الفاتيكان
20 تشرين الأول 2025, 05:00

البابا زفّ سبعة قدّيسين إلى العالم في مقدّمتهم المطران إغناطيوس مالويان

تيلي لوميار/ نورسات
فرحت الكنيسة الكاثوليكيّة، أمس الأحد، بقداسة سبعة طوباويّين: المطران إغناطيوس شكرالله مالويان، ومعلِّم التّعليم المسيحيّ بييترو تو روت، والرّاهبة ماريّا ترونكاتّي، والرّاهبة فينتشنزا ماريّا بولوني، والرّاهبة كارمين رينديلس مارتينيز، وبارتولو لونغو، وخوسيه غريغوريو هيرنانديز سيسنيروس.

وللمناسبة، ترأّس البابا لاون الرّابع عشر قدّاس التّقديس في ساحة القدّيس بطرس بالفاتيكان، وقد عاونه فيه كاثوليكوس بطريرك كيليكيا للأرمن الكاثوليك روفائيل بيدروس الحادي والعشرون ميناسيان، بحضور البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي، وبطريرك السّريان الكاثوليك مار إغناطيوس يوسف الثّالث يونان، ولفيف من الكرادلة والأساقفة والكهنة والرّهبان والرّاهبات من مختلف الكنائس والقارّات والبلدان.

هذا وسُجّل حضور رسميّ واسع، في مقدّمته: رئيس الجمهوريّة اللّبنانيّة جوزيف عون واللّبنانيّة الأولى السّيّدة نعمت عون، ورئيس الجمهوريّة الإيطاليّة سيرجيو ماتاريلا، ووفود رسميّة من لبنان وبلدان عدّة، وسط مشاركة الآلاف من المؤمنين من أرمينيا ولبنان والعالم.

خلال القدّاس، ألقى البابا عظته انطلق فيها من السّؤال الّذي اختتم به الإنجيل: "متى جاءَ ابنُ الإِنسان، أَفَتُراه يَجِدُ الإِيمانَ على الأَرض؟" (لوقا 18، 8)، وقال: "هذا التّساؤل يكشف لنا ما هو عزيزٌ جدًّا في عينَي الرّبّ يسوع: الإيمان، أيّ رباط المحبّة بين الله والإنسان. واليوم يقف أمامنا سبعة شهود، القدّيسون والقدّيسات الجدد، الّذين حافظوا، بنعمة الله، على شعلة الإيمان مضاءة، بل صاروا بأنفسهم مصابيح قادرة على نشر نور المسيح.

بالمقارنة مع الخيرات المادّيّة والثّقافيّة والعلميّة والفنّيّة الكبيرة، الإيمان يسمو فوقها جميعًا ليس لأنّ تلك الخيرات يجب أن تُحتقرَ، بل لأنّها تفقد معناها بدون الإيمان. العلاقة مع الله لها أهمّيّة سامية، لأنّه خلق كلّ شيء من العدم، في بداية الأزمنة، وخلّص من العدم كلّ ما ينتهي في الزّمن. فالأرض بلا إيمان ستكون مأهولة بأبناء يعيشون بلا أب، أيّ كائنات بلا خلاص.

لهذا، تساءل يسوع عن الإيمان، هو ابن الله الّذي صار بشرًا: إن اختفى الإيمان من العالم، ماذا يحدث؟ ستبقى السّماء والأرض كما كانتا، لكن لن يكون في قلبنا الرّجاء. وسيَهزم الموت حرّيّة الجميع. ورغبتنا في الحياة، ستنهار في العدم. بدون إيمان بالله، لا يمكننا أن نرجو الخلاص. سؤال يسوع إذًا يثير فينا القلق، نَعم، وفقط إن نسينا أنّ يسوع نفسه هو الّذي طرحه. فكلام الرّبّ يسوع يبقى دائمًا لنا بشارة، أيّ بشرى مليئة بفرح الخلاص. وهذا الخلاص هو عطيّة الحياة الأبديّة الّتي نقبلها من الآب بواسطة الابن، وبقوّة الرّوح القدس.

