الفاتيكان
04 تشرين الأول 2023, 11:50

البابا فرنسيس مفتتحًا الجمعيّة العاديّة لسينودس الأساقفة: لنسر معًا على خطى القدّيس فرنسيس الأسيزيّ قدّيس الفقر والسّلام

تيلي لوميار/ نورسات
إفتتح البابا فرنسيس أعمال الدّورة الأولى من الجمعيّة العاديّة السّادسة عشر لسينودس الأساقفة حول السّينودسيّة، بقدّاس إلهيّ ترأّسه صباحًا.

وللمناسبة ألقى عظة جاء فيها بحسب "فاتيكان نيوز": "إنّ الإنجيل الّذي سمعناه يسبقه سرد للحظة صعبة في رسالة يسوع، يمكننا أن نصفها بـ"الأسى الرّعويّ": يوحنّا المعمدان يشكّ في أن يكون هو المسيح حقًّا؛ والعديد من المدن الّتي عبرها، على الرّغم من المعجزات الّتي قام بها، لم تتُب؛ والنّاس يتّهمونه بأنّه أكول وشرّيب خمر، فيما كانوا يشتكون قبل ذلك من يوحنّا المعمدان لأنّه كان متقشِّفًا جدًّا." ومع ذلك، نرى أنّ يسوع لا يسمح للحزن بأن يغلبه، بل يرفع عينيه إلى السّماء ويبارك الآب لأنّه قد أظهر أسرار ملكوت الله للبسطاء: "أحمدك أيّها الآب ربّ السّماء والأرض لأنّك أخفَيتَ هذه عن الحكماء والفهماء وأعلَنتَها للأطفال". في لحظة الأسى، إذًا، يتحلّى يسوع بنظرة قادرة على الرّؤية بعمق: هو يمدح حكمة الآب ويستطيع أن يرى الخير الخفيّ الّذي ينمو، بذرة الكلمة الّتي يقبلها البسطاء، نور ملكوت الله الّذي يشقُّ طريقه حتّى في اللّيل".

أيّها الكرادلة، والأساقفة والأخوات والإخوة الأعزّاء، نحن هنا في افتتاح الجمعيّة السّينودسيّة. ولا نحتاج إلى نظرة داخليّة، مبنيّة على استراتيجيّات بشريّة، أو حسابات سياسيّة، أو نزاعات إيديولوجيّة: إذا كان السّينودس سيسمح بهذا الأمر أو بذاك، أو إذا كان سيفتح هذا الباب أو ذاك... هذه الأمور لا تفيد. نحن لسنا هنا لكي نعقد اجتماعًا برلمانيًّا أو لكي نضع خطّة إصلاح. لا، نحن هنا لكي نسير معًا بنظرة يسوع، الّذي يبارك الآب ويقبل المُتعبين والمُثقّلين بالأحمال. لننطلق إذًا من نظرة يسوع، الّتي هي نظرة تبارك وتستقبل.

