الفاتيكان
02 كانون الأول 2020, 12:25

البابا فرنسيس: هذا العالم يحتاج للبركة ونحن بإمكاننا أن نمنح البركة وننالها

تيلي لوميار/ نورسات
توقّف البابا فرنسيس اليوم، خلال المقابلة العامّة، عند البعد الجوهريّ للصّلاة: البركة، وقال بحسب "فاتيكان نيوز":

"في روايات الخلق يبارك الله الحياة باستمرار؛ يبارك الحيوانات ويبارك الرّجل والمرأة وفي الختام يبارك السّبت، يوم الرّاحة والاستمتاع بالخليقة كلّها. إنّ الصّفحات الأولى للكتاب المقدّس هي تكرار بركات مستمرّ. الله يبارك وإنّما البشر يباركون أيضًا، وعاجلاً ما نكتشف أنّ البركة تملك قوّة مميّزة، ترافق من ينالها مدى الحياة وتُهيّئ قلب الإنسان لكي يسمح لله بأن يغيّره.

في بداية العالم إذًا نجد الله الّذي يقول "حسنًا". هو يرى كلّ عمل من أعمال يديه صالحًا وجميلاً، وعندما يصل إلى الإنسان ويُتمَّم الخلق يرى أنّه "حسن جدًّا". من هنا سيبدأ الجمال الّذي طبعه الله في عمله بالتّبدّل وسيصبح الكائن البشريّ خليقة مُنحلّة وفاسدة، قادرة على أن تنشر الشّرّ والموت في العالم؛ ولكن لا شيء سيتمكّن من إزالة أوّل بصمة صلاح وضعها الله. إنّ الله لم يُخطئ بالخلق ولا حتّى بخلق الإنسان. إنّ رجاء العالم يكمن بالكامل في نعمة الله: فهو لا يزال يحبّنا، وهو أوّلاً، كما يقول الشّاعر "Péguy"، يرجو خيرنا باستمرار. إنَّ بركة الله العظيمة هي يسوع المسيح. إنّه الكلمة الأبديّة الّتي بها باركنا الآب "إِذ كُنَّا خاطِئين" (روم 5، 8): كلمة صار جسدًا وبُذلت من أجلنا على الصّليب.

يعلن القدّيس بولس بتأثُّر مخطّط محبّة الله: "تَباركَ اللّهُ أَبو رَبِّنا يسوعَ المسيح. فقَد بارَكَنا كلَّ بَرَكَةٍ روحِيَّة في السَّمَواتِ في المَسيح ذلِك بِأَنَّه اختارَنا فيه قَبلَ إِنشاءِ العالَم لِنَكونَ في نَظَرِه قِدِّيسينَ بِلا عَيبٍ في المَحبَّة، وقَدَّرَ لَنا مُنذُ القِدَم أَن يَتَبنَّانا بِيَسوعَ المسيح على ما ارتَضَته مَشيئَتُه، لِلتَّسْبيحِ بِمَجدِ نِعمَتِه الَّتي أَنعَمَ بِها علَينا في ابنه الحَبيب" (أفسس 1، 3- 6). لا وجود لخطيئة يمكنها أن تمحو صورة المسيح الموجودة في كلّ واحد منّا. يمكنها أن تشوّهها، لكنّها لا تستطيع أن تنتزعها من رحمة الله؛ ويمكن للخاطئ أن يبقى في أخطائه مدّة طويلة، لكن الله يصبر حتّى النّهاية، على أمل أن ينفتح هذا القلب في النّهاية ويتغيّر. الله هو مثل الأب الصّالح والأمّ الصّالحة: لا يتوقّف أبدًا عن حبّ ابنه، مهما كان مخطئًا.

الخبرة القويّة هي قراءة هذه النّصوص البيبليّة حول البركة في السّجن، أو في جماعة تعافي. وأن نجعل هؤلاء الأشخاص يشعرون أنّهم يبقون مباركين على الرّغم من أخطائهم الجسيمة وأنّ الآب السّماويّ لا يزال يريد خيرهم ويرجو أن ينفتحوا أخيرًا على الخير. حتّى ولو تخلّى عنهم أقرب أقربائهم، لأنّهم يعتبرونهم أنّه لا أمل منهم، يبقون بالنّسبة لله أبناءه على الدّوام. وفي بعض الأحيان تحدث المعجزات: رجال ونساء يولدون من جديد. لأنّ نعمة الله تغيّر الحياة: تأخذنا كما نحن، ولكنّها لا تتركنا أبدًا كما كنّا.

لنفكّر فيما فعله يسوع مع زكّا. كان الجميع يرون فيه الشّرّ. أمّا يسوع فيتنبّه لبصيص خير، ومن هناك، من فضوله لرؤية يسوع، يسمح للرّحمة الّتي تخلِّص بأن تمرّ. وهكذا تغيّر قلب زكّا أوّلاً ومن ثمّ تغيّرت حياته. في الأشخاص المنبوذين والمرفوضين، رأى يسوع بركة الآب الّتي لا تُمحى. لا بل، فقد بلغ به الأمر بالوصول إلى التّشبُّه بكلّ شخص معوز ومحتاج.

على الله الّذي يبارك، نجيب نحن أيضًا بالبركة: إنّها صلاة التّسبيح والعبادة والشّكر. يكتب التّعليم المسيحيّ: "إنَّ صلاة البركة هي جواب الإنسان على عطايا الله: بما أنّ الله يبارك، يمكن لقلب الإنسان أن يستجيب بمباركة ذلك الّذي هو مصدر كلّ بركة" (عدد 2626). الصّلاة هي فرح وامتنان. إنَّ الله لم ينتظر توبتنا لكي يبدأ في محبّتنا، لكنّه قام بذلك قبل ذلك بكثير، عندما كنّا لا نزال خطأة. وبالتّالي لا يسعنا إلّا أن نبارك هذا الله الّذي يباركنا. علينا أن نبارك كلّ شيء فيه وجميع النّاس؛ علينا أن نبارك الله ونبارك الإخوة ونبارك العالم وهذه هي جذور التّواضع المسيحيّ، القدرة على الشّعور بأنّنا مباركين والقدرة على مباركة الآخرين. وإذا قمنا بذلك جميعًا فلن يكون هناك حروب بالتّأكيد. هذا العالم يحتاج للبركة ونحن بإمكاننا أن نمنح البركة وننالها. إنَّ الآب يحبّنا. ولا يسعنا إلّا أن نفرح بمباركته وشكره، وأن نتعلّم منه لا أن نلعن، وإنّما أن نبارك. وهنا أوجّه كلمة للأشخاص الّذين اعتادوا على أن يلعنوا الآخرين والّذين نجد على الدّوام على شفاههم وفي قلوبهم كلمة سيّئة أو لعنة. وبالتّالي يمكن لكلّ فرد منّا أن يسأل نفسه: هل لديّ هذه العادة بأن ألعن هكذا؟ وليطلب من الرّبّ نعمة تغيير هذه العادة لأنّ قلبنا مبارك ولا يمكن للّعنات أن تخرج من قلب قد نال البركة. ليعلّمنا الرّبّ أن نبارك وألّا نلعن أبدًا."