلاد عام ١٢٢٣، والّتي نحتفل هذا العام بالذّكرى المئويّة الثّامنة لها. عندما وصل القدّيس فرنسيس، وجد المذود مع التّبن والثّور والحمار. وأظهر المتجمعون فرحة لا توصف، لم يسبق لها مثيل، أمام مشهد عيد الميلاد. ثمّ احتفل الكاهن على المذود بالإفخارستيّا، موضحًا العلاقة بين تجسّد ابن الله والإفخارستيّا. وفي تلك المناسبة، في غريتشو، لم يكن هناك أيّ تمثال: بل كوّن مغارة الميلاد وعاشها جميع الّذين كانوا حاضرين هناك.

أنا متأكّد من أنّ المغارة الأولى، الّتي قامت بعمل بشارة عظيم، يمكنها أن تكون اليوم أيضًا فرصة لكي تولِّد الدّهشة والتّعجّب. وهكذا فإنّ ما بدأه القدّيس فرنسيس ببساطة تلك العلامة يبقى حتّى يومنا هذا، كشكل حقيقيّ لجمال إيماننا."