الفاتيكان
28 تشرين الأول 2022, 06:30

البابا فرنسيس يجيب على أسئلة كثيرة للكهنة والإكليريكيّين

تيلي لوميار/ نورسات
أجاب البابا فرنسيس على أسئلة الكهنة والإكليريكيّين الّذين يدرسون في روما، وذلك خلال استقبالهم يوم الإثنين، متطرّقًا إلى مواضيع هامّة مثل التّمييز والقرب والمرافقة الرّوحيّة والعلاقة بين الإيمان والعلم وغيرها.

وبحسب "فاتيكان نيوز"، كان أول الأسئلة "حول النّصيحة الّتي يمكنه أن يقدّمها فيما يتعلّق بالإرشاد الرّوحيّ للكهنة الشّبّان. وفي إجابته ذكَّر البابا فرنسيس بأنّ التّعبير المستخدم اليوم هو المرافقة الرّوحيّة، وتابع أنّ هذه المرافقة ليست إجباريّة ولكن يمكن لمن ليس لديه مَن يساعده على السّير أن يسقط. وأضاف قداسته أنّ من الجيّد في بعض الحالات أن يرافقنا مَن يعرف حياتنا ولا يعني هذا بالضّرورة المُعرِّف، وأراد البابا فرنسيس هنا التّفرقة بين المعرِّف والمرشد الرّوحيّ، فبينما نعترف للأوّل بالخطايا فإنّنا نُطلع المرشد الرّوحيّ على ما يحدث في قلوبنا وعلى الجوانب الرّوحيّة.

أجاب قداسة البابا بعد ذلك على سؤال حول كيفيّة أن يكون الكاهن في خدمته جسرًا بين عالمَي الإيمان والعلم، وشدّد في البداية على أهمّيّة عدم إنكار دور العلم. وتابع البابا فرنسيس مشيرًا إلى ضرورة الإصغاء والانفتاح على القضايا والمشاكل المختلفة، وخاصّة أمام الطّلّاب الجامعيّين، وعدم اللّجوء خلال التّساؤل حول أسباب المشاكل إلى تلك الإجابات الّتي كانت تُستخدم من قبل والّتي هي إجابات نظريّة ولا يمكنها أن تكون ردًّا ملائمًا على تساؤلات طالب جامعيّ. أكّد قداسته بالتّالي ضرورة التّحلّي بنظرة واسعة، وأضاف مشدّدًا على أهمّيّة التّواضع، فليست لدينا بالضّرورة إجابات على الأسئلة كافّة، ويمكننا أن ننصح من يسأل بالتّوجّه إلى شخص خبير في المواضيع محور السّؤال. وأراد قداسته التّذكير هنا بأنّ يسوع كثيرًا ما كان يجيب على الشّكوك بلفت الأنظار إلى شكوك أخرى، وأشار على سبيل المثال إلى ردّ يسوع على رئيس المجمع المستاء من قيام يسوع بشفاء امرأة يوم السّبت، حين قال: "أَيُّها المُراؤون، أَما يَحُلُّ كُلٌّ مِنكُم يومَ السَّبْتِ رِباطَ ثَورِه أَو حِمارِه مِنَ المِذوَد، ويَذهَبُ بهِ فيَسقيه؟" وهكذا أوضح يسوع ما يحمل السّؤال في حدّ ذاته من تناقض.

كان السّؤال التّالي حول ما يجب عمله لعدم فقدان رائحة الخراف خلال الخدمة الكهنوتيّة. وشدّد الأب الأقدس في إجابته على ضرورة التّواصل مع شعب الله المقدّس، وأضاف أنّ في حال ابتعاد الكاهن فقد يصبح لاهوتيًّا أو فيلسوفًا جيّدًا لكنّه سيفقد القدرة على لمس رائحة الخراف، وستفقد نفسه القدرة على أن تسمح لهذه الرّائحة بأن توقظها. وأكّد البابا ضرورة أن يكون هناك لكلّ كاهن خبرة رعويّة أسبوعيّة على الأقلّ، وأراد الحديث هنا عن أربعة أشكال من القرب، القرب من الله ومن الأساقفة، القرب المتبادل بين الكهنة ثمّ القرب من شعب الله.

أجاب البابا فرنسيس بعد ذلك على سؤال حول كيفيّة تحقيق توازن بين خبرة الرّحمة والسّعي إلى عيش الفضيلة وبلوغ القداسة. وأعرب قداسته عن عدم رضاه عن استخدام كلمة توازن وذلك لأنّ الحياة ليست في توازن، فهي مسيرة وتعني لقاء أشياء قد تُفقدنا التّوازن. وتابع أنّنا خطأة وأنّ التّوازن في الحياة هو أيضًا توازن مع خبرة المغفرة والرّحمة. وأشار هنا إلى أهمّيّة التّوجّه للاعتراف والّذي هو شكل من عدم التّوازن لأنّه يدفعنا إلى التّواضع. كما وتحدّث قداسته عن العيش بشكل يوميّ في عدم توازن ولكن مع التّمييز خلال ذلك، مضيفًا أنّه في عدم التّوازن يحرّك فينا الله الرّغبة في النّهوض عقب الخطيئة وفي عمل ما هو صالح، وهكذا نصل إلى توازن مختلف، توازن ديناميكيّ.      

