الفاتيكان
27 كانون الثاني 2021, 12:15

البابا فرنسيس: نحن نقرأ الكتاب المقدّس لكي "يقرؤنا"

تيلي لوميار/ نورسات
توقّف البابا فرنسيس اليوم، في تعليمه الأسبوعيّ خلال المقابلة العامّة، عند الصّلاة الّتي يمكننا القيام بها انطلاقًا من مقطع من الكتاب المقدّس، فقال نقلاً عن "فاتيكان نيوز":

"إنَّ كلمات الكتاب المقدّس لم تُكتب لكي تبقى مسجونةً على ورق البردي أو على مخطوطة رَقّيّة أو على الورق، وإنّما لكي يقبلها الشّخص الّذي يصلّي، ويجعلها تُزهر في قلبه. يقول التّعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة: "على قراءة الكتاب المقدّس أن تترافق بالصّلاة، لكي تتمّ المحادثة بين الله والإنسان" (عدد 2653). إنَّ تلك الآية من الكتاب المقدّس قد كُتبت أيضًا لي، لقرون خلت، لكي تحمل لي كلمة من الله. تحدُث هذه الخبرة لجميع المؤمنين: مقطع من الكتاب المقدّس، نكون قد سمعناه في السّابق عدّة مرّات، وفي أحد الأيّام يخاطبني فجأة وينير الحالة الّتي أعيشها. لكن يجب أن أكون هناك في ذلك اليوم، على الموعد مع تلك الكلمة. إنَّ الله يمرُّ يوميًّا ويزرع بذرة في تراب حياتنا. لكنّنا لا نعرف ما إذا كانت ستجد اليوم تربة قاحلة، أو شوكًا، أو تربة جيّدة تجعل ذلك البرعم ينمو. إنَّ الأمر يعتمد علينا، على صلاتنا، وعلى القلب المفتوح الّذي نقترب به من الكتاب المقدّس لكي يصبح لنا كلمة الله الحيّة.

من خلال الصّلاة نعيش تجسّدًا جديدًا للكلمة. ونكون نحن "المَظالّ" الّتي تريد كلمات الله أن تُستضاف فيها وتُحفظ لكي تتمكّن من أن تزور العالم. لذلك علينا أن نقترب من الكتاب المقدّس بدون دوافع خفيّة، وبدون استغلاله. لا يجب على المؤمن أن يبحث في الكتاب المقدّس عن دعم لرؤيته الفلسفيّة والأخلاقيّة، وإنّما أن يرجو في لقاء؛ لأنّه أنّه قد كُتب في الرّوح القدس، ولذلك ينبغي قبوله وفهمه بالرّوح عينه، لكي يتمّ اللّقاء. وبالتّالي نحن نقرأ الكتاب المقدّس لكي "يقرؤنا". وهي نعمة أن تكون قادرًا على التّعرّف على نفسك في هذه الشّخصيّة أو تلك، وفي هذا الموقف أو ذاك. إنَّ الكتاب المقدّس لم يُكتب من أجل بشريّة غير محدّدة، وإنّما من أجلنا نحن رجال ونساء من لحم ودم، ومن أجلي. وكلمة الله الممتلئة بالرّوح القدس، عندما تُقبل بقلب مفتوح، لا تترك الأمور كما كانت في السّابق.

إنَّ التّقليد المسيحيّ غنيّ بالخبرات والتّأمّلات حول الصّلاة مع الكتاب المقدّس. وبشكل خاصّ أثبت نفسه أسلوب "القراءة الإلهيّة"، الّذي ولد في بيئة رهبانيّة، ويمارسه أيضًا المسيحيّون الّذين يتردّدون على الرّعايا. يتعلّق الأمر أوّلاً بقراءة المقطع الكتابيّ بعناية، أيّ "بطاعة" للنّصّ، لكي نفهم ما يعنيه في حدّ ذاته. بعد ذلك، ندخل في حوار مع الكتاب المقدّس، وتصبح هكذا تلك الكلمات دافعًا للتّأمّل والصّلاة: وفي الالتزام الدّائم بالنّصّ، أبدأ في سؤال نفسي عمّا "يقوله لي". إنّه مقطع دقيق: يجب ألّا ننزلق إلى تفسيرات شخصيّة، بل ندخل أنفسنا في ثلم التّقليد الحيّ، الّذي يجمع كلّ فرد منّا بالكتاب المقدّس. أمّا الخطوة الأخيرة في القراءة الإلهيّة فهي التّأمّل. هنا تفسح الكلمات والأفكار المجال للحبّ، كما هو الحال بين العشّاق الّذين يكفيهم أحيانًا أن ينظروا إلى بعضهم البعض في صمت. يبقى النّصّ البيبيليّ، ولكن مثل مرآة، كأيقونة ينبغي التّأمُّل بها.

من خلال الصّلاة، تأتي كلمة الله لتسكن فينا ونقيم فيها. إنّ الكلمة تلهم النّوايا الحسنة وتدعم العمل؛ وتمنحنا القوّة والسّكينة، وحتّى عندما تضعنا في أزمة فهي تمنحنا السّلام. وفي الأيّام "العسيرة" والمُربِكة، تؤمِّن للقلب نواة من الثّقة والمحبّة تحميه من هجمات الشّرّير. هكذا تُصبح كلمة الله جسدًا في من يقبلها في الصّلاة. في بعض النّصوص القديمة يظهر الحدس بأنّ المسيحيّين يتماهون بشكل كبير مع الكلمة لدرجة أنّه حتّى لو تمَّ إحراق كلّ الكتب المقدّسة في العالم، يبقى من الممكن حفظ "بصمتها" من خلال البصمة الّتي تركتها في حياة القدّيسين.

إنَّ الحياة المسيحيّة هي عمل طاعة وإبداع في الوقت عينه. ويقول يسوع ذلك في نهاية أحد خطاباته الّذي ألقاه بواسطة الأمثال، بهذا التّشبيه: "كُلُّ كاتِبٍ تَتَلمَذَ لِمَلكوتِ السَّمَاوات يُشبِهُ رَبَّ بَيتٍ يُخرِجُ مِن كَنزِه كُلَّ جَديدٍ وقَديم". الكتاب المقدّس هو كنز لا ينضب. ليمنحنا الرّبّ أن نستقيَ منه أكثر بواسطة الصّلاة."