الفاتيكان
08 حزيران 2022, 12:30

البابا فرنسيس: من الضّروريّ أن نعيد كرامة الإنسان إلى المحور

تيلي لوميار/ نورسات
"القرب والشّموليّة والخير العامّ"، ترياقات ثلاث سلّمها البابا فرنسيس إلى مدراء اتّحاد "Federsanità" الّذي يجمع المؤسّسات الصّحّيّة المحلّيّة والمستشفيات ومعاهد الاستشفاء والرّعاية العلميّة، مع ممثّلي اتّحاد البلديّات الإيطاليّة، مشجّعًا إيّاهم على الاستمرار في خدمة المرضى والمجتمع.

وكان البابا فرنسيس قد استقبلهم صباح السّبت في القصر الرّسوليّ، وتوجّه إليهم بكلمة قال فيها بحسب "فاتيكان نيوز": "إنطلاقًا من هويّة اتّحادكم بالتّحديد، أودّ أن أقترح عليكم ثلاثة "ترياقات" يمكنها أن تساعدكم على السّير على طول المسار الّذي تتبعونه.

أوّلاً، القرب، ترياق ضدَّ المرجعيّة الذّاتيّة. أن نرى ذواتنا في الشّخص المريض يكسر قيود الأنانيّة، ويُسقِط الرّكيزة الّتي نميل أحيانًا إلى الصّعود عليها ويدفعنا إلى الاعتراف بأنّنا إخوة، بغضّ النّظر عن اللّغة أو الأصل الجغرافيّ أو الوضع الاجتماعيّ أو الحالة الصّحّيّة. إذا تمكّنّا من أن نرى في الأشخاص الّذين نلتقي بهم في ممرّات المستشفيات ودور الرّعاية والعيادات الخارجيّة إخوة وأخوات لنا، كلّ شيء سيتغيّر: فلا تعود المسؤوليّة مجرّد مسألة بيروقراطيّة بل تُصبح لقاءً ومرافقة ومشاركة. إلهنا هو إله القرب، الّذي اختار أن يأخذ جسدنا، وبالتّالي فهو ليس إلهًا بعيدًا لا يمكن الوصول إليه. بل هو يسير معنا، على دروب هذا العالم الوعرة، كما فعل مع تلميذي عمّاوس، ويصغي إلى ضياع وأحزان وصرخة ألم كلّ فرد منّا. ويطلب منّا أن نفعل الشّيء نفسه. ويصبح ذلك أكثر عندما نكون في حالة مرض وألم. وبالتّالي فالاقتراب يعني أيضًا أن نكسر المسافات، ونتأكّد من عدم وجود مرضى من درجة أولى وآخرون من درجة ثانية، ونضع جميع طاقاتنا ومواردنا لكي لا يتمّ استبعاد أيّ شخص من الرّعاية الاجتماعيّة والصّحّيّة.

وها هو التّرياق الثّاني، الشّموليّة، الّتي تتعارض مع التّجزئة والتّحيُّز. إذا كان كلّ شيء مرتبطًا، فعلينا أيضًا أن نعيد التّفكير في مفهوم الصّحّة من منظور متكامل يشمل جميع أبعاد الشّخص البشريّ. بدون الانتقاص من قيمة مهارات معيّنة، لكنَّ علاج مريض ما لا يعني فقط مراعاة حالة مرضيّة معيّنة، وإنّما حالته النّفسيّة والاجتماعيّة والثّقافيّة والرّوحيّة. عندما يشفي يسوع شخصًا ما، بالإضافة إلى استئصال الشّرّ الجسديّ من جسده، هو يعيد إليه كرامته، ويعيده إلى المجتمع، ويمنحه حياة جديدة. بالطّبع، هو وحده يسوع قادر على فعل ذلك، لكن الموقف والتّعامل مع الشّخص هو نموذج لنا. تساعد الرّؤية الشّاملة للرّعاية على محاربة "ثقافة الإقصاء"، الّتي تستثني الّذين، ولأسباب مختلفة، لا يستوفون معايير معيّنة. وبالتّالي في مجتمع يواجه خطر رؤية المريض كعبء، وتكلفة، من الضّروريّ أن نعيد إلى المحور ما لا يقدّر بثمن، ولا يمكن شراؤه أو بيعه، أيّ كرامة الإنسان. يمكن للأمراض أن تطبع الجسد، وتشوّش الأفكار، وتجرِّد من القوى، لكنّها لا تستطيع أبدًا أن تُلغيَ قيمة الحياة البشريّة، الّتي يجب حمايتها على الدّوام، منذ الحبل بها وحتّى موتها الطّبيعيّ. وبالتّالي أتمنّى أن يكون للأبحاث والمهن الصّحّيّة المختلفة هذا الأفق على الدّوام.

التّرياق الثّالث، هو الخير العامّ، كعلاج لاتِّباع المصالح الخاصة. حتّى في قطاع الصّحّة قد تتكرّر تجربة جعل مزايا اقتصاديّة أو سياسيّة لمجموعة ما تسود على حساب غالبيّة السكان. وهذا الأمر صحيح أيضًا على مستوى العلاقات الدّوليّة. إنَّ الحقّ الأساسيّ في حماية الصّحّة- كما ورد في الميثاق الجديد للعاملين في مجال الرّعاية الصّحّيّة- "يحترم قيمة العدالة، الّتي بموجبها لا توجد فروق بين الشّعوب والأمم، مع الأخذ بعين الاعتبار لمواقف الحياة والتّنمية الموضوعيّة لهم، في السّعي لتحقيق الخير العامّ، الّذي هو في الوقت عينه خير الجميع وخير كلّ فرد". لقد علّمنا الوباء أنّ عبارة "ليخلِّص نفسه من هو قادر على ذلك" تترجم بسرعة إلى "الجميع ضدّ الجميع"، وتوسِّع الفجوة بين عدم المساواة وتزيد الصّراع. ولذلك من الأهمّيّة بمكان أن نعمل لكي يحصل الجميع على الرّعاية، ولكي يتمّ دعم وتعزيز النّظام الصّحّيّ، ولكي يبقى مجّانيًّا. إنّ قطع الموارد عن قطاع الصّحّة هو إساءة للبشريّة.

القرب والشّموليّة والخير العامّ: أسلِّمكم هذه "التّرياقات" مع التّشجيع على الاستمرار في العمل في خدمة المرضى والمجتمع بأسره. ليرشدكم القدّيس جوزيبي موسكاتي في عملكم اليوميّ ويمنحكم حكمة الرّعاية والحماية. أبارككم من صميم قلبي وأوكلكم إلى شفاعة العذراء مريم. ورجاء لا تنسوا أن تصلّوا من أجلي."