كان السّؤال التّالي حول أهمّ عناصر تنشئة الإكليريكيّين، وقال البابا فرنسيس في إجابته إنّه من الضّروريّ أن يكون هناك في الإكليريكيّة عدد من الطّلّاب يجعل منهم جماعة، فحين يكون هناك خمسة إكليريكيّين فليست هذه إكليريكيّة بل حركة في رعيّة. يجب أن يكون هناك ٢٥ أو ٣٠ إكليريكيًّا مثلاً أو عدد أكبر مقسّم إلى مجموعات أصغر تشكّل جماعات صغيرة. وواصل متحدّثًا عن أهمّيّة التّنشئة الرّوحيّة للإكليريكيّين وتأهيل الطّلّاب على التّمييز الرّوحيّ والتّنشئة الرّوحيّة وعلوم الرّوح. تربية هامّة أخرى هي تلك الفكريّة، قال البابا، ثمّ تأتي التّربية الجماعيّة أيّ على العيش في جماعة. ثمّ توقّف قداسة البابا عند الحياة الرّسوليّة مشيرًا على سبيل المثال إلى توجّه الطّلّاب الإكليريكيّين إلى الرّعيّة في نهاية الأسبوع ما يمنحهم القدرة على التّواجد في الواقع.

أجاب الأب الأقدس بعد ذلك على سؤال حول استخدام وسائل وأدوات العالم الرّقميّ وشبكات التّواصل الاجتماعيّ لتقاسم فرح كوننا مسيحيّين بدون نسيان هويّتنا، وأشار البابا إلى قناعته بأهمّيّة استخدام هذه الوسائل وتابع أنّ هذا قد لا يكون عالمه لكنّه نصح الكهنة والإكليريكيّين باستخدام الوسائل الحديثة فقط كمساعدة للسّير إلى الأمام والتّواصل، وحذّر من الالتهاء بهذه الوسائل إلى جانب التّحذير من خطر المواد الإباحيّة على الشّبكة.

ومن الأسئلة الأخرى الّتي أجاب عليها البابا فرنسيس سؤال حول كيفيّة خروج الإكليريكيّين من مناطق الرّاحة من أجل تبشير شبّان آخرين، وما هي التّحدّيات أمام الشّباب الرّاغبين في أن يصبحوا كهنة اليوم. وقال قداسته إنّ كلمة الرّاحة قد تدفع الكهنة إلى البحث عن الهدوء، وتحدّث هنا عن كاهن قال له إنّه بدون النّاس لن يكون كاهنًا، كما وحذّر قداسته من شخصيّة الكاهن الموظّف مشيرًا إلى أنّ هذا هو أحد أشكال الرّاحة. ثمّ ذكَّر الأب الأقدس بكون الكهنوت خدمة مقدّسة لله وخدمة للجماعة، وأشار إلى أنّ هناك شيئًا سلبيًّا قد يرافق الرّاحة ألا وهو التّسلّق، وأضاف أنّ الكاهن المتسلّق هو خائن وليس خادمًا. وفي إجابته على السّؤال حول الكرازة وتبشير الكهنة الشّبّان لشباب آخرين تحدّث البابا فرنسيس عن أهمّيّة الانطلاق من الشّركة والمشاركة والرّسالة، فبوجود الشّركة أنت تفكّر في الآخرين، وبالمشاركة تتقاسم معهم، وبالرّسالة تفكّر فيهم.

تحدّث البابا فرنسيس أيضًا في إجابته على أسئلة الكهنة والإكليريكيّين عن التّمييز، فقال إنّ التّمييز الصّحيح لا يكمن في التّوازن وذلك لأنّ الوضع الّذي نريد التّمييز حوله يكون غير متوازن، ويتمثّل التّمييز الصّحيح بالتّالي في السّعي إلى أن يجد عدم التّوازن هذا طريق الله، وأشار قداسته هنا إلى أنّ بلوغ هذا هو نعمة الصّلاة والمرافقة الرّوحيّة. وأراد الأب الأقدس في هذا السّياق التّفرقة بين التّوازن والتّناغم، فالتّوازن أمر رياضيّ وفيزيائيّ، أمّا التّناغم فهو مرتبط بالجمال. وتابع أنّه لا يمكن القيام بتمييز مسيحيّ بدون الرّوح القدس، فاللّاتوازن يُحمل إلى الصّلاة فيدخل درب الرّوح القدس الّذي يحمله إلى حالة تناغم. وتابع البابا فرنسيس مشيرًا إلى أنّ ثمرة التّمييز الصّحيح هو التّعزية الرّوحيّة.

ها وكان من بين الحاضرين كاهن أوكرانيّ وجّه إلى البابا فرنسيس سؤالاً حول الدّور الّذي يمكن أن تقوم به الكنيسة الكاثوليكيّة في المناطق الّتي تضربها الحروب وما هو واجب الكهنة في هذه المناطق. وبدأ الأب الأقدس إجابته مذكّرًا بأنّ الكنيسة هي أمّ، أمّ لجميع الشّعوب، وحين يتشاجر الأبناء فإنّ الأمّ تتألّم، والكنيسة بالتّالي تتألّم بالضّرورة أمام الحروب الّتي تعني دمار الأبناء. وتحدّث قداسته عن ضرورة تقديم الكنيسة في بلد مثل أوكرانيا المساعدة لمن يتحمّلون تبعات الحرب، مَن يفقدون بيوتهم والجرحة، وأضاف أنّ دور الكنيسة الأوّل كأمّ هو القرب ممّن يعانون. عليها من جهة أخرى الإبداع من أجل بلوغ السّلام، قال البابا فرنسيس مشيرًا إلى صعوبة هذا في أوكرانيا. وأراد لفت الأنظار هنا إلى أنّه بالنّسبة للمسيحيّين هناك حبّ الوطن الّذي يقود إلى الدّفاع عنه، ولكن هناك حبّ أكثر اتّساعًا وشمولاً، وعلى الكنيسة الأمّ أن تكون قريبة من الجميع، من جميع الضّحايا، والصّلاة أيضًا من أجل المعتدين، هذا هو التّصرّف المسيحيّ، قال البابا".