لنرَ القسم الأوّل، نظرة تبارك. على الرّغم من أنّه قد اختبر الرّفض ورأى قسوة قلب كبيرة حوله، لم يسمح المسيح لليأس بأن يسجنه، ولم يصبح قاسيًا، ولم يتوقّف عن التّسبيح. وقلبه، المؤسّس على أولويّة الآب، يبقى هادئًا حتّى في وسط العاصفة. إنّ نظرة الله الّتي تبارك تدعونا أيضًا لكي نكون كنيسة تتأمّل بقلب فرح عمل الله وتميّز الحاضر. وفي وسط أمواج زمننا الّتي قد تكون مضطربة أحيانًا، لا تفقد الكنيسة شجاعتها ولا تلجأ إلى منافذ إيديولوجيّة، ولا تختبئ خلف قناعات مُكتسبة، ولا تستسلم لحلول مريحة، ولا تسمح للعالم بأن يحدّد أجندتها. هذه هي الحكمة الرّوحيّة للكنيسة، كما لخّصها القدّيس يوحنّا الثّالث والعشرون: "من الضّروريّ أوّلاً ألّا تحيد الكنيسة أبدًا عيونها عن إرث الحقيقة المقدّس الّذي ورثته من الأقدمين. وفي الوقت عينه، تحتاج أيضًا إلى أن تنظر إلى الحاضر، الّذي يتضمّن حالات جديدة وأساليب عيش جديدة، وفتح دروبًا جديدة للعمل الرّسوليّ". إنّ نظرة يسوع الّتي تبارك تدعونا لكي نكون كنيسة لا تواجه تحدّيات ومشاكل الحاضر بروح انقسام ونزاع، بل على العكس، توجّه العيون إلى الله الّذي هو شركة، وبدهشة وتواضع، تباركه وتعبده معترفة بأنّه ربّها الوحيد. نحن ننتمي إليه، ولنتذكّر دائمًا- نحن موجودون فقط لكي نحمله للعالم. وكما قال لنا القدّيس بولس الرّسول، ولكي لا نفتخر "إلّا بصليب ربّنا يسوع المسيح". هذا الأمر يكفينا، هو، يكفينا. لا نريد مجدًا دنيويًّا، ولا نريد أن نبدو جميلين في أعين العالم، بل نريد أن نصل إليه بتعزية الإنجيل، لكي نشهد بشكل أفضل، وللجميع، على محبّة الله اللّامتناهية. في الواقع، كما قال البابا بندكتس السّادس عشر في خطابه لجمعيّة سينودسيّة، "السّؤال بالنّسبة لنا هو: هل تكلّم الله؟ هل كسر حقًّا الصّمت الكبير؟ هل أظهر نفسه؟ ولكن كيف يمكننا أن نقدّم هذا الواقع لإنسان اليوم، لكي يصبح خلاصًا؟

هذا هو السّؤال الأساسيّ. وهذا هو الواجب الرّئيسيّ للسّينودس: إعادة تركيز نظرتنا على الله، لكي نكون كنيسة تنظر إلى البشريّة برحمة. كنيسة متّحدة وأخويّة، تصغي وتحاور؛ كنيسة تبارك وتشجّع، تساعد من يبحث عن الرّبّ، وتهزُّ بشكل إيجابيّ الّذين لا يبالون، وتُطلق مسارات لكي تنشّئ الأشخاص على جمال الإيمان. كنيسة تضع الله في المحور وبالتّالي لا تنقسم من الدّاخل ولا تكون قاسية من الخارج. هكذا يريد يسوع الكنيسة، عروسه".

بعد النّظرة الّتي تبارك، نتأمّل الآن نظرة المسيح الّتي تستقبل. في حين أنّ الّذين يعتقدون أنّهم حكماء يصعب عليهم أن يعترفوا بعمل الله، هو يتهلّل في الآب لأنّه يظهر نفسه للصّغار والبسطاء وفقراء الرّوح. ولذلك، طوال حياته، اتّخذ هذه النّظرة الّتي تستقبل إزاء الأشخاص الأشدّ ضعفًا والمتألّمين والمهمّشين. وإليهم يتوجّه بشكل خاصّ، قائلاً ما سمعناه: "تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثّقيلي الأحمال وأنا أريحكم". إنّ نظرة يسوع الّتي تستقبل تدعونا أيضًا لكي نكون كنيسة مضيافة، وليس كنيسة أبوابها مغلقة. في زمن مُعقَّد مثل زمننا، تظهر تحدّيات ثقافيّة ورعويّة جديدة، تتطلّب موقفًا داخليًّا ودّيًّا ولطيفًا لكي نتمكّن من أن نتناقش بدون خوف. في الحوار السّينودسيّ، في هذه الـ"مسيرة في الرّوح القدس" الجميلة الّتي نقوم بها معًا كشعب الله، يمكننا أن ننمو في الوحدة والصّداقة مع الرّبّ لكي ننظر إلى تحدّيات اليوم بنظرته؛ ولكي نصبح، سأستخدم تعبيرًا جميلًا من البابا بولس السّادس، كنيسة تصبح حوارًا. كنيسة "نيرها لطيف"، لا تفرض أثقالًا وتقول للجميع: "تعالوا، أيّها المتعبون والمثقلون بالأحمال، تعالوا، أيّها الّذين ضللتم الطّريق أو تشعرون بأنّكم بعيدين، تعالوا، أيّها الّذين أغلقتم الأبواب أمام الرّجاء: إنّ الكنيسة حاضرة هنا من أجلكم!". كنيسة الأبواب المفتوحة للجميع بدون استثناء!  قال الرّبّ في سفر الرّؤيا: "أنا على الباب وأقرع لكي يُفتح الباب"، ولكن في كثير من الأحيان أيّها الإخوة والأخوات هو يقرع الباب وإنّما من داخل الكنيسة لكي نسمح للرّبّ أن يخرج مع الكنيسة ليعلن إنجيله.

