الفاتيكان
11 تشرين الأول 2021, 08:45

البابا فرنسيس مفتنحًا المرحلة الأولى الأبرشيّة من المسار السّينودسيّ: السّينودس لقاء، وإصغاء، وتمييز

تيلي لوميار/ نورسات
بعد أن ترأّس البابا فرنسيس، صباح السّبت في قاعة السيّنودس بالفاتيكان، وقفة تأمل افتتح بها المرحلة الأولى الأبرشيّة من المسار السّينودسيّ للجمعيّة العامّة العاديّة السّادسة عشرة لسينودس الأساقفة، حول موضوع "من أجل كنيسة سينودسيّة: شركة، مشاركة ورسالة"، والّذي سيُحتفل به في عام 2023. افتتح البابا، صباح الأحد، المرحلة الأولى بقدّاس إلهيّ ترأّسه في بازيليك القديس بطرس حيث ألقى البابا عظة قال فيها بحسب "فاتيكان نيوز":

"رجل غنيٌّ للقاء يسوع بَينَما كان "خارِجًا إِلى الطَّريق". كثيرًا ما تقدّم لنا الأناجيل يسوع "على الطّريق"، بينما يرافق مسيرة الإنسان ويصغي إلى الأسئلة الّتي تسكن قلبه وتُقلقه. وهكذا يكشف لنا أنّ الله لا يسكن في أماكن معقّمة وهادئة، بعيدًا عن الواقع، بل يسير معنا ويبلغنا حيث نكون، على دروب الحياة الوعرة أحيانًا. واليوم، إذ نفتح هذا المسار السّينودسيّ، نبدأ بسؤال أنفسنا جميعًا- البابا والأساقفة والكهنة والرّهبان والرّاهبات والأخوة والأخوات العلمانيّين-: نحن، الجماعة المسيحيّة، هل نجسّد أسلوب الله، الّذي يسير في التّاريخ ويشارك أحداث البشريّة؟ هل نحن مستعدّون لمغامرة المسيرة أم أنّنا خائفون من المجهول ونفضّل أن نلجأ إلى أعذار الـ"لا جدوى منها" و"لقد قمنا بذلك دائمًا على هذا النّحو"؟

أن نصنع السّينودس يعني أن نسير معًا على الدّرب عينها. لننظر إلى يسوع، الّذي التقى أوّلاً بالرّجل الغنيّ على الطّريق، ثمّ أصغى إلى أسئلته وأخيرًا ساعده لكي يميِّز ما يجب فعله لنوال الحياة الأبديّة. اللّقاء، والإصغاء، والتّمييز: ثلاثة أفعال من السّينودس أرغب في أن أتوقّف عندها. اللّقاء. يبدأ الإنجيل برواية لقاء. ذهب رجل للقاء يسوع وجثا له، وسأله سؤالًا حاسمًا: "أَيُّها المُعَلِّمُ الصّالِح، ماذا أَعمَلُ لِأَرِثَ الحَياةَ الأَبَدِيَّة؟". إنَّ سؤالاً بهذه الأهمّيّة يتطلَّبُ الانتباه والوقت والاستعداد للقاء الآخر والسّماح لقلقه بأن يُسائلنا. إنّ الرّبّ في الواقع ليس بعيدًا، ولا يظهر نفسه متضايقًا أو منزعجًا، بل على العكس، يتوقّف عنده. إنّه مُستعدّ للّقاء. لا يقف غير مباليًا أمام شيء بل يجذبه كلّ شيء ويسحره. لقاء الوجوه، تشابك النّظرات، مشاركة قصّة كلّ واحد: هذا هو قرب يسوع، وهو يعلم أنّ اللّقاء يمكنه أن يغيّر الحياة. والإنجيل مرصّع بلقاءات مع المسيح ترفع وتشفي.

نحن أيضًا، الّذين نبدأ هذه المسيرة، مدعوّون لكي نصبح خبراء في فنّ اللّقاء. ليس في تنظيم الأحداث أو في التّفكير النّظريّ في المشاكل، وإنّما بشكل خاصّ في تخصيص الوقت للقاء الرّبّ وتعزيز اللّقاء فيما بيننا. وقت لكي نُعطي فُسحة للصّلاة والعبادة ولما يريد الرّوح أن يقوله للكنيسة؛ لكي نلتفت إلى وجه الآخر وكلامه، ونلتقي وجهًا لوجه، ونسمح بأن تلمسنا أسئلة الأخوات والإخوة، وتساعدنا لكي نغتني من تنوّع المواهب والدّعوات والخدمات. إنَّ كلَّ لقاء- كما نعلم- يتطلَّب الانفتاح والشّجاعة والاستعداد لكي نسمح لوجه وتاريخ الآخر بأن يسائلاننا. وبينما نُفضّل أحيانًا أن نحتميَ في علاقات رسميّة أو أن نرتديَ أقنعة عرضيّة، فإنّ اللّقاء يغيّرنا وغالبًا ما يقترح علينا مسارات جديدة لم نكن نعتقد أنّنا سنتبعها. في كثير من الأحيان، بهذه الطّريقة بالتّحديد، يظهر لنا الله الدّروب الّتي علينا اتّباعها، ويُخرجنا من عاداتنا التّعبة. كلّ شيء يتغيّر عندما نكون قادرين على عيش لقاءات حقيقيّة معه ومع بعضنا البعض، بدون شكليّات ورياء وحيَل.

