الفاتيكان
10 آذار 2021, 11:20

البابا فرنسيس: يحقّ للشّعب العراقيّ أن يعيش بسلام

تيلي لوميار/ نورسات
في أوّل مقابلة عامّة له بعد عودته من العراق، نقل البابا فرنسيس إلى المؤمنين مشاعر الامتنان الّتي ملأته بعد زيارته لأرض إبراهيم، وتوقّف عند محطّات الزّيارة وأبعادها قائلاً بحسب "فاتيكان نيوز":

"خلال الأيّام الأخيرة، سمح لي الرّبّ بزيارة العراق، مُحقّقًا هكذا مشروع القدّيس يوحنّا بولس الثّاني. لم يسبق أن يزور أب أقدس أرض إبراهيم؛ ولكنَّ العناية الإلهيّة أرادت أن يحدث هذا الآن، كعلامة رجاء بعد سنوات من الحرب والإرهاب وخلال جائحة شديدة.

بعد هذه الزّيارة، امتلأت روحي بالامتنان. إمتنان لله ولجميع الّذين جعلوا هذه الزّيارة ممكنة: لرئيس الجمهوريّة ولحكومة العراق، لبطاركة وأساقفة البلاد، بالإضافة إلى جميع الكهنة والمؤمنين؛ للسّلطات الدّينيّة، بدءًا من آية الله العظمى السّيستاني، الّذي كان لي لقاء معه لا يُنسى في مقرّ إقامته في النّجف.

لقد شعرت بقوّة بمعنى التّوبة الّذي تحمله رحلة الحجّ هذه: لم أستطع الاقتراب من ذلك الشّعب المعذّب، ومن تلك الكنيسة الشّهيدة، دون أن آخذ على عاتقي، بإسم الكنيسة الكاثوليكيّة، الصّليب الّذي يحملونه منذ سنوات؛ صليب كبير كالّذي وُضع عند مدخل قره قوش. لقد شعرت به بطريقة خاصّة عندما رأيت جروح الدّمار الّتي ما زالت مفتوحة، لا بل وأكثر من ذلك من خلال اللّقاء والاستماع إلى الشّهود الّذين نجوا من العنف والاضطهاد والنّفي ... وفي الوقت عينه رأيت حولي فرحة استقبال رسول المسيح، لقد رأيت الرّجاء في الانفتاح على أفق السّلام والأخوّة، مُلخّصًا في كلمات يسوع الّتي كانت شعار الزّيارة: "أنتم جميعًا إخوة". لقد وجدت هذا الرّجاء في خطاب رئيس الجمهوريّة، كما وجدته أيضًا في العديد من التّحيّات والشّهادات، وفي أناشيد وتصرّفات النّاس. لقد قرأته على وجوه الشّباب المشرقة وفي عيون المسنّين المليئة بالحيويّة.

يحقّ للشّعب العراقيّ أن يعيش بسلام، ويحقّ له أن يجد مجدّدًا الكرامة الّتي تخصّه. إنَّ جذوره الدّينيّة والثّقافيّة تعود إلى آلاف السّنين: إنَّ بلاد ما بين النّهرين هي مهد الحضارة، ولطالما كانت بغداد مدينة ذات أهمّيّة قصوى عبر التّاريخ، إذ استضافت أغنى مكتبة في العالم لعدّة قرون. وماذا دمّرها؟ الحرب. الحرب هي دائمًا الوحش الّذي يتغيّر، مع تغيّر العصور، ويستمرّ في التهام البشريّة. لكن الرّدَّ على الحرب ليس حربًا أخرى، والرّدّ على الأسلحة ليس أسلحة أخرى. الجواب هو الأُخوَّة. هذا هو التّحدّي الّذي يواجه العراق، ولكن ليس فقط: إنّه التّحدّي بالنّسبة للعديد من مناطق الصّراع، وبالتّالي، فالأخوّة هي التّحدّي للعالم بأسره. فهل سنكون قادرين على خلق الأخوَّة فيما بيننا؟ وعلى خلق ثقافة الأخوَّة؟ أم أنّنا سنستمرُّ في المنطق الّذي بدأه قايين: أيّ الحرب.

