الفاتيكان
22 آذار 2024, 07:40

البابا فرنسيس يتحدّث عن فضيلة الحكمة

تيلي لوميار/ نورسات
أجرى البابا فرنسيس صباح الأربعاء مقابلته العامّة مع المؤمنين في ساحة القدّيس بطرس في الفاتيكان حيث ألقى تعليمه الأسبوعيّ متحدّثًا عن فضيلة الحكمة بحسب ما أورد "فاتيكان نيوز"، فقال:

"إنّ تعليم اليوم مكرّس لفضيلة الحكمة. إنّها، إلى جانب العدالة والقوّة والاعتدال، تشكّل ما يُعرف بالفضائل الأساسيّة، التي ليست حكرًا على المسيحيّين حصريًّا، ولكنّها تنتمي إلى تراث الحكمة القديمة، ولاسيّما إلى الفلاسفة اليونانيّين. ولذلك فإنّ أحد المواضيع الأكثر إثارة للاهتمام في عمل اللّقاء والانثقاف كان موضوع الفضائل.
في كتابات العصور الوسطى، لم يكن عرض الفضائل عبارة عن قائمة بسيطة من الصّفات الإيجابيّة للنّفس. وبالعودة إلى المؤلّفين الكلاسيكيّين في ضوء الوحي المسيحيّ، تصوّر اللّاهوتيون سبعة فضائل - الثّلاث اللّاهوتيّة والأربعة الأساسيّة - كنظام حيّ، حيث يكون لكلّ فضيلة فسحة متناغمة تشغلها. وهناك فضائل جوهريّة وفضائل ثانويّة، مثل الأركان والأعمدة وتيجان الأعمدة. وبالتّالي، ربما لا يمكن لشيء أن ينقل فكرة الانسجام الموجود في الإنسان وتوقه المستمرّ نحو الخير، مثل الهندسة المعماريّة لكاتدرائيّات العصور الوسطى.
ننطلق من الحكمة. إنّها ليست فضيلة الشّخص الذي يخاف، والذي يتردّد دائمًا في الإجراء الذي عليه أن يتّخذه. لا، إنّه تفسير خاطئ. ولا يقتصر الأمر على الحذر فقط. إنّ إعطاء الأولويّة للحكمة يعني أنّ عمل الإنسان هو في يد ذكائه وحرّيّته. الإنسان الحكيم هو مبدع: يفكّر ويقيِّم ويحاول أن يفهم تعقيدات الواقع ولا يسمح بأن تستحوذ عليه العواطف والكسل والضّغوطات والأوهام. في عالم تهيمن عليه المظاهر، والأفكار السّطحيّة، وتفاهة الخير والشّرّ، نستحق أن نستعيد درس الحكمة القديم.
على خطى أرسطو يدعوها القدّيس توما "recta ratio agibilium" . إنّها القدرة على إدارة الأفعال لتوجيهها نحو الخير؛ ولهذا السّبب تُلقّب بـ "سائق الفضائل". الحكيم هو الشّخص القادر على الاختيار: طالما هي في الكتب، تكون الحياة سهلة على الدّوام، ولكن في وسط رياح وأمواج الحياة اليوميّة يكون الأمر مختلفًا تمامًا، إذ غالبًا ما نكون مُتردّدين ولا نعرف من أين نذهب. إنَّ الحكيم لا يختار بشكل عشوائيّ: بل هو يعرف ما يريده، وبالتّالي هو يفكّر في المواقف، ويطلب النّصيحة، وبرؤية واسعة وحرّيّة داخليّة، يختار المسار الذي يجب عليه أن يسلكه. هذا لا يعني أنّه لا يمكنه أن يُخطئ، في نهاية المطاف نبقى بشرًا على الدّوام؛ ولكنّه على الأقل سيتجنب انحرافات كبيرة. لسوء الحظ، نجد في كلّ بيئة من يميل إلى تجاهل المشاكل بالنّكات السّطحيّة أو من خلال إثارة الجدل دائمًا. أمّا الحكمة فهي صفة الشّخص الذي يُدعى إلى الإدارة والحكم: هو يعرف أنّ الإدارة صعبة، وأنّ هناك العديد من وجهات النّظر وأنّه عليه أن يحاول التّوفيق بينها، وأنّه عليه أن يفعل خير الجميع وليس خير بعض الأفراد. وتعلّم الحكمة أيضًا أنه، كما يقال، "الأفضل هو عدو الخير". إنَّ كثرة الغيرة في الواقع، يمكنها أن تؤدي إلى كوارث في بعض المواقف: يمكنها أن تدمّر بناء كان يتطلّب التّدرُّج؛ يمكنها أن تولّد الصّراعات وسوء الفهم، كما يمكنها أيضًا أن تثير العنف.
إنَّ الإنسان الحكيم يعرف كيف يحافظ على ذكرى الماضي، ليس لأنّه يخاف من المستقبل، بل لأنّه يعلم أن التّقليد هو إرث حكمة. تتكوّن الحياة من تداخل مستمرّ بين الأشياء القديمة والأشياء الجديدة، وليس من الجيّد أن نعتقد دائمًا أنّ العالم يبدأ بنا، وأنّه علينا أن نواجه المشاكل انطلاقًا من الصّفر. إنَّ الإنسان الحكيم هو أيضًا بعيد النّظر. وبمجرّد أن نكون قد حدّدنا الهدف الذي نسعى إليه، علينا أن نوفّر كلّ الوسائل لكي نبلغ إليه.
تساعدنا مقاطع كثيرة من الإنجيل لكي نربّي على الحكمة. على سبيل المثال: الرّجل الحكيم يبني بيته على الصّخر، أمّا الرجل الجاهل فيبني بيته على الرّمل. حكيمات هنَّ العذارى اللّواتي أخذنَ معهنَّ زيتًا لمصابيحهن، والجاهلات هنَّ اللّواتي لم يفعلن كذلك. الحياة المسيحيّة هي مزيج من البساطة والذّكاء. وفيما كان يُعدُّ تلاميذه للرّسالة، أوصاهم يسوع: "هَا أَنَا أُرْسِلُكُم كَالخِرَافِ بَيْنَ الذِّئَاب. فَكُونُوا حُكَمَاءَ كَالحَيَّات، ووُدَعَاءَ كَالحَمَام". وكأنّه يقول إن الله لا يريدنا أن نكون قدّيسين فحسب، بل يريدنا أن نكون قدّيسين أذكياء، لأنّه بدون الحكمة من السّهل أن نسير في الدّرب الخطأ!"