أوروبا
03 آب 2023, 06:30

البابا فرنسيس مترئّسًا صلاة الغروب في البرتغال: على متن سفينة الكنيسة يجب أن يكون هناك مكان للجميع

تيلي لوميار/ نورسات
خلال صلاة الغروب الّتي ترأّسها في دير جيرونيموس في لشبونة، بحضور الأساقفة والكهنة والشّمامسة والمكرّسين والمكرّسات والإكليريكيّين والعاملين الرّعويّين، عبّر البابا فرنسيس في عظته عن فرحه لوجوده بينهم "لنعيش مع شباب كثيرين اليوم العالميّ للشّباب، ولنشارككم أيضًا مسيرتكم الكنسيّة، جهودكم وآمالكم".

ثمّ توقّف عند الدّعوة الأولى للتّلاميذ الّذين دعاهم يسوع على شاطئ بحر الجليل، مسلّطًا الضّوء على ما تمّ الإصغاء إليه من رسالة القدّيس بولس الثّانية إلى طيموتاوس "خلَّصنا الرّبّ ودعانا، لا بالنّظر إلى أعمالنا، بل وفقًا لنعمته" (راجع ٢ طيموتاوس ١، ٩)، وقال: "هذا ما حدث في حياة التّلاميذ الأوائل حين رأى يسوع "سَفينَتَينِ راسِيَتَينِ عِندَ الشَّاطِئ، وقد نَزَلَ مِنهُما الصَّيَّادونَ يَغسِلونَ الشِّباك" (لوقا ٥، ٢). إذ ذاك صعد يسوع إلى سفينة سمعان، وبعد أن تحدّث إلى الجموع، بدّل حياة هؤلاء الصّيّادين ودعاهم ليسيروا في العُرض ويُلقوا الشّباك. نلاحظ على الفور تباينًا: ينزل الصّيّادون من السّفينة لغسل الشّباك أيّ لتنظيفها وحفظها جيّدًا والعودة إلى البيت؛ ويصعد يسوع إلى السّفينة ويدعو إلى أن يُلقوا مجدّدًا الشّباك للصّيد. ويظهر هذا التّباين: ينزل التّلاميذ، ويصعد يسوع؛ هم يريدون حفظ الشّباك، وهو يريد أن يُلقوها مجدّدًا في البحر للصّيد.

إنّ يسوع نظر بحنان إلى سمعان ورفاقه الّذين كانوا يغسلون شباكهم وهم متعبون ويائسون، ولم يبق لهم إلّا العودة إلى البيت بأياد فارغة. قد يتمّ الشّعور أحيانًا في مسيرتنا الكنسيّة بتعب مماثل، حين يبدو لنا أنّنا نمسك بين أيدينا شباكًا فارغة فقط، إنّه شعور منتشر في البلدان ذات التّقاليد المسيحيّة القديمة، والّتي عرفت تغيّرات اجتماعيّة وثقافيّة عديدة، وتتّسم أكثر فأكثر بالعلمنة واللّامبالاة إزاء الله، وبابتعاد متزايد عن ممارسة الإيمان. ويتفاقم ذلك أحيانًا بسبب خيبة الأمل والغضب اللّذين يشعر بهما البعض تجاه الكنيسة، أحيانًا بسبب شهادتنا السّيّئة والعثرات الّتي شوّهت وجهها، وتدعونا إلى تنقية متواضعة ومستمرّة، بدءًا من صرخة ألم الضّحايا، وينبغي دائمًا الإصغاء إليها. إنّ الخطر، وعندما نشعر بأنّنا محبطون، هو النّزول من السّفينة، والبقاء متمسّكين بشباك الاستسلام والتّشاؤم. وبدلاً من ذلك، يجب أن نحمل إلى الرّبّ تعبنا ودموعنا، لنواجه من ثمّ الأوضاع الرّعويّة والرّوحيّة وذلك بقلب منفتح ونختبر معًا طرقًا جديدة لاتّباعها، واثقين أنّ يسوع يواصل الإمساك بيد عروسه الحبيبة، الكنيسة، وينهضها.

ما إن نزل التّلاميذ ليغسلوا الأدوات المستخدمة صعد يسوع إلى السّفينة ثمّ دعاهم إلى أن يرسلوا الشّباك مجدّدًا. إنّه يبحث عنّا في وحدتنا وأزماتنا ليساعدنا على البدء من جديد. واليوم أيضًا يمرّ على شواطئ حياتنا ليوقظ الرّجاء ويقول لنا أيضًا، كما قال لسمعان والآخرين: "سِرْ في العُرْض، وأَرسِلوا شِباكَكُم لِلصَّيد" (لوقا ٥، ٤). إنّ ما نعيشه هو بالتّأكيد وقت صعب، لكن الرّبّ يسأل اليوم هذه الكنيسة: "هل تريدين أن تنزلي من السّفينة، أم أن تدعيني أصعد وتسمحي لجديد كلمتي مرّة أخرى بأن يتسلّم دفّة القيادة؟ أتريدين فقط الحفاظ على الماضي الّذي وراءك أم إرسال الشّباك مجدّدًا بحماس للصّيد؟ إنّ ما يطلبه الرّبّ منّا هو أن نوقظ "القلق للإنجيل". إرسال الشّباك مجدّدًا ومعانقة العالم برجاء الإنجيل: هذا ما نحن مدعوّون إليه. إنّ الوقت الآن ليس للتّوقّف والاستسلام وإرساء السّفينة على الشّاطئ أو النّظر إلى الوراء. إنّه وقت النّعمة الّذي يعطينا إيّاه الرّبّ لنبحر في بحر البشارة والرّسالة".

