الفاتيكان
04 شباط 2022, 06:55

البابا فرنسيس: لنفتح ذراعينا للمسيح وللإخوة

تيلي لوميار/ نورسات
في عيد تقدمة الرّبّ يسوع، ترأّس البابا فرنسيس القدّاس الإلهيّ في بازيليك القدّيس بطرس، بحضور أعضاء معاهد الحياة المكرّسة وجمعيّات الحياة الرّسوليّة، داعيًا إلى طرح مجموعة من الأسئلة على الذّات، بخاصّة للحياة المكرّسة، فانطلق في عظته من انتظار الشّيخين سمعان وحنّة في الهيكل تحقيق الوعد الذي قطعه الله لشعبه: مجيء المسيح.

وتابع بحسب "فاتيكان نيوز": "لم يكن انتظارهما بلا حركة، بل كان مليئًا بالحركة. لنتبع إذًا حركات سمعان: أوّلًا، اندفع بالرّوح، ثمّ رأى الخلاص في الطّفل وأخيرًا استقبله بين ذراعَيه (راجع لوقا 2، 26-28). لنتوقّف عند هذه الحركات الثّلاث، ولنطرح على أنفسنا بعض الأسئلة المهمّة بالنّسبة لنا، ولاسّيما للحياة المكرّسة".

وفي حديثه عن السّؤال الأوّل: ما الّذي يحرّكنا؟ قال البابا فرنسيس: "أتى سمعان إلى الهيكل "بِدافِعٍ مِنَ الرُّوح" (آية 27). الرّوح القدس هو العامل الرّئيسيّ في المشهد: هو الّذي أشعل في قلب سمعان شوقه إلى الله، وهو الّذي أنعش الانتظار في نفسه، وهو الّذي دفع خطواته نحو الهيكل وجعل عينيه قادرتين على التّعرّف على المسيح، ولو ظهر أمامه طفلًا صغيرًا وفقيرًا. هذا ما يفعله الرّوح القدس: إنّه يمكّننا من أن نرى حضور الله وعمله ليس في الأمور العظيمة، في الخارج الظّاهر، وفي مظاهر القوّة، بل في الأمور الصّغيرة والهزيلة". وشدّد الأب الأقدس على ضرورة أن نطرح على أنفسنا هذا السّؤال وخاصّة المكرّسين. وواصل: "يقودنا الرّوح إلى أن نتعرّف على الله في طفل صغير هزيل، ونحن قد نفكّر في تكريسنا لله بأفكار النّتائج والأهداف والنّجاح: فنتحرّك للبحث عن المواقع والظّهور والأرقام. لكن الرّوح لا يطلب هذا. فهو يريدنا أن ننمّي فينا الأمانة اليوميّة، وأن نكون أمناء في الأشياء الصّغيرة الّتي ائتمننا عليها". وعاد البابا هنا إلى سمعان وحنّة: "ما أجمل أمانة سمعان وحنّة! أتيا كلّ يوم إلى الهيكل، وانتظرا وصلّيا كلّ يوم، حتّى لو مرّ الوقت وبدا أنّ لا شيء يحدث. انتظرا كلّ حياتهما، دون أن يُحبطا، ودون أن يتشكّيا، وبقيا أمينَين كلّ يوم، وغذّيا شعلة الرّجاء التي أشعلها الرّوح في قلبيهما.

دعا البابا فرنسيس بالتّالي إلى التّساؤل عمّا يحرّك أيّامنا؟ أيّ محبّة تدفعنا للمضيّ قدمًا؟ محبّة الرّوح القدس أم هوى اللّحظة؟ كيف نتحرّك في الكنيسة وفي المجتمع؟ وأشار في هذا السّياق إلى أنّه "في بعض الأحيان، حتّى وراء مظهر الأعمال الصّالحة، يمكن أن نخفي الدّودة النّرجسيّة أو الرّغبة في البطولة. وفي حالات أخرى، فيما تقوم بأعمال كثيرة، يبدو أنّ جماعاتنا الرّهبانيّة تتحرّك بالحريّ بقوّة التّكرار الميكانيكيّ- القيام بأمور بدافع العادة، لمجرّد القيام بها– وليس بالحماس للاتّحاد بالرّوح القدس. لنتحقّق اليوم من دوافعنا الدّاخليّة، ولنميّز الحركات الرّوحيّة، لأنّ تجديد الحياة المكرّسة يمرّ أوّلًا من هنا".

