البابا فرنسيس للعاملين الصّحّيّين في إيطاليا: لقد كنتم أحد الأعمدة الأساسيّة للبلد بأسره
"خلال هذه الأشهر المُقلقة اجتهدت مختلف وقائع المجتمع الإيطاليّ لتواجه حالة الطّوارئ الصّحّيّة بسخاء والتزام. أفكّر بالمؤسّسات الوطنيّة والإقليميّة، بالبلديّات والأبرشيّات والجماعات الرّعائيّة والرّهبانيّة، والعديد من جمعيّات المتطوّعين. لقد شعرنا أكثر من أيّ وقت مضى بالامتنان للأطبّاء والممرّضين وجميع العاملين الصّحّيّين الّذين كانوا يقومون في الصّفوف الأولى بخدمة صعبة وبطوليّة. لقد كانوا العلامة المرئيّة لإنسانيّة تدفئ القلب. كثيرون منهم قد سقطوا في الميدان خلال ممارستهم لمهنتهم وبالتّالي نذكرهم في الصّلاة بامتنان كبير.
في دوّامة وباء لها آثار مروّعة وغير متوقّعة، شكّل الحضور الأمين والسّخيّ للموظّفين الطّبّيّين النّقطة المرجعيّة الآمنة، أوّلاً للمرضى، لكن وبطريقة خاصّة جدًّا لأفراد عائلاتهم، الّذين لم يكن لديهم الإمكانيّة لزيارة أحبّائهم. وهكذا وجدوا فيكم أنتم، أيّها العاملون الصّحّيّون، أفراد عائلة إضافيّين، قادرين على أن يجمعوا بين الكفاءة المهنيّة والاهتمام الّذي يشكّل تعبير محبّة ملموس. لقد شعر المرضى غالبًا بحضور "ملائكة" إلى جانبهم ساعدوهم لكي يستعيدوا صحّتهم وفي الوقت عينه عزّوهم وعضدوهم وأحيانًا أيضًا رافقوهم إلى عتبة اللّقاء الأخير مع الرّب. هؤلاء العاملين الصّحّيّين، وإذ تعضدهم عناية مرشدي المستشفيات، قد قدّموا شهادة لقرب الله من المتألّمين، وكانوا الصّانعين الصّامتين لثقافة القرب والحنان.
أيّها الأطبّاء والممرّضون الأعزّاء، لقد تمكّن العالم من رؤية الخير الّذي قمتم به في حالة المحنة الكبيرة. وبالرّغم من التّعب ثابرتم في التزامكم بمهنيّة وتفانٍ وهذا الأمر يولّد الرّجاء. لقد كنتم أحد الأعمدة الأساسيّة للبلد بأسره؛ وإليكم أنتم الحاضرون هنا وإلى زملائكم في إيطاليا يتوّجه تقديري وشكري الصّادق، عالمًا أنّ هذه هي أيضًا مشاعر الجميع تجاهكم. والآن حان الوقت لكي نغتني من هذه الطّاقة الإيجابيّة الّتي تمّ توظيفها. إنّه غنى ذهب جزئيًّا بالطّبع في مأساة حالة الطّوارئ ولكن يمكن وينبغي لجزء منه أن يحمل ثمارًا لحاضر ومستقبل المجتمع في لومبارديا وإيطاليا.
إنّ الوباء قد طبع بعمق حياة الأشخاص وتاريخ الجماعة، ولكي نكرّم آلام المرضى والعديد من الّذين توفّوا ولاسيّما المسنّين منهم الّذين لا يجب أن ننسى خبرة حياتهم يجب علينا أن نبني المستقبل: وهذا الأمر يتطلّب التزام وقوّة وتفاني الجميع. ولذلك علينا أن ننطلق مجدّدًا من الشّهادات العديدة للمحبّة السّخيّة والمجّانيّة الّتي تركت في الضّمائر ونسيج المجتمع بصمة لا تُمحى، وعلّمتنا مدى حاجتنا للقرب والعناية والتّضحية لكي نغذّي الأخوّة والتّعايش المدنيّ. بهذه الطّريقة يمكننا أن نخرج من هذه الأزمة أقوى على الصّعيد الرّوحيّ والأخلاقيّ؛ وهذا الأمر يتعلّق بضمير ومسؤوليّة كلِّ فرد منّا، ولكن لا يمكننا أن نخرج وحدنا وإنّما معًا وبفضل نعمة الله.
من واجبنا كمؤمنين أن نشهد أنّ الله لا يتركنا، ولكنّه بالمسيح يعطي المعنى لهذا الواقع ولمحدوديّتنا وأنّه بمساعدته يمكننا أن نواجه أقسى المحن. إنّ الله قد خلقنا من أجل الشّركة والأخوّة واليوم أكثر من أيّ وقت مضى ثبت أنّ الادّعاء بتركيز كلّ شيء على ذواتنا وجعل الفردانيّة المبدأ التّوجيهيّ للمجتمع، هو مجرّد وهم. لكن علينا أن نتنبّه لأنّه من السّهل جدًّا أن نسقط مجدّدًا في هذا الوهم مع انتهاء حالة الطّوارئ هذه. من السّهل أن ننسى بسرعة أنَّنا بحاجة للآخرين ولشخص يعتني بنا ويمنحنا الشّجاعة؛ وأن ننسى أنّنا جميعًا بحاجة لأب يمدُّ لنا يده وأنّ صلاتنا له وطلب مساعدته ليسا وهمًا وإنّما الوهم هو أن نفكّر في انّه بإمكاننا أن نستغني عنه! إنّ الصّلاة هي روح الرّجاء.
خلال هذه الأشهر لم يتمكّن الأشخاص من المشاركة حاضرين في الاحتفالات اللّيتورجيّة، ولكنّهم لم ينفكّوا أبدًا عن الشّعور بأنّهم جماعة. لقد صلّوا بشكل فرديّ أو في العائلة وعبر وسائل التّواصل الاجتماعيّ أيضًا متّحدين روحيًّا ومختبرين أنَّ عناق الرّبّ يذهب أبعد من حدود المكان. كذلك ساعد الحماس الرّاعويّ والعناية المبدعة للكهنة على مساعدة الأشخاص على المضيّ في مسيرة الإيمان وعلى عدم البقاء وحدهم إزاء الألم والخوف. لقد أعجبت بالرّوح الرّسوليّ للعديد من الكهنة، الّذين بقوا بجانب شعبهم في المشاركة اليوميّة: لقد كانوا العلامة لحضور الله المعزّي، لكن ولسوء الحظّ، توفّي عدد كبير منهم. هناك بينكم أيضًا بعض الكهنة الّذين أُصيبوا ولكنّهم قد شُفوا بنعمة الله. وبالتّالي أشكر من خلالكم الإكليروس الإيطاليّ بأسره، الّذي قدّم دليل شجاعة ومحبّة للناس.
أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء أجدّد لكلّ فرد منكم ولجميع الّذين تمثّلونهم تقديري على كلّ ما فعلتموه في هذا الوضع المتعب والمعقّد. لترافقكم العذراء مريم، الّتي تكرّمونها في العديد من الكنائس والمزارات في أرضكم، ولتعضدكم على الدّوام بحمايتها الوالديّة. من جهتي أتابع صلاتي من أجلكم ومن أجل جماعاتكم وأمنحكم بركة رسوليّة خاصّة وأسألكم من فضلكم ألّا تنسوا أن تصلّوا من أجلي".