الفاتيكان
23 أيلول 2020, 09:30

البابا فرنسيس: ليتحمّل كلّ منّا نصيبه من المسؤوليّة للخروج من الأزمة الحاليّة

تيلي لوميار/ نورسات
دعا البابا فرنسيس المحتشدين في باحة القدّيس دامازو في الفاتيكان للاستماع إلى تعليمه الأسبوعيّ خلال المقابلة العامّة، إلى تحملّ كلّ منهم مسؤوليّتهم لأجل الخروج من الأزمة الحاليّة، فقال بحسب "فاتيكان نيوز":

"لكي نخرج بشكل أفضل من أزمة كالأزمة الحاليّة، والّتي هي في الوقت عينه أزمة صحّيّة واجتماعيّة وسياسيّة واقتصاديّة، يُدعى كلّ منّا لتحمّل نصيبه من المسؤوليّة. وبالتّالي علينا أن نجيب ليس كأفراد فقط، ولكن أيضًا بدءًا من مجموعتنا الّتي ننتمي إليها، ومن دورنا في المجتمع، ومن مبادئنا، وإذا كنّا مؤمنين، من الإيمان بالله. ولكن، وفي كثير من الأحيان، لا يمكن للعديد من الأشخاص أن يشاركوا في إعادة بناء الخير العامّ لأنّهم مهمّشون أو مستبعدون أو مُهملون؛ وبعض الفئات الاجتماعيّة لا تقدر على المساهمة في ذلك أيضًا لأنّه يتمُّ خنقها اقتصاديًّا أو سياسيًّا. في بعض المجتمعات، لا يتمتّع الكثير من الأشخاص بحرّيّة التّعبير عن إيمانهم وقيمهم. وفي أماكن أخرى، وخاصّة في العالم الغربيّ، يقوم الكثير بقمع معتقداتهم الأخلاقيّة أو الدّينيّة"، مؤكّدًا أنّه "بهذه الطّريقة لا يمكننا أن نخرج من الأزمة، أو على أيّ حال لا يمكننا أن نخرج منها بشكل أفضل.

لكي نتمكّن جميعًا من المشاركة في رعاية وتجديد شعوبنا، من الصّواب أن يمتلك كلّ فرد الموارد الكافية للقيام بذلك. بعد التّدهور الاقتصاديّ الكبير في عام 1929، شرح البابا بيوس الحادي عشر مدى أهمّيّة مبدأ التّعاضد من أجل إعادة الإعمار الحقيقيّة. وهذا المبدأ يتمتّع بديناميكيّة مزدوجة: من الأعلى إلى الأسفل ومن الأسفل إلى الأعلى. فمن جهة ولاسيّما في زمن التّغيير، عندما لا يتمكّن الأفراد أو العائلات أو الجمعيّات الصّغيرة أو الجماعات المحلّيّة من تحقيق الأهداف الأساسيّة، يصبح من العدل أن تتدخّل أعلى مستويات الجسم الاجتماعيّ، مثل الدّولة، من أجل توفير الموارد الضّروريّة للمضيّ قدمًا. على سبيل المثال، وبسبب إغلاق فيروس الكورونا، وجد العديد من الأشخاص والعائلات والنّشاطات الاقتصاديّة أنفسهم وما زالوا يواجهون مشاكل خطيرة، لذلك تحاول المؤسّسات العامّة أن تساعد من خلال تدخّلات مناسبة.

لكن من جهة أخرى يجب على المسؤولين في المجتمع أن يحترموا ويعزّزوا المستويات المتوسّطة أو الأدنى. إنَّ مساهمة الأفراد والعائلات والمنظّمات والشّركات وجميع الهيئات المتوسِّطة وحتّى الكنائس هي حاسمة. وجميع هذه الوقائع مع مواردها الثّقافيّة أو الدّينيّة أو الاقتصاديّة أو مشاركتها المدنيّة، تنشّط وتقوّي الجسم الاجتماعيّ. يجب أن تتاح لكلّ فرد الفرصة لتحمّل مسؤوليّته في عمليّات الشّفاء في المجتمع الّذي ينتمي إليه. عندما يتمّ تنشيط بعض المشاريع الّتي تتعلّق بشكل مباشر أو غير مباشر بمجموعات اجتماعيّة معيّنة، لا يمكن استبعاد هذه المجموعات من المشاركة؛ ولا يمكن تجاهل حكمتها. لسوء الحظّ، يحدث هذا الظّلم غالبًا حيثما تتركّز غالبًا المصالح الاقتصاديّة أو الجيوسياسيّة الكبرى، كبعض الأنشطة الاستخراجيّة، على سبيل المثال، في مناطق معيّنة من الكوكب. إنَّ أصوات الشّعوب الأصليّة وثقافاتهم ونظرتهم للعالم لا تؤخذ بعين الاعتبار.