ثمّ توقّف الأب الأقدس عند السّؤال الثّاني: ماذا ترى أعيننا؟ مذكّرًا بكلمات سمعان "فقَد رَأَت عَينايَ خلاصَكَ". وقال البابا: "هذه هي معجزة الإيمان الكبرى: تفتح العينَين، وتبدّل النّظرة، وتغيّر الرّؤيّة. كما نَعلَم من لقاءات عديدة مع يسوع في الأناجيل، فإنّ الإيمان يُولَد من نظرة الرّحمة الّتي ينظر بها الله إلينا، فيبدّل قساوة قلوبنا، ويشفي جراحنا، ويعطينا عيونًا جديدة لنرى أنفسنا والعالم. عيون جديدة لنرى أنفسنا، والآخرين، وجميع المواقف الّتي نعيشها، حتّى أكثرها إيلامًا". وشدّد على أنّ هذه نظرة عيون ترى الدّاخل وتعرف كيف ترى ما هو أبعد، عيون لا تقف عند المظاهر، بل تعرف أيضًا كيف تدخل ثغرات الهشاشة والفشل لترى فيها حضور الله.

وتعمّق البابا فرنسيس في هذا التّساؤل فقال "ولكن نحن، الجماعة المسيحيّة، الرّاهبات والرّهبان، ماذا نرى؟  وتابع: "هل ننظر إلى الوراء، ونحِنّ إلى ما لم يعد موجودًا أم أنّنا قادرون على نظرة إيمان بعيدة؟". ثمّ تحدث عن أنّ الله لا يكفّ عن أن يعطينا إشارات تدعونا إلى تنمية رؤية متجدّدة للحياة المكرّسة. وأضاف: "لا يمكننا أن نتظاهر بعدم رؤيتها ونستمرّ كما لو أنّ شيئًا لم يحدث، فنكرّر الأشياء المعتادة، ونجرّ أنفسنا في الخمول وفي طرق الماضي، مشلولين بخوف التّغيير". وحثّ البابا على فتح عيوننا أمام الأزمات، وأعداد المكرّسين الآخذة بالنّقصان، والعزيمة الّتي قلّت، الرّوح يدعونا إلى أن نجدّد حياتنا وجماعاتنا.

ثمّ تأمّل في السّؤال الثّالث: ماذا نحمل بين ذراعينا؟ وتابع: "استقبل سمعان يسوع بين ذراعيه (راجع الآية 28). إنّه مشهدٌ لطيف وهادف وفريد من نوعه في الأناجيل. وضع الله ابنه بين ذراعينا لأنّ استقبال يسوع هو الجوهر، هو محور الإيمان. أحيانًا نوشك أن نَضِيعَ ونتشتّت في ألف شيء وشيء، أو نركّز على جوانب ثانويّة، أو نُغرِق أنفسنا في أمور يجب القيام بها، لكن محور كلّ شيء هو المسيح، الّذي علينا أن نستقبله ربًّا لحياتنا". وذكَّر بأنّ سمعان عندما أخذ يسوع بين ذراعيه، نطقت شفتاه بكلمات البركة والحمد والدّهشة. وتابع البابا: "إن كان المكرّسون يفتقرون إلى الكلمات الّتي تبارك الله والآخرين، وغاب عنهم الفرح، وقلّ حماسهم، وصارت الحياة الأخويّة تعبًا فقط، ليس هذا لأنّنا ضحايا لأحدٍ ما أو لشيءٍ ما، بل لأنّ ذراعينا لم تعد تحمل يسوع. حينها ينغلق القلب بالمرارة... أمّا إن استقبلنا المسيح بأذرع مفتوحة، فسنستقبل أيضًا الآخرين بثقة وتواضع. عند ذلك لن تتفاقم الخلافات، ولن تفرّقنا المسافات، وتزول تجربة المراوغة والإساءة إلى كرامة أخت أو أخ. لنفتح ذراعينا للمسيح وللإخوة".