الفاتيكان
01 آب 2022, 10:20

البابا فرنسيس: من الجميل أن نصبح أغنياء ولكن حسب الله، فالله هو الأغنى

تيلي لوميار/ نورسات
لم يتوقّف البابا فرنسيس خلال زيارته إلى كندا عن الصّلاة من أجل الشّعب الأوكرانيّ، سائلاً الله أن يحرّره من الحرب. هذا ما أكّده الأب الأقدس بعد صلاة التّبشير الملائكيّ ظهر الأحد مع المحتشدين في ساحة القدّيس بطرس، حاثًّا على التّوقّف والتّفاوض، راجيًا أن تلهم الحكمة خطوات ملموسة نحو السّلام.

وكان البابا قبيل الصّلاة قد ألقى كلمة روحيّة على ضوء إنجيل الأحد الّذي يحدّثنا عن توجّه رجل إلى يسوع قائلاً له "يا مُعَلِّم، مُرْ أَخي بِأَن يُقاسِمَني الميراث" (لوقا ١٢، ١٣)، فقال البابا في هذا السّياق بحسب "فاتيكان نيوز": "هذا وضع يتكرّر وإنّنا نجد مشاكل شبيهة اليوم أيضًا، فكم من الأخوة والأخوات ومن أفراد العائلة الواحدة يتشاجرون مع الأسف، وربّما لا يتحادثون بعدْ بسبب الميراث.

الإجابة الّتي وجّهها يسوع إلى هذا الرّجل، إجابة لم تتوقّف عند التّفاصيل بل تطرّقت إلى جذور الانقسام، الرّغبة في الامتلاك، فقال يسوع "تَبَصّروا واحذروا كلّ طمع". وما هو الطّمع؟ إنّه جشع لا يُكبح ورغبة متواصلة في الثّراء، إنّه مرض، مرض يدمّر الشّخص، وذلك لأنّ الرّغبة في الاستحواذ تخلق إدمانًا، فمَن يملك الكثير لا يكتفي أبدًا، فهو يريد المزيد دائمًا ولنفسه فقط. يفقد مثل هذا الشّخص الحرّيّة، حيث يصبح عبدا، ويا لها من مفارقة، لما يُفترض أن يخدمه كي يعيش في حرّيّة وصفاء. إنّ هذا الشّخص بدلاً من أن يجعل المال في خدمته يصبح هو خادمًا للمال... إنّ الطمع مرضًا خطيرًا للمجتمع أيضًا، وذلك لأنّنا وبسببه قد وصلنا اليوم إلى مفارقات أخرى، إلى لا مساواة لم نشهد مثلها من قبل في التّاريخ حيث قليلون لديهم الكثير وكثيرون القليل."

وأراد البابا فرنسيس توجيه الأنظار من جهة أخرى إلى الحروب والنّزاعات مشيرًا إلى أنّها "ترتبط دائمًا تقريبًا بالرّغبة في الحصول على الموارد والثّراء. هناك مصالح كثيرة وراء الحرب، وإحدى هذه المصالح هي بدون شكّ الاتجار بالسّلاح.

يعلِّمنا يسوع اليوم أنّ في جوهر هذه القضيّة ليس هناك فقط الأقوياء أو أنظمة اقتصاديّة بعينها، بل هناك الطّمع الّذي هو في قلب كلّ واحد منّا. فلنحاول إذًا أن نسأل أنفسنا ما هو مستوى عدم اهتمامي بالممتلكات والثّراء، هل أشكو بسبب ما لا أملك أم أنّ بإمكاني الرّضا عمّا لديّ؟ هل أنا على استعداد من أجل المال والفرص للتّضحية بالعلاقات وبالوقت المخصّص للآخرين؟ وهل يحدث لي أن أضحّي على مذبح الطّمع بالشّرعيّة والنّزاهة؟ استخدم هنا كلمة مذبح لأنّ الخيور المادّيّة، الأموال والثّراء، يمكنها أن تصبح عبادة، عبادة أصنام بكلّ معنى الكلمة. ولهذا فإنّ يسوع ينبّهنا مستخدمًا كلمات قويّة، حيث قال إنّه لا يمكن لخادم أن يعمل لسيّدين. إنّ يسوع لم يقل إنّ السّيّدين هما الله والشّيطان أو الخير والشّرّ، بل الله والمال. إنّ جعل المال في خدمتنا أمر ممكن، أمّا غير الممكن فهو أن نخدم نحن الثّراء، فهذه عبادة أصنام وإهانة لله.

هل هذا يعني ألّا نتطلّع إلى الثّراء؟ يمكن هذا بل ومن الصّحيح أن نرغب في هذا، ومن الجميل أن نصبح أغنياء، ولكن حسب الله، فالله هو الأغنى، إنّه غنيّ بالشّفقة، بالرّحمة. ثراؤه لا يُفقر أحدًا ولا يخلق شجارات وانقسامات. إنّه غنى يحب أن يهب، أن يوزّع ويتقاسم.

إنّ جمع الخيور المادّيّة لا يكفي من أجل عيش جيّد، وذلك لأنّ حياة المرء وإن اغتني، وكما يقول يسوع، لا تأتيه من أمواله."  

وبالتّالي دعا البابا كلّ شخص أن يتساءل "كيف أريد أن أغتني، حسب الله أم حسب طمعي، وأيّ ميراث أريد أن أترك، أموالاً في مصرف، أشياء مادّيّة، أم أشخاصًا يشعرون بالرّضا من حولي وأعمال خير لا تُنسى، أشخاصًا ساعدتُهم على النّموّ والنّضوج؟ لتساعدنا العذراء على إدراك ما هي خيور الحياة الحقيقيّة، تلك الّتي تبقى دائمًا".