الفعل الثّاني: الإصغاء. إنَّ اللّقاء الحقيقيّ يولد فقط من الإصغاء. في الواقع، يضع يسوع نفسه في الإصغاء إلى سؤال ذلك الرّجل وإلى قلقه الدّينيّ والوجوديّ. هو لا يعطي إجابة مألوفة، ولا يقدّم حلّاً جاهزًا، ولا يتظاهر بالرّدّ بأدب فقط لكي يتخلّص منه ويتابع طريقه. بل يصغي إليه. إنَّ يسوع لا يخشى أن يصغي بقلبه وليس بأذنيه فقط. في الواقع، لا يقتصر ردّه على الإجابة على السّؤال، بل يسمح للرّجل الغنيّ أن يسرد قصّته، ويتحدّث عن نفسه بحرّيّة. ذكره المسيح بالوصايا، وبدأ في الحديث عن طفولته، ليشاركه مسيرته الدّينيّة، والطّريقة الّتي اجتهد بها لكي يبحث عن الله؛ وهذا ما يحدث عندما نصغي بواسطة القلب: يشعر الآخر بأنّه مقبول، وبأنّه لم يُحكم عليه، وبأنّه حرّ في أن يروي خبرته المعاشة ومساره الرّوحيّ.

لنسأل أنفسنا: كيف هو إصغاؤنا في الكنيسة؟ كيف هو"سمع" قلوبنا؟ هل نسمح للأشخاص بأن يعبِّروا عن أنفسهم، ويسيروا في الإيمان حتّى لو كانت لديهم مسارات حياة صعبة، وأن يساهموا في حياة الجماعة دون أن نُعيقهم أو نرفضهم أو نحكم عليهم؟ إنّ صنع السّينودس هو أن نضع أنفسنا على الدّرب عينه للكلمة الّذي صار بشرًا: إنّه اتّباع خطواته، والإصغاء إلى كلمته وكلمات الآخرين. ونكتشف بدهشة أنّ الرّوح القدس يهُبُّ على الدّوام بطريقة مفاجئة، ليقترح مسارات ولغات جديدة. إنّه تمرين بطيء، وربّما متعب لكي نتعلّم أن نُصغي إلى بعضنا البعض- أساقفة وكهنة ورهبان وعلمانيّون- ونتجنَّب الأجوبة المصطنعة والسّطحيّة. إنَّ الرّوح القدس يطلب منّا أن نضع أنفسنا في الإصغاء إلى أسئلة وهموم وآمال كلّ كنيسة وكلّ شعب وأمّة؛ وكذلك أن نُصغي إلى العالم، والتّحدّيات والتّغييرات الّتي يضعها أمامنا. لا نَصُمَّنَّ قلوبنا، ولا نُترِّسنَّ ذواتنا في ضماناتنا. وإنّما لنصغِ إلى بعضنا البعض.

ختامًا، التّمييز. إنَّ اللّقاء والإصغاء المتبادل ليسا غاية في حدّ ذاتهما، ويتركان الأمور كما هي. بل على العكس، عندما ندخل في حوار، فإنّنا نضع أنفسنا في موضع شكٍّ، في مسيرة، وفي النّهاية لا نبقى كما كنّا في السّابق، بل نتغيّر. وهذا ما يُظهره لنا إنجيل اليوم. شعر يسوع أنّ الرّجل الّذي أمامه صالح ومتديّن ويمارس الوصايا، لكنّه أراد أن يقوده إلى أبعد من التّقيّد البسيط بالشّرائع. وفي الحوار ساعده على التّمييز. إقترح عليه أن ينظر داخل نفسه، في ضوء الحبّ الّذي نظر به إليه وأحبّه، ويميّز في هذا الضّوء ما يتعلّق به قلبه حقًّا. لكي يكتشف بعدها أنّ خيره لا يقوم على إضافة أفعال وممارسة دينيّة أخرى، وإنّما على التّجرّد وإفراغ ذاته: أن يبيع ما يشغل قلبه لكي يُفسح المجال لله. إنّه مؤشّر ثمين بالنّسبة لنا أيضًا. السّينودس هو مسيرة تمييز روحيّ تتمّ في العبادة والصّلاة واللّقاء بكلمة الله. والقراءة الثّانية اليوم تخبرنا أنّ "كَلامَ اللهِ حَيٌّ ناجِع، أَمضى مِن كُلِّ ذي حَدَّين، يَنفُذُ إِلى ما بَينَ النَّفسِ وَالرّوح، وَما بَينَ الأَوصالِ وَالمِخاخ، وَبِوِسعِهِ أَن يَحكُمَ عَلى خَواطِرِ القَلبِ وَأَفكارِهِ". إنَّ كلمة الله تفتحنا على التّمييز وتنيره. هي توجّه السّينودس لكي لا يكون "مؤتمرًا" كنسيًّا أو مؤتمرًا دراسيًّا أو مؤتمرًا سياسيًّا، بل حدث نعمة وعمليّة شفاء يقودها الرّوح القدس. في هذه الأيّام يدعونا يسوع، كما فعل مع الرّجل الغنيّ في الإنجيل، لكي نُفرغ ذواتنا ونتحرّر من كلِّ ما هو دنيويّ، وكذلك من انغلاقنا ونماذجنا الرّاعويّة المتكرّرة؛ ونسأل أنفسنا حول ما يريد الله أن يقوله لنا في هذا الوقت وفي أيّ اتّجاه يريد أن يقودنا.

بالقول أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، أتمنّى لكم مسيرة سعيدة معًا! وأن نكون حجّاجًا شغوفين للإنجيل، منفتحين على مفاجآت الرّوح. لا نفوِّتنَّ فرص نعمة اللّقاء والإصغاء المتبادل والتّمييز. بفرح معرفة أنّنا بينما نبحث عن الرّبّ، يأتي للقائنا هو أوّلاً بمحبّته."