الفاتيكان
09 نيسان 2020, 11:15

البابا فرنسيس: هكذا أعيش حالة الطّوارئ الّتي يسبّبها فيروس الكورونا

تيلي لوميار/ نورسات
كيف يعيش الأب الأقدس الأزمة الّتي يسبّبها فيروس كورونا؟ وكيف يستعدُّ لمرحلة ما بعد الأزمة؟ على هذين السّؤالين أجاب البابا فرنسيس في مقابلة أجراها معه الصّحافيّ والكاتب البريطانيّ أوستن إيفيريغ نشرتها صحيفتا " The Tablet"و"Commonweal". وقال البابا بحسب "فاتيكان نيوز":

"تسعى الكوريا الرّومانيّة لكي تتابع عملها وتعيش بشكل طبيعيّ من خلال تنظيم الأدوار لكي لا يكون هناك عددًا كبيرًا من الأشخاص يعملون معًا؛ مع الحفاظ على المعايير الّتي وضعتها السّلطات الصّحّيّة. هنا في بيت القدّيسة مرتا قد تمّ وضع أدوار لطعام الغداء تساعد في تنظيم وتخفيف سيل الأشخاص. الكلّ يعمل من مكتبه أو من بيته من خلال الأدوات الرّقميّة؛ الجميع يعمل ولا مكان للبطالة والكسل.

كيف أعيش هذا الزّمن على صعيد روحيّ؟، أصلّي أكثر لأنّني أؤمن أنّه عليّ القيام بذلك وأفكّر بالنّاس، لأنّني أقلق بشأنهم. أفكّر في مسؤوليّاتي الحاليّة وفي ما سيأتي بعد هذه المرحلة، والّذي بدأ يظهر مأساويًّا وأليم وبالتّالي علينا أن نفكّر بذلك منذ الآن. إنَّ قلقي الأكبر– أقلّه الّذي أشعر به خلال الصّلاة– هو كيف يجب أن أرافق شعب الله وأكون أكثر قربًا منه.

أمّا فيما يتعلّق بموقف الأساقفة والكهنة قال الحبر الأعظم إنّ شعب الله يحتاج لأن يكون الرّاعي بقربه لا أن يحمي نفسه بشكل مفرط... ينبغي على الإبداع المسيحيّ أن يظهر من خلال فتح آفاق جديدة وفتح نوافذ وبعد تصاعدي نحو الله ونحو البشر، فيما يُعاش الحظر الصّحّيّ في البيت، وليس من السّهل علينا أن نُحبس في بيوتنا".

ومجيبًا على سؤال حول استجابة السّلطات السّياسيّة على الأزمة، قال البابا: "بعض الحكومات قد اتّخذت تدابير مثاليّة، مع أولويّات واضحة من أجل حماية السّكان. ولكنّنا قد بدأنا ندرك أنّ فكرنا، شئنا أم أبينا، يتمحور بشكل خاصّ حول الاقتصاد. ويبدو أنّ التّضحية بالأشخاص هي أمر طبيعيّ في العالم الماليّ، إنّها سياسة ثقافة الإقصاء. أفكّر على سبيل المثال بالانتقاء السّابق للولادة؛ من الصّعب جدًّا أن نلتقي اليوم بأشخاص يحملون متلازمة داون. فعندما تظهر في المُخَطَّط التَصْوَاتِيّ تتمّ إعادة الطّفل إلى خالقه. وثقافة الموت الرّحيم، أشرعيّة كانت أم في الخفاء، الّتي يتمُّ فيها تقديم العلاج للمسنّين إلى نقطة معيّنة. أفكر بالرّسالة العامّة للبابا بولس السّادس "الحياة البشريّة"، والمعضلة الّتي توقّف عندها الّذين كانوا يعنون بالشّؤون الرّاعويّة في تلك المرحلة والّتي كانت حبوب منع الحمل، ولم يتقنوا للقوّة النّبويّة لهذه الرّسالة العامّ الّتي استبقت الـ"مالتوسيّة" الحديثة (Malthusianism) الّتي كانت قد بدأت تتحضّر في العالم بأسره. لقد شكّلت هذه الرّسالة تحذيرًا من قبل البابا بولس السّادس إزاء موجة الـ"مالتوسيّة" الّتي نراها اليوم من خلال اختيار الأشخاص بحسب قدرتهم على الإنتاج وعلى كونهم مفيدين: هذه هي ثقافة الإقصاء".

