الفاتيكان
20 تشرين الأول 2022, 12:30

البابا فرنسيس: مشروع المسيرة الرّوحيّة يجب أن يتّخذ أحيانًا شكل استنكار إنجيليّ على الدّوام

تيلي لوميار/ نورسات
"تدعونا رسالة الشّهداء لكي نتشبّه بآلامهم الّتي هي تحقيق آلام المسيح في الوقت الحاضر، من خلال معانقة الصّليب الّذي يقدّمه الرّبّ لكلّ واحد منّا شخصيًّا". هذا ما دعا إليه البابا فرنسيس زوّاره من المشاركين في الحجّ الّذي ينظّمه مجلس أساقفة السّلفادور من أجل رفع الشّكر إلى الله على إعلان تطويب الشّهداء روتيليو غراندي غارسيا، وكوزمي سبيسوتو، ومانويل سولورزانو، ونيلسون روتيليو ليموس.

دعوته هذه جاءت في كلمة توجّه بها إليهم، جاء فيها بحسب "فاتيكان نيوز": "الشّهداء، كما نعلم جميعًا، هم "عطيّة مجّانيّة من الرّبّ"، كما كان يؤكِّد الطّوباويّ كوزمي سبيسوتو، العطيّة الأثمن الّتي استطاع الله أن يمنحها لكنيسته، لأنَّ فيهم يتحقّق الحبّ الأكبر الّذي أظهره يسوع على الصّليب. إنَّ دمهم لم يتّحد بدم المخلّص فقط بفضل تشبّه التّلميذ بالمعلّم أو العبد بالرّبّ، وإنّما هو شكل من أشكال الاتّحاد الصّوفيّ، الّذي رآه الآباء ممثّلاً في قطرات الدّمّ الّتي تدفّقت على جسد يسوع في الجتسماني. هذه القطرات الأربع، مثل الياقوت المطرّز على سترة يسوع، هي جواهر ثمينة نشكر الله عليها في المقام الأوّل. هو الّذي دعاهم إلى هذه المعركة، ومنحهم القوّة لكي ينالوا النّصر، ويقدّمهم لنا الآن من أجل بنياننا. إنّهم عطيّة عظيمة، أكان للكنيسة الّتي تحجُّ في السّلفادور وإمّا للكنيسة الجامعة، وسيبقى معناهم على الدّوام في سرّ الله.

ومع ذلك يمكن ويجب تعميق هذا الواقع في جماعاتنا. من المثير للاهتمام أن نلاحظ أنّ أوّل ثمار موت الطّوباويّين كانت استعادة وحدة الكنيسة. هذه الحقيقة أكّدها القدّيس أوسكار روميرو في قدّاس جنازة الأب روتيليو غراندي، في 14 آذار مارس 1977، عندما كتب متأثِّرًا كيف "يتّحد الإكليروس حول أسقفهم"، مُعترفًا أنّه في شهادة الوحدة هذه "يفهم المؤمنون أنّ هناك نورًا للإيمان يقودنا [...] دافع حبّ". وختم القدّيس أوسكار روميرو عظته بالقول: "لنحاول فهم هذه الكنيسة، ولنسمح لهذه المحبّة أن تُلهمنا، ولنعش هذا الإيمان وأؤكّد لكم أنّه سيكون هناك حلّ لمشاكلنا الاجتماعيّة الكبرى". يبدو لي أنّه يمكن لهذا الأمر أن يكون مسارًا جيّدًا لكي نتأمّل في الصّلاة بهذه الكلمات الّتي قالها الله بواسطة دم هؤلاء الشّهود في الكنيسة في السّلفادور. إنّ وقائعنا ليست بالتّأكيد هي عينها كما كانت آنذاك، لكن الدّعوة إلى الالتزام، والأمانة، والإيمان بالله والمحبّة للإخوة في المقام الأوّل، والعيش في الرّجاء، هي دعوة خالدة، لأنّها الإنجيل، إنجيل حيّ، لا نتعلّمه من الكتب، وإنّما من حياة الّذين نقلوا إلينا وديعة الإيمان.

في هذه المرحلة الّتي نحن مدعوّون فيها للتّأمُّل حول سينودسيّة الكنيسة، لدينا في هؤلاء الشّهداء المثال الأفضل لذلك "السّير معًا"، بما أنَّ الأب غراندي قد استُشهد وهو "في مسيرة نحو وطنه". هذا ما يطلبه كلّ واحد منكم، أيّها الأساقفة والكهنة والعاملون الرّاعويّون، من الرّبّ اليوم، أن يكون مثل ذلك "الكاهن- روتيليو - مع زميليه– الطّوباويّين مانويل ونيلسون– في مسيرة على الدّوام نحو وطنه، لكي يتشبّه بهم ويعيش معهم". هذه الرّسالة عينها نجدها في عظة للأب روتيليو، عندما قال إنّ هذا السّير معًا لا يمكنه أن يتوافق مع مجرّد حمل القدّيس في صورة تعبّديّة، ولكنّه يعني، بشكل خاصّ أن نتبنّى شهادة الإيمان والرّجاء والحبّ الّتي تركها لنا هذا القدّيس في حياته.

تدعونا رسالة هؤلاء الشّهداء لكي نتشبّه بآلامهم الّتي، وكما قلنا، هي تحقيق آلام المسيح في الوقت الحاضر، من خلال معانقة الصّليب الّذي يقدّمه الرّبّ لكلّ واحد منّا شخصيًّا. ومشروع المسيرة هذا، مشروع المسيرة الرّوحيّة والصّلاة والنّضال، يجب أن يتّخذ أحيانًا شكل استنكار، احتجاج، لا سياسيّ، أبدًا، وإنّما إنجيليّ على الدّوام. وطالما أنّ هناك ظلم، وطالما لم تُسمع ادّعاءات الشّعب العادلة، وطالما هناك في بلد ما علامات عدم نضج في مسيرة الكمال لشعب الله، هناك يجب أن يكون صوتنا ضدّ الشّرّ، وضدّ الفتور في الكنيسة وضدّ كلّ ما يفصلنا عن الكرامة البشريّة وعن البشارة بالإنجيل. إنَّ صليب يسوع هو صليب الجميع وهو صليب الكنيسة، جسد المسيح، الّتي تتبعه وصولاً إلى التّضحية. لنشجّع بعضنا البعض، ولنفكّر في الّذين يواجهون صعوبات في شعبنا: الأشدَّ فقرًا، والسّجناء، والّذين لا يملكون موارد العيش، المرضى، والمهمّشين. ولنشكر الله على قدرتنا على السّير بقوّة الإيمان لكي نخدم شعبنا. ليبارككم الله ولتحفظكم العذراء مريم."