أيّها الأعزّاء، لهذا السّبب أوصى السّيّد المسيح تلاميذه "بوُجوبِ المُداوَمةِ على الصَّلاةِ مِن غَيرِ مَلَل" (لوقا 18، 1): كما لا نتعب من التّنفس، كذلك لا نتعب من الصّلاة! كما أنّ التّنفّس يسند حياة الجسد، كذلك الصّلاة تسند حياة النّفس: فالإيمان يتجلّى في الصّلاة، والصّلاة الأصيلة تحيا بالإيمان.

أشار لنا يسوع إلى هذا الرّباط بمثل، قال: قاضٍ بقي صامتًا أمام مطالب أرملة مُلحّة، ثمّ دفعه إصرارها في النّهاية إلى أن يتّخذ قرارًا. من النّظرة الأولى، هذا الإصرار هو لنا مثال جميل للرّجاء، خاصّة في وقت المِحَن والضّيق. لكن اصرار المرأة وتصرّف القاضي، الّذي يعمل على مضض، يحملان يسوع على طرح سؤال يستفزّنا: الله، الآب الصّالح، "أَفَما يُنصِفُ مُختاريهِ الَّذينَ يُنادونَه نهارًا ولَيلًا وهو يَتَمهَّلُ في أَمرِهم؟" (لوقا 18، 7).

لنجعل هذا الكلام يتردّد صداه في ضميرنا: الرّبّ يسوع يسألنا هل نثق بأنّ الله قاضٍ عادل تجاه الجميع. الابن يسألنا هل نثق بأنّ الآب يريد دائمًا خيرنا وخلاص كلّ إنسان. في هذا الصّدد، أمامنا تجربَتان تختبران إيماننا: الأولى تجد قوّتها في معثرة الشّرّ، وتدفعنا إلى الاعتقاد بأنّ الله لا يسمع بكاء المضطهدين ولا يرحم ألم الأبرياء. أمّا التّجربة الثّانية فهي الادّعاء بأنّ الله يجب أن يعمل كما نريد نحن: فتتحوّل الصّلاة إلى أمرٍ لله، لتعليمه كيف يجب أن يكون عادلًا وفعّالًا.

يسوع يحرّرنا من كِلَا التّجربَتَين، فهو الشّاهد المثاليّ على الثّقة البنويّة. إنّه البريء، الّذي صلّى خاصّة خلال آلامه وقال: ”يا أَبَتِ، لِتَكُن مَشيئَتُكَ“ (راجع لوقا 22، 42). إنّه الكلام نفسه الّذي سلّمه إلينا المعلّم في الصّلاة الرّبّيَّة. مهما حدث، يسوع الابن يتّكل على الآب، لذلك نحن، كإخوة وأخوات، نُعلن باسمه ونقول: "إنَّهُ لَحَقٌّ وَعَدْلٌ، وَاجِبٌ وَخَلاصِيّ، أَنْ نَشْكُرَكَ في كُلِّ زَمَانٍ وَفي كُلِّ مَكَان، أَيُّهَا الآبُ القُدُّوسُ، بِابْنِكَ الحَبِيبِ يَسُوعَ المَسِيحِ رَبِّنَا" (كتاب القدّاس حسب الطّقس الرّوماني، الصّلاة الإفخارستيّة الثّانية، مقدّمة).

صلاة الكنيسة تذكّرنا أنّ الله يُقيم العدل للجميع، ويمنح حياته للجميع. لذلك، عندما نصرخ إلى الرّبّ يسوع ونقول: ”أين أنت؟“، نحوّل هذا النّداء إلى صلاة، إذّاك نُدرك أنّ الله موجود حيث يتألّم الأبرياء. صليب المسيح يكشف عدل الله، وعدل الله هي المغفرة: فهو يرى الشّرّ ويَفتديه، ويأخذه على عاتقه. عندما نكون مصلوبين بالألم والعنف، والكراهيّة والحرب، يكون المسيح حاضرًا هناك، ومصلوبًا لأجلنا ومعنا. لا يوجد بكاء لا يعزّيه الله، ولا توجد دمعة بعيدة عن قلبه. الرّبّ يسوع يسمعنا، ويُعانقنا كما نحن، ليجعلنا مثله. أمّا مَن يرفض رحمة الله، فيبقى عاجزًا عن أن يكون رحيمًا تجاه الآخرين. ومن لا يقبل السّلام عطيّةً من الله، لن يعرف أن يُعطي السّلام.

