الفاتيكان
26 تشرين الأول 2021, 09:30

البابا فرنسيس يحيّي المرسلين في اليوم الإرساليّ العالميّ

تيلي لوميار/ نورسات
في اليوم الإرساليّ العالميّ، دعا البابا فرنسيس إلى النّظر إلى الطّوباويَّتين الجديدتين الأخت "Lucia dell’Immacolata"، راهبة من راهبات "Ancelle della Carità"الّتي تمّ السّبت تطويبها في بريشيا، وهي "امرأة وديعة ومضيافة، توفّيت عام 1954 عن عمر يناهز 45 عامًا، بعد حياة أمضتها في خدمة الآخرين حتّى عندما كان المرض قد أضعف جسدها ولكن ليس روحها"، وطالبة الطّبّ ساندرا ساباتيني، الّتي توفّيت في الثّانية والعشرين من عمرها في حادث سيارة. فتاة مرحة، إذ حرّكتها محبّة كبيرة والصّلاة اليوميّة، كرّست نفسها بحماس لخدمة الأشدَّ ضعفًا على خطى موهبة خادم الله الأب أوريستي بينزي"، والّتي تمّ إعلانها طوباويّة الأحد في ريميني".

وقال: "لننظر إليهما كشاهدتين أعلنتا الإنجيل بحياتهما"، موجّهًا بامتنان تحيّاته إلى العديد من المرسلين والمرسلات- كهنة، رهبان وراهبات ومؤمنين علمانيّين- الّذين "يبذلون في الصّفوف الأولى طاقاتهم في خدمة الكنيسة، ويدفعون شخصيًّا- وأحيانًا بثمن باهظ- ثمن شهادتهم. ويقومون بذلك لا للاقتناص، وإنّما لكي يشهدوا للإنجيل في حياتهم في الأراضي الّتي لا تعرف يسوع."

هذا الكلام قاله البابا بعد تلاوة صلاة التّبشير الملائكيّ ظهر الأحد، حيث عبّر كذلك عن قربه من  "آلاف المهاجرين واللّاجئين وغيرهم ممّن يحتاجون إلى الحماية في ليبيا"، فقال بحسب "فاتيكان نيوز": "لن أنساكم أبدًا؛ أسمع صراخكم وأصلّي من أجلكم. يتعرّض العديد من هؤلاء الرّجال والنّساء والأطفال لعنف لاإنسانيّ. أطلب مرّة أخرى من الجماعة الدّوليّة أن تفي بوعودها بالبحث عن حلول مشتركة وملموسة ودائمة لإدارة تدفّقات الهجرة في ليبيا وفي جميع أنحاء البحر الأبيض المتوسّط. كم يتألّم هؤلاء المنبوذون! هناك بعض معسكرات الاعتقال الحقيقيّة هناك. من الضّروريّ وضع حدّ لعودة المهاجرين إلى بلدان غير آمنة وإعطاء الأولويّة لإنقاذ الأرواح البشريّة في البحر بواسطة أجهزة إنقاذ ونزول من السّفن وضمان ظروف معيشيّة كريمة لهم وبدائل للاحتجاز ومسارات هجرة نظاميّة والحصول على إجراءات اللّجوء. لنشعر جميعًا بالمسؤوليّة تجاه هؤلاء الإخوة والأخوات الّذين يعيشون منذ سنوات عديدة كضحايا لهذا الوضع الخطير. لنُصلِّ من أجلهم في صمت."