لقد انتشر اليوم، عدم احترام مبدأ التّعاضد كفيروس. لنفكّر في إجراءات المساعدة الماليّة الكبيرة الّتي تقوم بها الدّول. يتمّ الإصغاء إلى الشّركات الماليّة الكبيرة أكثر من الأشخاص أو الّذين يحرِّكون الاقتصاد الحقيقيّ. يتمّ الإصغاء إلى الشّركات المتعدّدة الجنسيّات أكثر من الحركات الاجتماعيّة. فلا نسمح هكذا للأشخاص بأن يكونوا روّادًا في خلاصهم. أو لنفكّر أيضًا في كيفيّة علاج الفيروس: يتمّ الإصغاء إلى شركات الأدوية الكبرى أكثر من العاملين الصّحّيّين، الملتزمين في الصّفوف الأماميّة في المستشفيات أو في مخيّمات اللّاجئين. وهذه ليست الطّريق الصّحيحة.

لكي نخرج أفضل من أزمة ما، ينبغي أن يُطبَّق مبدأ التّعاضد في احترام استقلاليّة الجميع وقدرتهم على المبادرة، ولاسيّما الأخيرين. جميع أجزاء الجسم ضروريّة، وكما يقول القدّيس بولس، فإنّ الأجزاء الّتي قد تبدو الأضعف والأقلّ أهمّيّة هي في الواقع الأكثر ضروريّة. في ضوء هذه الصّورة، يمكننا أن نقول إنّ مبدأ التّعاضد يسمح لكلّ فرد بأن يأخذ دوره في رعاية ومصير المجتمع. وتطبيقه يمنح الرّجاء في مستقبل سليم وأكثر عدالة؛ وهذا المستقبل نبنيه معًا، بالنّظر إلى أمور أعظم، ونوسّع آفاقنا. رأينا في تعليم سابق كيف أنّ التّضامن هو السّبيل للخروج من الأزمة: فهو يوحّدنا ويسمح لنا بإيجاد مقترحات ثابتة لعالم سليم. لكن طريق التّضامن هذا يحتاج إلى التّعاضد. في الواقع، لا يوجد تضامن حقيقيّ بدون مشاركة اجتماعيّة، ودون مساهمة الهيئات الوسيطة: العائلات، الجمعيّات، التّعاونيات، الشّركات الصّغيرة، ومنظّمات المجتمع المدنيّ. تساعد هذه المشاركة على تجنّب وتصحيح بعض الجوانب السّلبيّة للعولمة وعمل الدّول، كما هو الحال أيضًا في رعاية الأشخاص المتضرّرين بسبب الوباء. وبالتّالي ينبغي تشجيع هذه المساهمات "التّصاعدية".

خلال فترة الإغلاق، ولدت بادرة التّصفيق بشكل عفويّ للأطبّاء والممرّضات كعلامة للتّشجيع والرّجاء. لنوجّه هذا التّصفيق أيضًا إلى كلّ عضو في الجسم الاجتماعيّ على مساهمته الثّمينة مهما كانت صغيرة. لنُصفّق للمسنّين والأطفال والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصّة والعاملين وجميع الّذين يضعون أنفسهم في الخدمة. ولكن لا نتوقَّفنَّ أبدًا عند التّصفيق وحسب! إنّ الرّجاء شجاع؛ ولذلك لنشجّع بعضنا البعض لكي نحلم أحلامًا كبيرة، ونسعى وراء مُثل العدالة والمحبّة الاجتماعيّة الّتي تولد من الرّجاء. لا نحاولنَّ أبدًا أن نعيد بناء الماضي، لاسيّما ذلك الماضي غير العادل والمريض؛ وإنّما لنبنِ مستقبلاً يغتني فيه البعد المحلّيّ والبعد العالميّ بشكل متبادل وحيث يمكن أن يزدهر جمال وغنى المجموعات الصّغيرة، وحيث يلتزم الّذين يملكون الكثير في خدمة الّذين يملكون القليل."