الفاتيكان
02 آذار 2022, 12:50

البابا فرنسيس: معنى الحياة لا هو كلّ شيء منذ الولادة وحتّى الموت

تيلي لوميار/ نورسات
واصل البابا فرنسيس حديثه، خلال المقابلة العامّة اليوم، عن الشّيخوخة، متسائلًا" "متى تبدأ هنا؟ وماذا يعني أنّ هذا العمر الطّويل قد جعل الآباء يعيشون مع الأبناء لقرون؟"، لافتًا إلى أنّ "هذا الحساب للزّمن بالقرون يمنح العلاقة بين العمر الطويل والإنجاب معنى رمزيًّا قويًّا جدّيًّا، وكأنّ نقل حياة البشريّة الجديدة في الكون الّذي خلقه الله تتطلّب ابتداءً بطيئًا وطويلاً، كلّ شيء هو جديد في بداية تاريخ مخلوق هو روح وحياة، ضمير وحرّيّة، حساسيّة ومسؤوليّة. إنّ الحياة الجديدة، والّتي كانت منغمسة في علاقة بين أصله حيث خُلق على صورة الله ومثاله من جهة، وهشاشة الموت من جهة أخرى، تمثّل مستجدًّا يجب اكتشافه وتتطلّب زمنًا طويلاً من ابتداءٍ من الضّروريّ فيه الدّعم المتبادل بين الأجيال، وذلك لفهم الخبرات والتّحاور حول أسرار الحياة. وخلال هذا الوقت الطّويل يتشكّل ببطء الجانب الرّوحيّ للإنسان.

إنّ كلّ انتقال للمراحل في تاريخ الإنسان يعيد هذا الشّعور، وكأنّه علينا أن نستعيد وبهدوء تساؤلاتنا حول معنى الحياة حين تكون الخبرة البشريّة ممتلئة بخبرات جديدة وأسئلة لم تُطرح من قبل. وأشار إنّ تراكم الذّاكرة الثّقافيّة ينمّي الاعتياد الضّروريّ على مواجهة انتقالات غير مسبوقة. يتضاءل هكذا زمن النّقل بينما يتطلّب الاستيعاب الصّبر. إنّ السّرعة المبالغ فيها المهيمنة على جميع مراحل حياتنا والّتي تجعل الخبرات أكثر سطحيّة ومغذّية بشكل أقلّ. إنّ الشّباب هم ضحايا هذا الانفصال بين زمن عقارب السّاعة المسرِع وأزمنة الحياة الّتي تتطلّب التّخمّر المناسب، إنّ الحياة الطّويلة تسمح باختبار هذه الأزمنة الطّويلة وأيضًا الأضرار النّاتجة عن التّسرّع.

تفرض الشّيخوخة إيقاعات أكثر بطءًا إلّا أنّه ليست أزمنة خمول، فمقياس هذه الإيقاعات يفتح للجميع فسحات لمعنى الحياة لا يعرفها الهوس بالسّرعة. ويؤدّي فقدان العلاقة مع الإيقاعات البطيئة للشّيخوخة إلى إغلاق هذه الفسحات أمام الجميع. وإنطلاقًا من هذا أراد تأسيس عيد الأجداد ليُحتفل به في الأحد الأخير من شهر تمّوز يوليو. إنّ عهدًا بين الجيلَين الأقصى للحياة، الأطفال والمسنّين، يساعد أيضًا الجيلين الآخرَين، الشّباب والبالغين، على الارتباط فيما بينهما من أجل جعل حياة الجميع أكثر غنى بالإنسانيّة. إنّ هناك حاجة إلى حوار بين الأجيال، يظلّ بدونه كلّ جيل منعزلاً ولا يمكنه نقل الرّسالة. إنّ شابًّا غير ملتصق بجذوره، أيّ بالأجداد، لا يتلقّى القوّة، فينمو بشكل سيّء، مريضًا، بدون مرجعيّة. ولهذا فمن الضّروريّ السّعي إلى الحوار بين الأجيال كاحتياج بشريّ".  

وشدّد البابا فرنسيس بشكل خاصّ على أهمّيّة الحوار بين الأجداد والأحفاد، ودعا إلى "تخيّل مدينة يكون فيها التّعايش بين مراحل الحياة المختلفة جزءًا متكاملاً في بيئتها، وإلى التّفكير في انطلاق علاقات ودودة بين الشّيخوخة والشّباب تنعكس على الطّابع العامّ للعلاقات. إنّ المدن الحديثة تميل على مواقف معادية للمسنّين، وليس من الصّدفة إذن أن تكون معادية للأطفال أيضًا. إنّ هذا مجتمع مطبوع بروح الإقصاء حيث يقصي الكثير من الأطفال غير المرغوب فيهم ويقصي المسنّين فيضعهم في دور المسنّين لأنّه لم تعد هناك حاجة إليهم. إنّ السّرعة المبالغ فيها تجعلنا نفقد النّظرة المشتركة، فيتمسّك كلّ واحد بقطعته الطّائفة فوق حركة مدن أسواق تَعتبر الإيقاع البطيء خسارة والسّرعة مالاً. إنّ الحكمة تستدعي "إضاعة الوقت" مع الأبناء والأجداد، فهذا "الوقت الضّائع" يقوّي العائلة البشريّة، كما أنّ الأطفال والمسنّين يمنحوننا قدرة جديدة على رؤية الحياة."

ثمّ تطرق البابا فرنسيس إلى جائحة كوفيد 19 "والّتي فرضت إيقافًا لطقس السّرعة الغبيّ، وفي هذه المرحلة، كان الأجداد كجدار لمواجهة جفاف عاطفيّ لدى الأطفال. إنّ عهدًا مرئيًّا بين الأجيال يناغم أزمنتها وإيقاعاتها يعيد إلينا الرّجاء في ألّا نسكن الحياة بلا جدوى، يعيد إلى كلٍّ منّا محبّة حياتنا الضّعيفة، قاطعًا الطّريق أمام هوس السّرعة الّذي باختصار يستهلك الحياة". وصف البابا بالتّالي إيقاعات الشّيخوخة بمورد لا غنى عنه لفهم معنى الحياة الّتي يطبعها الزّمن، وتابع أنّه وبفضل هذا يصبح أكثر وضوحًا توجّه الحياة نحو لقاء الله. ووصف هذا بتصميم يتضمّنه خلق الله الإنسان على صورته ومثاله، تصميم مختوم بتجسّد ابن الله.

وفي الختام، أشار البابا فرنسيس إلى طول الأعمار اليوم والّذي يوفّر لنا الفرصة لإنماء العهد بين جميع أزمنة الحياة ومعنى الحياة في مجملها. وأكّد على أنّ معنى الحياة لا يقتصر على مرحلة البلوغ بين 25 و60 سنة، بل هو كلّ شيء، منذ الولادة وحتّى الموت. علينا بالتّالي أن تكون لدينا علاقات مع الجميع كي يكون بلوغنا أكثر ثراءً. ليهبنا الرّوح القدس الفطنة والقوّ من أجل إصلاح ضروريّ، أن تتحوّل غطرسة زمن عقارب السّاعة إلى جمال إيقاعات الحياة."