أيّها الأعزّاء، الآن نفهم أنّ أسئلة يسوع هي دعوة شديدة إلى الرّجاء والعمل: عندما يأتي ابن الإنسان، هل يجد الإيمان بالعناية الإلهيّة؟ في الواقع، هذا الإيمان هو الّذي يسند ويعزّز التزامنا بالعدل، لأنّنا نؤمن أنّ الله يخلّص العالم بمحبّة، ويحرّرنا من القضاء والقدر. إذًا لنسأل أنفسنا: عندما نسمع نداء من هم في محنة، هل نكون شهودًا لمحبّة الآب، كما كان المسيح نحو الجميع؟ إنّه المتواضع الّذي يدعو المستبدّين إلى التّوبة، وهو الصّالح الّذي يجعلنا صالحين، كما يشهد على ذلك قدّيسو اليوم الجُدُد: فهم ليسوا أبطالًا أو مدافعين عن فِكرة معيّنة، بل هُم رجالٌ ونساءٌ حقيقيّون.

هؤلاء الأصدقاء المُخلِصون للمسيح هم شهداء لإيمانهم، مثل المُطران أغناطيوس شكرالله مالويان، ومعلّم التّعليم المسيحيّ بييترو تو روت (Pietro To Rot). وهم مُبشِّرون ومُرسلات، مثل الرّاهبة ماريّا ترونكاتّي (Maria Troncatti). وهنّ مؤسِّسات مليئات بحياة الرّوح، مثل الرّاهبتين فينتشنزا ماريّا بولوني (Vincenza Maria Poloni)، وكارمن رينديلز مارتينيز (Carmen Rendiles Martinez). وهُم صانعو خير للإنسانيّة، بقلوبهم المتّقدة بالتّقوى، مثل بارتولو لونغو (Bartolo Longo)، وخوسيه غريغوريو هيرنانديز سيسنيروس (José Gregorio Hernández Cisneros). لتساعدنا شفاعتهم في المِحَن، وليُلهمنا مثالهم في الدّعوة المشتركة إلى القداسة. بينما نسير حُجّاجًا نحو هذا الهدف، لنصلِّ بلا كلل، ولنكَن ثابتين بالّذي تعلّمناه ولنؤمن به بقوّة (راجع 2 طيموتاوس 3، 14). هكذا يُعزِّز الإيمان على الأرض الرّجاء في السّماء."

وفي ختام القدّاس وقبل تلاوة صلاة التّبشير الملائكي، وجّه البابا لاوُن كلمة شكر فيها المشاركين "في هذا الاحتفال الّذي كان عيدًا عظيمًا للقداسة!"، خاصًّا الكرادلة والبطاركة والأساقفة الحاضرين، معبّرًا عن امتنانه "لرئيس الجمهورية الإيطاليّة ورئيس جمهوريّة لبنان وللوفود الرّسميّة، ولاسيّما للوفدين اللّذين قدما من أرمينيا وفنزويلا". وقال بحسب "فاتيكان نيوز": "أرحّب بفرحٍ ببنات المؤسِّسات اللّواتي أُعلنت قداستهنّ اليوم، وبالجماعات والجمعيّات المختلفة المستوحاة من مواهب القداسة الّتي تركها القدّيسون الجدد. شكرًا للجميع على مشاركتكم المفعمة بالإيمان والتّقوى! كما أوجّه أيضًا تحيّتي إلى سائر الحجّاج الحاضرين، ولاسيّما إلى "أخويّة سيّد العجائب" الّتي أحيت مسيرتها الاحتفاليّة التّقليديّة السّنويّة."

وصلّى الأب الأقدس من أجل المرسلين "مرسلي الرّجاء بين الشّعوب"، في اليوم الإرساليّ العالميّ. كما عبّر عن قربه من جميع الّذين يتألّمون بسبب العنف وانعدام الأمن وكثرة المعاناة. سائلًا أن تفسح "أدوات الحرب المجال لأدوات السّلام، من خلال حوار شامل وبناء!".