الفاتيكان
18 تموز 2022, 11:10

البابا فرنسيس: ما هو النّصيب الصّالح؟

تيلي لوميار/ نورسات
تلى البابا فرنسيس ظهر الأحد من على شرفة مكتبه الخاصّ في القصر الرّسوليّ بالفاتيكان صلاة التّبشير الملائكيّ مع وفود الحجاج والمؤمنين المحتشدين في ساحة القدّيس بطرس. وقبل تلاوة الصّلاة، ألقى البابا كلمة تمحورت حول الحوار الذي دار بين الرّبّ يسوع ومريم ومرثا، جاء فيها بحسب "فاتيكان نيوز":

"إنّ اللّيتورجيا تقترح علينا هذا الأحد مقطع الإنجيل الذي يقدّم إطارًا منزليًّا، منزل مرثا ومريم، الشّقيقتين اللّتين قدّمتا الضّيافة ليسوع. إنّ مرثا انكبّت على العمل لخدمة الضّيف، فيما جلست مريم عند قدمي الرّبّ لتصغي إلى كلماته. فتوجّهت مرثا إلى المعلّم وسألته أن يطلب من مريم أن تساعدها، ولم يكن طلبها غريبًا، بل يميل القارئ إلى الاتّفاق معها. بيدّ أنّ يسوع أجاب قائلًا " مَرْثَا، مَرْثَا، أَنْتِ تَهْتَمِّينَ وَتَضْطَرِبِينَ لأَجْلِ أُمُورٍ كَثِيرَةٍ، وَلكِنَّ الْحَاجَةَ إِلَى وَاحِدٍ. فَاخْتَارَتْ مَرْيَمُ النَّصِيبَ الصَّالِحَ الَّذِي لَنْ يُنْزَعَ مِنْهَا". وقد جاء الرّدّ مفاجئًا، لكنّ يسوع يقلب نمط تفكيرنا في مرّات كثيرة. ونتساءل قائلين إنّ الرّبّ قدّر سخاء مرثا، ومع ذلك قال إنّ موقف مريم هو المفضّل.

إنّ "فلسفة" مرثا اعتبرت أنذ الواجب يأتي قبل أيّ شيء آخر، فالضّيافة في الواقع ليس عبارة عن كلمات منمّقة، إذ تتطلّب العمل في المطبخ، وفعل كل ما يلزم كي يشعر الضّيف بحسن الاستقبال. وهذا الأمر يدركه يسوع جيّدًا، وقد اعترف بالتزام مرثا. لكنّه أرادها أن تفهم أنّ هناك أولويّة جديدة، مختلفة عن تلك التي كانت تتبعها. فقد أدركت مريم أنّ هناك نصيبًا صالحًا يحلّ في المرتبة الأولى. وكلّ شيء آخر يأتي بعد ذلك، كمجرى المياه التي تتدفّق من النّبع. هكذا نتساءل نحن: ما هو هذا النّصيب الصّالح؟ الإصغاء لكلمات يسوع. يقول الإنجيل "مَرْيَم، الَّتِي جَلَسَتْ عِنْدَ قَدَمَيْ يَسُوعَ وَكَانَتْ تَسْمَعُ كَلاَمَهُ". ونرى أنّها لم تكن واقفة وتسمع كلامه فيما تقوم بأمور أخرى، بل جلست عند قدمي يسوع. فقد أدركت أنه ليس ضيفًا كسائر الضّيوف. فقد بدا أنّه جاء لينال شيئا ما، لأنّه بحاجة إلى الطّعام والسّكن، لكن في الواقع جاء المعلّم ليهبنا ذاته من خلال كلمته.

كلمة يسوع ليست مجرّدة، إنّها تعليم يلامس الحياة ويصقلها، يبدّلها ويحرّرها من ظلام الشّرّ، يغني الإنسان ويمنحه فرحًا لا يزول. كلمة يسوع هي النّصيب الصّالح الذي اختارته مريم. لهذا السّبب وضعته مريم في المقام الأوّل، فتوقّفت وأصغت إليه. وكلّ شيء آخر يأتي بعد ذلك. وهذا الأمر لا ينتقص من قيمة الالتزام في العمل، لكن هذا الالتزام يجب ألّا يأتي أوّلًا إذ لا بدّ أن يكون نابعًا من الإصغاء لكلمة يسوع، وأن يحركه روح الرّبّ. وإلّا اقتصر الأمر على الاهتمام اللّاهث بأمور كثيرة، وعلى النّشاط العقيم.

أيّها الأخوة والأخوات الأعزاء دعونا نستفيد من زمن العطلة هذا، لنتوقّف ونصغي إلى يسوع. من الصّعب اليوم أن يجد الإنسان فترات حرّة للتّأمل. فبالنّسبة للكثير من الأشخاص يسير العمل بوتيرة سريعة ومضنية. يمكن لفصل الصّيف أن يكون مناسبة ثمينة لفتح الإنجيل، وقراءته ببطء وبلا تسرّع. لندع صفحات هذا الإنجيل تحاكينا، ولنتساءل في أيّ اتّجاه تسير حياتنا، وإذا ما كانت تتماشى مع أقوال الرّبّ يسوع أم لا. دعونا نتساءل بنوع خاصّ ما إذا كنا ننغمس في أشغالنا مع بداية كلّ يوم، أم أنّنا نبحث عن الإلهام في كلمة الله؟ أحيانا نبدأ أيامنا بالعمل فورًا، علينا أن نبدأ مع كلمة الله. إذا خرجنا من بيتنا في الصّباح حاملين في ذهننا كلمة يسوع، سيُطبع النّهار بهذه الكلمة القادرة على توجيه أفعالنا بحسب مشيئة الرّبّ. وسأل في الختام العذراء مريم أن تساعدنا على اختيار النّصيب الصّالح الذي لا يُنتزع منّا أبدًا".