أيّها الأخوة والأخوات، شعب الله المقدّس، أمام الصّعوبات والتّحدّيات الّتي تنتظرنا، تمنعنا نظرة يسوع الّتي تبارك وتستقبل من أن نقع في بعض التّجارب الخطيرة: أن نكون كنيسة صارمة،- مكتب جمارك- تتسلّح ضدّ العالم وتنظر إلى الوراء؛ أن نكون كنيسة فاترة، تستسلم لنزعات العالم؛ أن نكون كنيسة متعبة، مُنغلقة على نفسها. لنسر معًا: متواضعين، متحمّسين، وفرحين. لنسر على خطى القدّيس فرنسيس الأسيزيّ، قدّيس الفقر والسّلام، "مجنون الله" الّذي حمل جراح المسيح في جسده وتجرّد عن كلّ شيء لكي "يلبس" المسيح. يروي القدّيس بونافنتورا أنّه بينما كان يصلّي، قال له المصلوب: "اذهب وأصلح كنيستي". السّينودس يصلح لكي يُذكِّرنا بهذا: إنّ أمّنا الكنيسة تحتاج على الدّوام لأن تتطهّر ويتمّ إصلاحها، لأنّنا جميعًا شعب خطأة غفر لهم، ومعوزون على الدّوام لأن يعودوا إلى الينبوع الّذي هو يسوع ويسيروا مجدّدًا على دروب الرّوح القدس لكي يبلغوا الجميع بإنجيله. إنّ القدّيس فرنسيس الأسيزيّ، في زمن من الصّراعات والانقسامات الكبيرة، بين السّلطة الزّمنيّة والدّينيّة، بين الكنيسة المؤسّساتيّة وتيّارات الهرطقة، بين المسيحيّين والمؤمنين الآخرين، لم ينتقد أو يهاجم أحدًا، بل تمسّك فقط بأسلحة الإنجيل: التّواضع والوحدة والصّلاة والمحبّة. لنفعل هكذا نحن أيضًا!

وإذا كان شعب الله المقدّس مع رعاته من جميع أنحاء العالم يغذّي انتظارات وآمالًا وربّما بعض المخاوف أيضًا حول السّينودس الّذي نبدأه، لنتذكّر مرّة أخرى أنّه ليس تجمّعًا سياسيًّا، بل دعوة في الرّوح القدس؛ وليس برلمانًا مُستَقطبًا، بل هو مكان نعمة وشركة. والرّوح القدس من ثمّ وفي كثير من الأحيان يكسر انتظاراتنا لكي يخلق شيئًا جديدًا يتخطّى توقّعاتنا وسلبيّاتنا. لننفتح عليه ولنستدعيه، هو الرّائد، الرّوح القدس. ولنسر معه بثقة وفرح."