الفاتيكان
03 كانون الأول 2020, 13:30

البابا فرنسيس: لمشاركة ذوي الاحتياجات الخاصّة الفعّالة في المجتمع المدنيّ والكنسيّ

تيلي لوميار/ نورسات
"إنَّ الضّعف ينتمي إلى جوهر الإنسان. لذلك من المهمّ، خاصّة في هذا اليوم، تعزيز ثقافة الحياة الّتي تؤكّد باستمرار على كرامة كلّ شخص، ولاسيّما في الدّفاع عن الرّجال والنّساء ذوي الاحتياجات الخاصّة، من جميع الأعمار والأوضاع الاجتماعيّة". هذا ما دعا إليه البابا فرنسيس في رسالته الخاصّة باليوم العالميّ للأشخاص ذوي الاجتياجات الخاصّة، إذ كتب في سطورها بحسب "فاتيكان نيوز":

"إنّ الاحتفال باليوم العالميّ للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصّة هو فرصة هذا العام للتّعبير عن قربي من جميع الّذين يعانون من أوضاع صعبة بشكل خاصّ في هذه الأزمة الّتي يسبّبها الوباء. جميعنا في القارب عينه وسط بحر هائج يمكنه أن يخيفنا؛ لكن في هذا القارب يتعب البعض أكثر من غيرهم، ومن بين هؤلاء الأشخاص هناك الأشخاص الّذي يعانون من إعاقات خطيرة. إنَّ موضوع هذا العام هو "إعادة البناء بشكل أفضل: نحو عالم ما بعد فيروس الكورونا يشمل الإعاقة، في متناول الجميع ومستدام". لقد أثّرت فيَّ عبارة "إعادة البناء بشكل أفضل"، هي تذكّرنا بمثل الإنجيل عن البيت المبنيّ على الصّخر أو الرّمل. لذلك أغتنم هذه الفرصة الثّمينة لمشاركة بعض الأفكار، انطلاقًا من هذا المثل.

في المقام الأوّل، يمكننا أن نعرِّف "المطر" و"الأنهار" و"الرّياح" الّتي تهدّد البيت بثقافة الإقصاء المنتشرة في عصرنا. بالنّسبة لها، تبدو بعض أجزاء من البشريّة قابلة للتّضحية لصالح مجموعة مختارة تشجّع قطاعًا بشريًّا يستحقّ العيش بلا حدود. في الواقع، لم يعد يُنظر إلى الأشخاص كقيمة أساسيّة ينبغي احترامها وحمايتها، ولاسيّما إذا كانوا فقراء أو معاقين. تؤثّر هذه الثّقافة بشكل خاصّ على الفئات الأكثر هشاشة، بما في ذلك الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصّة. خلال السّنوات الخمسين الماضية، تمّ القيام بخطوات مهمّة، على مستوى المؤسّسات المدنيّة والواقع الكنسيّ فنما الوعي بكرامة كلّ شخص، وقد أدّى ذلك إلى اتّخاذ خيارات شجاعة من أجل إدماج الّذين يعانون من قيود جسديّة أو/ ونفسيّة. ومع ذلك، وعلى الصّعيد الثّقافي، لا يزال هناك الكثير من التّعابير الّتي تتعارض في الواقع مع هذا التّوجّه. هناك مواقف من الرّفض الّتي وبسبب العقليّة النّرجسيّة والنّفعيّة تؤدّي أيضًا إلى التّهميش، دون أن تأخذ بعين الاعتبار أنّ الهشاشة هي حتمًا للجميع. في الواقع، هناك أشخاص يعانون من إعاقات خطيرة، ولكنّهم، بالرّغم من الصّعوبة، وجدوا الطّريق إلى حياة جيّدة ومفعمة بالمعاني، فيما يوجد العديد من الأشخاص "الأصحّاء البنية"، الّذين هم مع ذلك غير راضين، أو يائسين في بعض الأحيان. إنَّ الضّعف ينتمي إلى جوهر الإنسان. لذلك من المهمّ، خاصّة في هذا اليوم، تعزيز ثقافة الحياة الّتي تؤكّد باستمرار على كرامة كلّ شخص، ولاسيّما في الدّفاع عن الرّجال والنّساء ذوي الاحتياجات الخاصّة، من جميع الأعمار والأوضاع الاجتماعيّة.

لقد سلّط الوباء الّذي نعيشه المزيد من الضّوء على التّفاوتات وعدم المساواة الّتي تميّز عصرنا، ولاسيّما على حساب الأشدَّ ضعفًا. والفيروس، الّذي لا يميّز بين الأشخاص، قد وجد في مساره المدمّر، تفاوتات كبيرة وتمييزًا. وزادها! لذلك، فالإدماج هو أوّل "صخرة" نبني عليها بيتنا. حتّى لو أسيء استخدام هذا المصطلح في بعض الأحيان، يبقى المثل الإنجيليّ للسّامريّ الصّالح آنيًّا على الدّوام. في الواقع، غالبًا ما نصادف على دروب الحياة شخصًا جريحًا يحمل أحيانًا سمات الإعاقة والهشاشة. إنّ إدماج أو إقصاء الّذين يعانون على طول الطّريق يحدّد جميع المشاريع الاقتصاديّة والسّياسيّة والاجتماعيّة والدّينيّة. ونحن نجد أنفسنا يوميًّا أمام خيار أن نكون سامريّين صالحين أو عابري طريق غير مبالين يمرّون على مسافة من الآخرين.

