الفاتيكان
06 كانون الأول 2018, 06:53

البابا فرنسيس: من دون الحياة الأبديّة يصبح الحاضر خاليًا من المعنى

حيّا البابا فرنسيس المشاركين في الجلسة العامّة الثّالثة والعشرين للأكاديميّات الحبريّة والّتي تُعقد سنويًّا منذ عام 1995، في رسالة وجّهها إلى رئيس المجلس البابويّ للثّقافة ورئيس مجلس التّنسيق بين الأكاديميّات الحبريّة الكاردينال جان فرانكو رافازي. وكتب البابا بحسب "فاتيكان نيوز":

 

"أُهنِّئكم على اختيار موضوع هذه الجلسة العامّة: "الأبديّة، الوجه الآخر للحياة" والّذي يحثّنا على التّفكير مجدّدًا وبشكل أكبر حول إطار ليس لاهوتيًّا وحسب، بالرّغم من كونه جوهريّ وأساسيّ في الخبرة المسيحيّة، ولكنّ قد تمّ إهماله كثيرًا في البحث اللّاهوتيّ خلال السّنوات الأخيرة ولاسيّما في تبشير المؤمنين وتنشئتهم.

لا عجب أنّ إحدى الظّاهرات الّتي تطبع الثّقافة الحاليّة في الواقع هي إغلاق الآفاق المتعالية والانطواء على الذّات والتّعلُّق الحصريّ بالحاضر إذ نتناسى أو نخضع للمراقبة أبعاد الماضي والمستقبل الّذي يراه الشّباب بشكل خاصّ مظلمًا ومحمّلاً بالشّكوك. وبالتّالي، وفي هذا الإطار يبدو المستقبل بعد الموت، أكثر بُعدًا حتمًا، وغيرَ مفهومٍ أو غير موجودٍ أبدًا.

لكن يمكن لغياب الاهتمام بموضوع الأبديّة والرّجاء المسيحيّ الّذي يعلن القيامة والحياة الأبديّة في الله أن يتعلّق أيضًا بعناصر أخرى: كالأسلوب التّقليديّ في الكلام، على سبيل المثال، والّذي يُستعمل في الوعظ أو في التّعليم المسيحيّ لإعلان حقيقة الإيمان هذه، والّذي قد يبدو اليوم غير مفهوم أو قد ينقل أحيانًا صورة سلبيّة و"غير جذّابة" للحياة الأبديّة. وبالتّالي يصبح الوجه الآخر للحياة روتينيًّا وتكراريًّا ومُملّاً لا بل حزينًا أيضًا أو بدون معنى وأهمّيّة بالنّسبة للحاضر.

لم يكن هذا فكر أب الكنيسة العظيم غريغوريوس النّزينزي لأنّه في الواقع كان يرى الحياة الأبديّة، كشرط وجوديّ غير ثابت وإنّما ديناميكيّ وحيويّ. وسلّط الضّوء أيضًا القدّيس توما الأكوينيّ على هذا الجانب مؤكّدًا أنّ في الحياة الأبديّة يتمّ اتحاد الإنسان مع الله الّذي هو المكافأة والهدف لتعبنا، وهذا الاتّحاد يقوم على "الرّؤية الكاملة" له.

يجب أن يساعدنا ويشجّعنا تأمّل آباء الكنيسة واللّاهوتيّين الكبار على أن نقترح بشكل فعّال وحماسيّ إن كان من خلال لغة مناسبة لحياتنا اليوميّة وإن كان من خلال العمق المناسب، جوهر إيماننا والرّجاء الّذي يحرّكنا والّذي يعطي القوّة للشّهادة المسيحيّة في العالم: جمال الحياة الأبديّة.

أتمنّى أن يتجدّد على الصّعيد اللّاهوتي أو على صعيد الإعلان والتّعليم المسيحيّ والتّنشئة المسيحيّة، الاهتمام والتّأمّل حول الحياة الأبديّة الّتي من دونها يصبح بعد الحاضر خاليًا من المعنى والقدرة على التّجديد والرّجاء بالمستقبل. ختامًا أتمنّى للأكاديميّين ولجميع المشاركين في اللّقاء، التزامًا خصبًا على الدّوام في مجالات أبحاثهم، أَكِل ُكُلَّ فردٍ منكم للعذراء مريم الّتي تنعم برؤية الله الفرحة في الحياة الأبديّة وتشفع لأجلنا نحن الحجّاج في التّاريخ وفي مسيرة نحو الأبديّة".