لذلك التقينا وصلّينا مسيحيّين ومسلمين مع ممثّلي الدّيانات الأخرى في أور حيث نال إبراهيم دعوة الله منذ حوالي أربعة آلاف عام. إبراهيم هو أب في الإيمان لأنّه أصغى لصوت الله الّذي وعده بنسل، فترك كلّ شيء وانطلق. والله أمين لوعوده وما زال اليوم أيضًا يوجه خطواتنا نحو السّلام، ويوجّه خطوات الّذين يسيرون على الأرض فيما يتوجّه نظرهم نحو السّماء. وفي أور، إذ كنّا معًا تحت تلك السّماء المشعّة، السّماء عينها الّتي رأى فيها أبونا إبراهيم، نسله، بدى لنا أنَّ صدى تلك العبارة يتردّد مرّة أخرى في قلوبنا: أنتم جميعًا إخوة.

رسالة أخوّة بلغتنا من اللّقاء الكنسيّ في كاتدرائيّة السّريان الكاثوليك في بغداد حيث قُتل عام 2010 ثمانية وأربعين شخصًا من بينهم كاهنين خلال الاحتفال بالقدّاس الإلهيّ. إنّ كنيسة العراق هي كنيسة شهيدة وفي تلك الكنيسة الّتي تحمل منقوشةً في الصّخر ذكرى أولئك الشّهداء تردّد صدى فرح اللّقاء: لقد كانت دهشتي لكوني في وسطهم تنصهر مع فرحهم لوجود البابا بينهم.

لقد أطلقنا رسالة أخوّة من الموصل ومن قره قوش على نهر دجلة بالقرب من أطلال نينوى القديمة. إنّ احتلال داعش قد سبّب هرب الآلاف والآلاف من السّكّان، بما في ذلك العديد من المسيحيّين من مختلف الطّوائف والأقلّيّات المضطهدة الأخرى، ولاسيّما اليزيديّين. لقد دُمِّرت الهويّة القديمة لهذه المدن. والآن هناك جهود كبيرة من أجل إعادة البناء؛ والمسلمون يدعون المسيحيّين للعودة ويرمّمون معًا الكنائس والمساجد. لنواصل، من فضلكم، الصّلاة من أجل إخوتنا وأخواتنا المُمتحنين، لكي يكون لديهم القوّة لكي يبدؤوا من جديد. وإذ أفكّر بالعديد من العراقيّين المهاجرين أودّ أن أقول لهم: لقد تركتم كلّ شيء، مثل إبراهيم، ومثله، حافظوا على الإيمان والرّجاء، وكونوا ناسجين للصّداقة والأخوّة أينما حللتم، وعودوا إذا أمكنكم.

رسالة أخوّة جاءت من الاحتفالين الإفخارستيّين: احتفال بغداد بحسب الطّقس الكلدانيّ، واحتفال أربيل المدينة الّتي استقبلني فيه رئيس الإقليم ورئيس وزرائه والسّلطات والشّعب. لقد تحقّق رجاء إبراهيم ونسله في السّرّ الّذي احتفلنا به، في يسوع، الابن الّذي لم يشفق الله الآب عليه، بل قدّمه من أجل خلاص الجميع: بموته وقيامته، فتح لنا الممرَّ إلى أرض الميعاد، وإلى الحياة الجديدة حيث تُكَفكَفُ الدّموع، وتلتئم الجراح، ويتصالح الإخوة.

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، لنحمد الله على هذه الزّيارة التّاريخيّة، ولنواصل الصّلاة من أجل تلك الأرض ومن أجل الشّرق الأوسط. في العراق، وعلى الرّغم من جلبةِ الدّمار والأسلحة، استمرّت أشجار النّخيل، رمز الوطن ورجاؤه، في النّموّ وفي أُتيان الأثمار. وهكذا أيضًا هو الأمر بالنّسبة للأخوَّة: هي لا تُحدث ضوضاء، لكنّها تثمر وتجعلنا ننمو. ليمنح الله، الّذي هو السّلام، العراق والشّرق الأوسط والعالم أجمع مستقبل أخوّة!".