على الإدماج أن يكون "الصّخرة" الّتي تُبنى عليها برامج ومبادرات المؤسّسات المدنيّة لكي لا يتمَّ استبعاد أحد، ولاسيّما الّذين يعيشون في صعوبات. إنَّ قوة السّلسلة تعتمد على الرّعاية الّتي نقدّمها للحلقات الأضعف. أمّا فيما يتعلّق بالمؤسّسات الكنسيّة، فأعيد التّأكيد على الحاجة إلى توفير أدوات مناسبة وفي متناول الجميع من أجل نقل الإيمان. آمل أيضًا أن يتمّ توفيرها للّذين يحتاجون إليها مجّانًا قدر الإمكان، كذلك من خلال التّقنيّات الجديدة، الّتي أثبتت أهمّيّتها للجميع في فترة الوباء هذه. وبالطّريقة عينها أشجّع أن يحصل الكهنة والإكليريكيّين والمكرّسين وأساتذة التّعليم المسيحيّ والعاملين الرّاعويّين، على تنشئة عاديّة في العلاقة مع الإعاقة وفي استخدام أدوات راعويّة إدماجيّة. ولتلتزم الجماعات الرّاعويّة بجعل المؤمنين ينمون في أسلوب قبول الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصّة. إنّ إنشاء رعيّة تكون في متناول الجميع لا يتطلّب إزالة الحواجز المعماريّة فحسب، بل يتطلّب بشكل خاصّ مواقف وأعمال تضامن وخدمة من جانب أبناء الرّعيّة تجاه الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصّة وعائلاتهم. والهدف هو أن نصل من الحديث عن "هم" إلى الحديث عن "نحن" فقط.

لكي نعيد بناء مجتمعنا بشكل أفضل يجب أن يشمل إدماج الأشخاص الأكثر هشاشة أيضًا تعزيز مشاركتهم النّاشطة. وبالتّالي أعيد التّأكيد بقوّة على حقّ الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصّة في الحصول على الأسرار مثل جميع أعضاء الكنيسة الآخرين. يجب أن تكون جميع احتفالات الرّعيّة اللّيتورجيّة متاحة لكي يتسنّى لكلّ فرد، مع الإخوة والأخوات، أن يعمّق إيمانه ويحتفل به ويعيشه. كذلك يجب إيلاء اهتمام خاصّ للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصّة الّذين لم ينالوا بعد أسرار التّنشئة المسيحيّة: يمكن قبولهم وإدماجهم في مسيرة تعليم مسيحيّ استعدادًا لهذه الأسرار، والنّعمة الّتي تحملها هذه الأسرار لا يمكن لأحد أن يعيقها أو يعرقلها.

بفضل المعموديّة الّتي نلناها، أصبح كلّ فرد من شعب الله تلميذًا مرسلاً. كلّ معمَّد، مهما كانت وظيفته في الكنيسة ودرجة تعليم إيمانه، هو رائد فعّال للبشارة. لذلك، يطلب ذوو الاحتياجات الخاصّة أيضًا، في المجتمع والكنيسة، أن يصبحوا روّادًا فاعلين للعمل الرّاعويّ وليس فقط مجرّد متلقّين. يشعر العديد من الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصّة بأنّهم موجودون دون انتماء ودون مشاركة. إذ لا يزال هناك العديد من الأشياء الّتي تمنعهم من الحصول على الجنسيّة الكاملة. وبالتّالي فالهدف ليس فقط مساعدتهم، وإنّما مشاركتهم الفعّالة في المجتمع المدنيّ والكنسيّ. إنّها مسيرة متطلّبة وشاقّة أيضًا، وستساهم أكثر فأكثر في تنشئة ضمائر قادرة على التّعرّف على كلّ فرد على أنّه شخص فريد لا يتكرّر. في الواقع، إنّ المشاركة الفعّالة في التّعليم المسيحيّ للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصّة تشكّل ثروة كبيرة لحياة الرّعيّة بأسرها. فإذ طُعِّموا بالمسيح في المعموديّة، هم يشاركون معه، في حالتهم الخاصّة، في الخدمة الكهنوتيّة والنّبويّة والملكيّة، مبشِّرين في الكنيسة ومعها.

ذلك، فإنّ وجود الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصّة بين أساتذة التّعليم المسيحيّ، وفقًا لقدراتهم الخاصّة، يمثّل موردًا للجماعة. بهذا المعنى، يجب تشجيع تنشئتهم، لكي يتمكّنوا من الحصول على تحضير أكثر تقدّمًا أيضًا في المجالات اللّاهوتيّة والتعّليميّة. آمل أن يصبح الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصّة في الجماعات الرّاعويّة أساتذة للتّعليم المسيحيّ، لكي ينقلوا الإيمان بشكل فعّال، حتّى من خلال شهادتهم الخاصّة. إنّ ما هو أسوأ من هذه الأزمة هو فقط مأساة عدم الاستفادة منها. لهذا أشجّع الّذين يبذلون ذواتهم، يوميًّا وغالبًا في الصّمت، لصالح حالات الهشاشة والإعاقة. لتؤدّي الرّغبة المشتركة في "إعادة البناء بشكل أفضل" إلى خلق تآزر بين المنظّمات المدنيّة والكنسيّة، من أجل بناء "بيت" ثابت في مواجهة جميع الظّروف المناخيّة، وقادر على استقبال الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصّة، لأنّه مبنيّ على صخرة الإدماج والمشاركة الفعّالة."