الفاتيكان
24 آذار 2020, 14:30

البابا فرنسيس يحذّر من الفتور

تيلي لوميار/ نورسات
من أجل الأطبّاء والكهنة الملتزمين في مساعدة مرضى فيروس كورونا، صلّى البابا فرنسيس اليوم خلال قدّاسه الصّباحيّ، في كابيلا القدّيسة مرتا، مشيرًا إلى أنّه "حتّى يومنا هذا فقد أربعة وعشرون طبيبًا حياتهم خلال قيامهم بواجبهم الطّبّيّ تجاه الأشخاص المصابين بفيروس الكورونا، وهناك حوالي خمسة آلاف عامل صحّيّ قد أُصيبوا وخمسون كاهنًا قد توفّوا بسبب هذا الوباء"، وقال: "لقد بلغني خبر وفاة بعض الأطبّاء والكهنة وإصابة بعض الممرّضين لأنّهم كانوا في خدمة المرضى. لنصلِّ من أجلهم ومن أجل عائلاتهم كما أنّني أشكر الله على مثال البطولة الّذي يقدّمونه لنا في عنايتهم للمرضى."

وبعد الإنجيل المقدّس، توقّف البابا عند إنجيل يوحنّا حول شفاء يسوع لرجل عليل عند بركة بيت ذاتا، مضيئًا على خطيئة "الفتور"، فقال بحسب "فاتيكان نيوز": "تجعلنا اللّيتورجية اليوم نفكّر حول الماء، الماء كعلامة خلاص، لأنّ الماء هو أداة خلاص ولكن بإمكانه أيضًا أن يكون وسيلة دمار: لنفكّر بالفيضانات على سبيل المثال... ولكنّ الماء في هذه القراءات هو للخلاص. ففي القراءة الأولى نجد الماء الّذي يحمل الحياة ويشفي مياه البحر أمّا في الإنجيل فنجد البركة الّتي كان ينزل فيها المرضى ليشفوا، لأنّ مياهًا كانت تفور من وقت لآخر لأنَّ ملاكًا كان ينزل من السّماء ليحرّكها، وكان المرضى الّذين ينزلون فيها أوّلاً يشفون لوقتهم. وكثيرون مِنَ المَرضَى بَينَ عُميانٍ وعُرجٍ وكُسحان، كانوا يضَّجعون هناك منتظرين تحريك الماء. وكانَ هُناكَ رَجُلٌ عَليلٌ مُنذُ ثَمانٍ وثَلاثينَ سَنَة ينتظر الشّفاء هناك. وهذا أمر يدعونا للتّفكير... إنّها فترة طويلة لأنّه عندما يكون هناك شخص يريد أن يُشفى فهو سيدبِّر نفسه لكي يجد شخصًا يساعده لينزل في الماء... ولكنَّ هذا الرّجل بقي هناك لثمانية وثلاثين سنة لدرجة أنّه لم يعد واضح إن كان مريضًا أو ميتًا. فرَآهُ يسوعُ مُضَّجِعًا، فعَلِمَ أَنَّ له مُدَّةً طَويلَةً على هذِه الحال. فقالَ له: "أَتُريدُ أَن تُشفى؟"، فجاء جوابه مثيرًا للاهتمام لأنّه لم يجب بـ"نعم" بل بدأ يتذمّر قائلاً: "يا ربّ، ليسَ لي مَن يَغُطُّني في البِركَةِ عِندَما يَفورُ الماء. فبَينَما أَنا ذاهِبٌ إِلَيها، يَنزِلُ قَبْلي آخَر"، فقال له يسوع: "قُم فَاحمِلْ فِراشَكَ وامشِ". فشُفِيَ الرَّجُلُ لِوَقتِه، فحَمَلَ فِراشَه ومشى.

