البابا فرنسيس: يجب ألّا يكون القضاء على الجوع مجرّد شعار
بداية عبّر البابا، بحسب "فاتيكان نيوز" عن رغبته "في أن أنقل إلى هذا المكان تطلّعات واحتياجات الكثير من أخوتنا الّذين يعانون في العالم. يعجبني التّمكّن من أن ننظر إلى وجوه هؤلاء الأشخاص بدون خجل، وذلك لأنّنا استمعنا أخيرًا إلى صرختهم والاهتمام بمخاوفهم. وأتوقّف عند الأوضاع الصّعبة الّتي يعيشونها، ما بين تلوّث الهواء والأنهار وتضاؤل مواردهم الطّبيعيّة، عدم توفّر المياه الكافية لأنفسهم وللزّراعة، هذا إلى جانب ضعف البنى التّحتيّة الصّحّيّة وفقر وتردّي مساكنهم.
هذا الواقع يتواصل مع مرور الزّمن، بينما توصّلت مجتمعاتنا في المقابل إلى نتائج عظيمة في مجالات معرفة مختلفة، ما يعني أنّنا أمام مجتمع قادر على التّقدّم في مشاريعه من أجل الخير وسينتصر أيضًا في المعركة ضدّ الجوع والفقر إذا ما قصد هذا جدّيًّا. من هنا ضرورة العزم في هذا الكفاح وذلك كي يكون القضاء على الجوع لا مجرّد شعار. ويستدعي هذا مساعدة الجماعة الدّوليّة والمجتمع المدنيّ ومَن يملكون الموارد.. ولا يمكن التّهرّب من المسؤوليّة وتحميلها واحد للآخر، بل يجب تحمّلها من أجل تقديم حلول ملموسة وحقيقيّة".
ثمّ ذكّر الأب الأقدس بتشجيع الكرسيّ الرّسوليّ الدّائم لجهود الهيئات الدّوليّة في مواجهة الفقر، "حين دعا البابا القدّيس بولس السّادس، أوّلاً سنة 1964 من بومباي في الهند ثمّ في مناسبات أخرى لاحقًا، إلى تأسيس صندوق عالميّ لمحاربة الفقر ومنح دفعة هامّة للارتقاء المتكامل للمناطق الأكثر فقرًا. وجميع مَن خلف البابا بولس السّادس لم يتوقّفوا عن تحفيز وتشجيع مبادرات شبيهة، وليس الصّندوق الدّوليّ للتّنمية الزّراعيّة، إيفاد، سوى أحد الأمثلة على ذلك".
وأشار إلى أنّه أمام جلسة مجلس محافظي الصّندوق الّتي تُفتتح اليوم في دورتها الثّانية والأربعين، عملاً مثيرًا وهامًّا، ألا وهو خلق إمكانيّات غير مسبوقة وتفادي أيّ تردّد ووضع كلّ شعب في الظّروف الّتي تمَكّنه من مواجهة الاحتياجات الّتي تؤلمه"، مشيرًا في هذا السّياق إلى "برنامج التّنمية المستدامة لعام 2030 والّذي وضعته الجماعة الدّوليّة ولا يزال عليها القيام بخطوات إضافيّة من أجل تحقيق فعليّ للأهداف السّبعة عشر الّتي يتضمّنها هذا البرنامج. من هنا أهمّيّة إسهام الصّندوق الدّوليّ للتّنمية الزّراعيّة، إيفاد، الّذي لا غنى عنه في تحقيق الهدفين الأوّلين المتعلقَّين بالقضاء على الفقر ومحاربة الجوع وتعزيز السّيادة الغذائيّة؛ وأهمّيّة تحقيق تنمية زراعيّة، فبدونها لن يكون أيّ من هذه الأمور ممكنًا. ويدور الحديث منذ فترة عن هذه التّنمية لكنّها لم تتحقّق بعد.
هذا وأشار الأب الأقدس إلى "تناقض عيش جزء كبير مما يزيد عن 820 مليون شخص يعانون من الجوع وسوء التّغذية في مناطق ريفيّة، وهذا العدد الكبير يتألّف من مزارعين يعملون في إنتاج الأغذية... وهناك أمر آخر لا يمكن تجاهله، ألا وهو الرّحيل عن المناطق الرّيفيّة كتوجّه عالميّ. ومن جهة أخرى إنّ التّنمية المحلّيّة لها قيمتها في حدّ ذاتها، لا من أجل تحقيق أهداف أخرى، وذلك لأنّها تعني أن يتمكّن كلّ شخص وكلّ جماعة من الاستفادة من قدراتهم بشكل كامل ليعيشوا هكذا حياة كريمة".
ثمّ دعا البابا بعد ذلك مسؤولي الدّول والمنظّمات ما بين الحكومات، وأيضًا مَن يمكنهم الإسهام من القطاعين العامّ والخاصّ، إلى تطوير القنوات الضّروريّة لتطبيق الإجراءات الملائمة في المناطق الرّيفيّة، كي يكونوا صانعين مسؤولين لإنتاج هذه المناطق وتقدّمها، مؤكّدًا أنّ "المشاكل الّتي تؤثّر سلبًا على الكثير من أخوتنا لا يمكن حلّها بشكل منعزل أو عرضيّ أو مؤقّت، بل علينا اليوم وأكثر من أيّ وقت سابق توحيد الجهود وإقامة روابط، فتحدّيات اليوم متشابكة ولا يمكننا مواصلة مواجهتها بحلول لحالات طوارئ".
كما لفت إلى "ضرورة منح دور مباشر لمن يصيبهم الفقر، لا مجرّد أن نعتبرهم المستفيدين من مساعدة قد تقود إلى تبعيّة"، وإلى التّأكيد المستمرّ لمركزيّة الشّخص البشريّ. وأشار البابا هنا إلى ما وصفها "بنتائج أفضل لعمل الصّندوق الدّوليّ للتّنمية الزّراعيّة خلال السّنوات الأخيرة من خلال لامركزيّة أكبر وتعزيز التّعاون، وتنويع مصادر التّمويل وأساليب العمل، مشجّعًا على مواصلة السّير على هذه الدّرب.
وفي ختام كلمته، توقّف البابا فرنسيس عند "ضرورة التّركيز على التّجديد وقدرات قطاع الأعمال ودور اللّاعبين المحلّيّين وكفاءة الأنظمة الإنتاجيّة، وذلك للقضاء على سوء التّغذية ولتطوير المناطق الزّراعيّة بشكل مستدام". فضلاً عن "تطوير العلم مع الضّمير، ووضع التّكنولوجيا بالفعل في خدمة الفقراء"، و"تفادي تعارض التّقنيّات الحديثة مع الثّقافات المحلّيّة والمعارف التّقليديّة، بل يجب أن تتكامل معها"، داعيًا الجميع أن يصبّ عملهم لصالح ضحايا الإقصاء واللّامبالاة والأنانيّة، معربًا عن رجائه في رؤية الهزيمة الكاملة للجوع، وحصاد وافر من العدالة والرّخاء.