وتابع البابا فرنسيس مشيرًا في هذا الصّدد إلى ثلاثة أمور مستوحاة من الإنجيل، أوّلها، "السّير في العُرض"، مضيفًا أنّه "لإرسال الشّباك مجدّدًا في البحر، ينبغي أن نترك شواطئ الجمود". وذكّر بحسب "فاتيكان نيوز" "بما فعله سمعان على الرّغم من تعبه اللّيل كلّه بدون جدوى قائلاً "بِناءً على قَولِكَ أُرسِلُ الشِّباك" (لوقا ٥، ٥). ولكن، كي نثق كلّ يوم بالرّبّ وكلمته، لا تكفي الكلمات، بل هناك حاجة للصّلاة كثيرًا. في السّجود، وفقط أمام الرّبّ، نجد الشّغف للبشارة. النّقطة الثّانية وهي "القيام معًا بالعمل الرّعويّ"... في نصّ الإنجيل، أوكل يسوع إلى بطرس مهمّة السّير في العُرض، ومن ثمّ تكلّم بصيغة الجمع قائلاً "أَرسِلوا شِباكَكُم" (لوقا ٥، ٤). إنّ بطرس يقود السّفينة، ولكن الجميع على متن السّفينة، والجميع مدعوّون إلى أن يرسلوا الشّباك. عندما اصطادوا كمّيّة كبيرة من السّمك، لم يعتبروا الهبة ملكًا خاصًّا لهم، وإنّما، كما يقول الإنجيل" أَشاروا إِلى شُرَكائِهم في السَّفينَةِ الأُخرى أَن يَأتوا ويُعاوِنوهم" (لوقا ٥، ٧). فملأوا هكذا سفينتين، لا سفينة واحدة".  

وسلّط البابا فرنسيس الضّوء من ثمّ على أنّ "الكنيسة هي سينودسيّة وشركة وتعاون متبادل ومسيرة مشتركة. على متن سفينة الكنيسة يجب أن يكون هناك مكان للجميع. فجميع المعمّدين مدعوّون إلى الصّعود إلى السّفينة وإرسال الشّباك، ملتزمين بإعلان الإنجيل. في الكنيسة نساعد بعضنا البعض وندعم بعضنا البعض، ونحن مدعوّون لنشر جوّ الأخوّة البنّاءة في الخارج أيضًا".  

أمّا النّقطة الثّالثة والأخيرة فهي أن "نصبح صيّادي بشر"، وقال البابا: "إنّ يسوع أوكل إلى تلاميذه رسالة السّير في عُرض البحر والعالم. إنّ هناك الكثير من الظّلمات في مجتمع اليوم، وأيضًا في البرتغال... إنّ الشّعور وكأنّ الحماس، والشّجاعة على الحلم، والقوّة لمواجهة التّحدّيات، والثّقة في المستقبل قد غابت كلّها؛ ونبحر في عدم اليقين، وعدم الاستقرار الاقتصاديّ، وفقر الصّداقة الاجتماعيّة وانعدام الأمل. وككنيسة، أُوكلت إلينا مهمّة أن نغوص في مياه هذا البحر ونرسل شباك الإنجيل، حاملين إلى أناس زمننا اقتراح حياة جديدة، حياة يسوع: نحمل قرب الآب إلى أوضاع يزداد فيها الفقر، خصوصًا بين الشّباب؛ نحمل محبّة المسيح حيث العائلة ضعيفة والعلاقات مجروحة؛ ونحمل فرح الرّوح حيث يسود الإحباط."

وفي الختام، شكر البابا فرنسيس الجميع "على إصغائهم، وعلى ما يقومون به، ومثالهم ومثابرتهم، موكلاً الجميع إلى العذراء مريم سيّدة فاطيما وحماية قدّيسيهم الكبار وخصوصًا القدّيس أنطونيوس، الواعظ الملهَم، وتلميذ الإنجيل المتنبّه لشرور المجتمع والممتلئ بالرّأفة إزاء الفقراء". وطلب من الجميع ألّا ينسوا أن يصلّوا من أجله.

وقبل الصّلاة، كان رئيس مجلس أساقفة البرتغال المطران جوزيه أورنيلاس كارفاليو قد وجّه كلمة رحّب فيها بالبابا فرنسيس.