إنَّ موقف هذا الرّجل يجعلنا نفكّر. هل كان مريضًا؟ نعم وربّما كان يعاني من شلل صغير ولكن يبدو أنّه كان بإمكانه أن يمشي قليلاً. لكنّه كان مريضًا في قلبه وروحه، لقد كان مريضًا بالتّشاؤم والحزن... كان مريضًا بالفتور. هذا هو مرض هذا الرّجل: "نعم أريد أن أعيش..." ولكنّه كان هناك. وما كان جوابه: "نعم أريد أن أشفى!" لا؟ بل كان يتذمّر: "بَينَما أَنا ذاهِبٌ إِلَى البركة، يَنزِلُ قَبْلي آخَر". وبالتّالي جاء جوابه على سؤال يسوع تذمُّرًا على الآخرين، وهكذا كان لثمان وثلاثين سنة يتذمّر على الآخرين ولم يكن يفعل شيئًا لكي يُشفى. لقد تمَّ الشّفاء في يوم السّبت وقد سمعنا ما فعله علماء الشّريعة. لكنَّ النّقطة الأهمّ كانت اللّقاء بيسوع بعدها، إذ لَقِيَه في الهَيكل، فقالَ له: "قد تَعافَيتَ، فلا تَعُدْ إِلى الخَطيئَة، لِئَلاَّ تُصابَ بِأَسوَأَ". لقد كان ذلك الرّجل خاطئًا ولكن خطيئته لم تكن عظيمة، لقد كانت خطيئته البقاء على قيد الحياة والتّذمّر على الآخرين: إنّها خطيئة الحزن الّذي هو بذرة الشّيطان، وعدم القدرة على اتّخاذ قرار في حياته وإنّها خطيئة النّظر إلى حياة الآخرين للتّذمّر، لا لانتقادهم وإنّما للتذمّر وحسب: هم ينزلون قبلي، وأنا ضحيّة هذه الحياة؛ هؤلاء الأشخاص يتنفّسون التّذمُّر.

إن شابهناه بالرّجل الأعمى منذ ولادته الّذي سمعنا قصّته يوم الأحد الماضي بكم من الفرح والحزم أخذ شفاءه، وبكم من الحزم أيضًا ذهب لمناقشة علماء الشّريعة. أمّا هذا الرّجل فذهب إِلى اليَهود، فأَخبرَهُم أَنَّ يسوعَ هوَ الَّذي شَفاه. بدون أيّ التزام في حياته، وهذا الأمر يجعلني أفكّر في العديد منّا في العديد من المسيحيّين الّذين يعيشون في حالة الفتور غير قادرين على فعل أيّ شيء ما خلا التّذمُّر من كلّ شيء. الفتور هو سمٌّ وغيمة تلفُّ النّفس وتمنعها من العيش؛ كذلك هو مخدِّر أيضًا لأنّك إن اعتدت عليه سيعجبك، وينتهي بك الأمر بالإدمان على الحزن والفتور... وهذه خطيئة قد أصبحت عاديّة بيننا الحزن والفتور.

سيساعدنا أن نعيد قراءة الفصل الخامس من إنجيل القدّيس يوحنّا لنرى كيف هو هذا المرض الّذي من الممكن أن نقع فيه. يمكن للماء أن يخلّصنا، قد يقول لي أحدكم: "لكن لا يمكنني أن أخلُص"، لماذا؟ - "بسبب الآخرين". وأبقى هناك لثمانية وثلاثين سنة... يأتي يسوع ويشفيني وحتّى عندها ردّة فعلي ليست كالآخرين الّذين شُفوا إذ حملوا أسرّتهم فرحين وراحوا يشكرون الله ويخبرون العالم بأسره، وإنّما وعلى مثال هذا الرّجل أسير قدمًا وفيما يقول له اليهود إنّه لا يحلُّ له أن يحمل فراشه يوم السّبت يجيب: "إِنَّ الَّذي شَفاني قالَ لي: اِحمِلْ فِراشَكَ وامشِ؟" وتابع مسيرته. وبعد أن عرف أنّ يسوع هو الّذي شفاه بدلاً من أن يذهب إليه ليشكره، ذهب إِلى اليَهود، فأَخبرَهُم أَنَّ يسوعَ هوَ الَّذي شَفاه. إنّها حياة فاترة بسبب روح الفتور والحزن الّذي يسيطر عليها.

لنفكّر في الماء. الماء هو علامة لقوّتنا وحياتنا، الماء الّذي استعمله يسوع ليلدنا من جديد في المعموديّة. لنفكّر أيضًا بذواتنا، إن كان أحدنا معرّض للسّقوط في هذا الفتور وهذه الخطيئة، الخطيئة غير المحدّدة، الّتي ليست بيضاء ولا سوداء ولا نعرف ما هي. إنّها خطيئة يمكن للشّيطان أن يستعملها ليدمّر لنا حياتنا الرّوحيّة وحياتنا كأشخاص".

وفي ختام الذّبيحة الإلهيّة، دعا البابا المؤمنين إلى المناولة الرّوحيّة بعد أن منح البركة بالقربان المقدّس.