وحول إن كان تأثير الأزمة قد يحملنا إلى إعادة النّظر في أساليبنا في العيش وإلى ارتداد إيكولوجيّ وإلى مجتمع واقتصاد أكثر إنسانيّة، علّق الحبر الأعظم مضيفًا: "نحن نملك ذاكرة انتقائيّة وذكّر بأعداد الأشخاص الّذين توفّوا بسبب الحروب حتّى تلك الّتي حصلت في أوروبا والّتي نسيناها... هذه الأزمة تطالنا جميعًا أغنياء وفقراء وهي نداء للتّنبّه ضدّ الرّياء. يقلقني رياء بعض الشّخصيّات السّياسيّة الّتي تعبّر عن رغبتها في مواجهة الأزمة وتتحدّث عن الجوع في العالم ولكنّها تُصنّع الأسلحة فيما تتكلّم. لقد حان وقت الارتداد عن هذا الرّياء والانتقال إلى العمل. هذا هو زمن الصّدق، إمّا أن نكون صادقين فيما نقوله ونفعله وإمّا سنخسر كلّ شيء.

كلّ أزمة هي خطّ ولكنّها في الوقت عينه فرصة، وهي الفرصة للخروج من الخطر. وأعتقد انّه علينا اليوم أن نبطّئ وتيرة الاستهلاك والإنتاج ونتعلّم أن نفهم الطّبيعة ونتأمّل بها وأن نتواصل مجدّدًا مع بيئتنا الحقيقيّة. إنّها مناسبة للارتداد... علينا أن ننزل تحت الأرض، وأن ننتقل من المجتمع الافتراضيّ بشكل مفرط وغير المتجسّد إلى جسد الفقراء المتألّمين، إنّه ارتداد ضروريّ. وإن لم نبدأ من هناك، فلن يكون هناك مستقبل للارتداد. أفكّر في القدّيسين الّذين يعيشون بقربنا في هذا الوقت العصيب. إنّهم أبطال! أطبّاء ومتطوّعون ومكرّسون وكهنة وعاملون يؤدّون واجباتهم ليسير هذا المجتمع بشكل جيّد".

أمّا فيما خصّ الكنيسة بعد الأزمة، فقال البابا: "لبضعة أسابيع خلت تلقّيت اتّصالاً من أحد الأساقفة الإيطاليّين، أخبرني أنّه كان يزور المستشفيات ليمنح الحلّة ومغفرة الخطايا للمرضى وهو واقف في بهو المستشفى ولكن بعض الّذين قد درسوا القانون قالوا له إنّه لا يجوز إعطاء الحلّة إلّا بشكل مباشر وفرديّ فسألني: "ماذا عليّ أن أفعل يا أبتي؟"، فقلتُ له: "أيّها المونسينيور قُم بواجبك الكهنوتيّ"، فشكرني وأقفل ولكنّني عرفت بعدها أنّه كان يوزِّع الحلّة والمغفرة حيثما حلّ وفي كلِّ مكان. بمعنى آخر إنّ الكنيسة هي حيّة الرّوح القدس في هذه المرحلة إزاء الأزمة وليست كنيسة منغلقة على القوانين... حتّى آخر مادّة في القانون الكنسيّ تقول لنا إنّ القانون الكنسيّ بأسره هدفه خلاص النّفوس، وهنا يُفتح لنا الباب لكي نخرج ونحمل للجميع تعزية الله في الأوقات الصّعبة والّشدائد.

إنّ الأشخاص الّذين جعلتهم الأزمة فقراء هم الّذين خذلتهم الحياة اليوم وظلمتهم ويضافون إلى عدد الأشخاص الّذين جُرِّدوا من كلّ شيء إذ فقدوا كلّ شيء أو هم على وشك فقدان كلِّ شيء. وما معنى أن يفقد الإنسان كلّ شيء بالنّسبة لي في ضوء الإنجيل؟ إنّه الدّخول في عالم الّذين فقدوا كلّ شيء، ولذلك أطلب على الدّوام أن نأخذ على عاتقنا المسنّين والشّباب، وأن نأخذ التّاريخ على عاتقنا وجميع الّذين خذلتهم الحياة اليوم وظلمتهم".