وكان الأب الأقدس قبل الصّلاة قد ألقى كلمة روحيّة قال فيها: "يخبرنا الإنجيل الذي تقدّمه اللّيتورجيا اليوم عن يسوع الّذي وخلال خروجه من أريحا، أعاد البصر إلى برطيماوس، رجل أعمى يتسوّل على طول الطّريق. إنّه لقاء مهمّ، اللّقاء الأخير قبل دخول الرّبّ إلى أورشليم لعيد الفصح. كان برطيماوس قد فقد بصره ولكنّه لم يفقد صوته! في الواقع، عندما سمع أنّ يسوع يمرُّ من هناك، أَخَذَ يَصيح: "رُحماكَ، يا ابنَ داوُد، يا يَسوع!". إنزعج التّلاميذ والجموع من صراخه وانتهروه ليسكت. فَصاحَ أَشَدَّ الصِّياح: "رُحماكَ، يا ابنَ داوُد!". سمع يسوع وتوقّف على الفور. إنّ الله يصغي على الدّوام إلى صرخة الفقراء، ولم ينزعج على الإطلاق من صوت برطيماوس، بل على العكس، تنبّه أنّه صوت مُشبع بالإيمان، إيمان لا يخشى الإصرار، ويقرع باب قلب الله، على الرّغم من سوء الفهم والتّوبيخ. وهنا تكمن جذور المعجزة. في الواقع، قال له يسوع: "إيمانك خلّصك".

إنَّ إيمان برطيماوس يظهر في صلاته. إنّها ليست صلاة صغيرة خجولة وتقليديّة. أوّلاً، يدعو الرّبّ "ابن داود": أيّ يعترف بأنّه المسيح، الملك الآتي إلى العالم. ثمّ يناديه بإسمه بثقة: "يا يسوع". هو لا يخاف منه، ولا يبقى بعيدًا عنه. وهكذا، من قلبه، صرخ إلى الله الصّديق كلّ مأساته: "ارحمني!". لم يطلب منه بعض المال كما يفعل مع المارّة. وإنّما من الشّخص القادر على فعل أيّ شيء طلب كلَّ شيء: "ارحمني، بكلّ ما أنا عليه". هو لم يطلب نعمة، بل قدَّم نفسه: طلب الرّحمة لشخصه، لحياته. إنّه ليس طلبًا صغيرًا، لكنّه جميل، لأنّه يطلب الرّحمة، أيّ شفقة الله ورحمته وحنانه.

إنّ برطيماوس لا يستخدم كلمات كثيرة. يقول الأساسيّ ويوكل نفسه إلى محبّة الله، الّتي يمكنها أن تجعل حياته تزهر مرّة أخرى وتفعل ما هو مستحيل بالنّسبة للبشر. لهذا السّبب، لا يطلب من الرّبّ صدقة، بل يظهر له كلّ شيء، عماه وألمه الّذي كان يذهب أبعد من عدم القدرة على الرّؤية. لقد كان العمى مجرّد قمّة جبل الجليد، وإنّما كان في قلبه جراح، وإذلال، وأحلام محطّمة، وأخطاء، وندم.

"رُحماكَ، يا ابنَ داوُد!". لنجعل اليوم هذه الصّلاة صلاتنا. لنكرّرها. ولنسأل أنفسنا: "كيف هي صلاتي؟". هل هي شجاعة، وتتحلّى بإصرار برطيماوس الجيّد، هل تعرف كيف "تمسك" بالرّبّ الّذي يمرُّ، أم أنّها تكتفي بتأدية تحيّة رسميّة له بين الحين والآخر، عندما أتذكّر؟ ومن ثمّ: هل صلاتي "وطيدة" وتكشف قلبي أمام الرّبّ؟ هل أحمل له تاريخ ووجوه حياتي؟ أم أنّها صلاة ضعيفة وسطحيّة تتكوّن من طقوس بلا عاطفة وبلا قلب؟ عندما يكون الإيمان حيًّا، تكون الصّلاة صادقة وترتفع من القلب: لا تتسوّل، ولا تقتصر على احتياجات اللّحظة. من يسوع، القادر على كلِّ شيء، يجب أن نطلب كلّ شيء. وهو لا ينتظر لكي يسكب نعمته وفرحه في قلوبنا، لكن للأسف نحن الّذين نحافظ على المسافات بيننا وبينه، بسبب الخجل أو الكسل أو عدم الإيمان. ليكن برطيماوس مثالاً لنا بإيمانه الملموس والمُصرِّ والشّجاع. ولتعلّمنا العذراء المُصلِّية، أن نلجأ إلى الله بكلّ قلوبنا، واثقين من أنّه يصغي بتنبُّه إلى كلّ صلاة."