البابا فرنسيس: للابتعاد عن الأوثان الزّائفة
وخلال مقابلته العامة المعتادة مع المؤمنين في قاعة البابا بولس السّادس بالفاتيكان، شدّد البابا فرنسيس على ضرورة أن يوضع هذا الرّجاء في ما يمكن أن يساعد الإنسان على العيش فعلا ويعطي معنى لوجوده. ولهذا السبب يحذرنا الكتاب المقدس من الرجاء المزيّف الذي يقدمه لنا هذا العالم، ويميط اللثام عن عدم جدواه. وأكد البابا فرنسيس أن الكتاب المقدس يفعل هذا بوسائل مختلفة لاسيما من خلال التنديد بالأوثان المزيّفة حيث يواجه الإنسان تجربة وضع ثقته بها، ويجعلها هدفًا لرجائه.
هذا ولفت البابا إلى أن الأنبياء والحكماء أصرّوا على هذا الأمر، ولمسوا الوتر الحساس في مسيرة إيمان المؤمن لأن الإيمان يعني الثقة بالله. بيد أن المؤمن يمكن أن يعيش في حياته مراحل من الصعوبة والهشاشة وقد تحتاج ثقته إلى التمسك بأمور حسيّة وملموسة. ويواجه أيضا تجربة البحث عن التعازي التي يمكن أن تملأ فراغ الوحدة وتخفّف من تعب الإيمان. ويعتقد المرء أنه يستطيع أن يضع ثقته بالمال والتحالف مع الأقوياء وفي الأمور الدنيوية والأيديولوجيات الزائفة. وأحيانا يفتش عن إله يمكنه أن يلبي مطالبنا ويتدخل بشكل سحري لتغيير الواقع ليتماشى مع رغباتنا. وأكد البابا أن الإنسان قد يكون متعلقا جدا بالأوثان: وهو غالبا ما يشتري آمالا زائفة، ولا يثق تماما برجاء المجانية، هذا الرجاء الذي حمله لنا الرّب يسوع المسيح الذي قدّم حياته من أجلنا.
وأشار البابا إلى مزمور مفعم بالحكمة الذي يسلّط الضّوء على هذه الأوثان أو الأصنام التي يقدّمها العالم لرجائنا والتي يمكن أن يضع أناس كل زمان ثقتهم فيها، وهو المزمور الـ115 القائل: أَوثانُهم فِضَّةٌ وذَهَب صُنعُ أَيدي البَشَر، لَها أَفْواهٌ ولا تَتَكلَم لَها عُيونٌ ولا تُبصِر، لَها آذانٌ ولا تَسمعَ لَها أُنوفٌ ولا تَشُمّ، لَها أَيدٍ ولا تَلمُس لَها أَرجُلٌ ولا تَمشي ولا بِحَناجِرِها تتَمتِم، مِثلها بَصيرُ صانِعوها وجَميعُ المُتَّكِلينَ علَيها (مزمور 115، 4-8).
وأوضح البابا أن صاحب المزامير يقدم لنا صورة عن واقع هذه الأوثان والتي لا تقتصر على التماثيل المعدنية أو تلك المصنوعة من مواد أخرى، لأن هناك نوعا آخر من الأوثان التي هي من صنع عقلنا ومخيلتنا، وهذا يحصل أيضا عندما نحجّم الله ليتلاءم مع معاييرنا وأفكارنا، ونجعله إلها يشبهنا، نفهمه شأن الأوثان التي يتحدث عنها المزمور. إن الإنسان الذي هو على صورة الله قام بصنع إله على صورته، وهي الأوثان التي لا تسمع ولا تتصرف ولا تتكلم. وقال البابا إن الإنسان يُسر أحيانا باللجوء إلى الأوثان عوضا عن اللجوء إلى الرّب، ويُسر بالرجاء الزائف الذي تعطيه هذه الأصنام عوضا عن الرجاء الذي يعطيه الرّب.
وأكد البابا أن ثمة أوثانًا يضحي من أجلها الإنسان اليوم وهي تضلّل العقل والقلب وتقود إلى الموت وهي الأيديولوجيات والغنى والسّلطة والنّجاح والجمال الجسدي والصّحة. ولفت فرنسيس إلى أن المزمور الـ115 يوجّه رسالة واضحة مفادها أن من يضع ثقته بالأوثان يصبح مثلها: تماثيل فارغة لا تلمس، وأرجل لا تمشي، وأفواه لا تقوى على الكلام. وهكذا يصبح هذا الإنسان عاجزا عن الكلام وتغيير الأمور والابتسامة، ووهب الذات والحب. وأشار البابا إلى أن رجال الكنيسة ليسوا محصنين من هذا الأمر مذكرا بأنهم مدعوون إلى البقاء في العالم لكن ينبغي أن يحموا أنفسهم من أوهام هذا العالم.
وأضاف البابا أن المزمور المذكور يدعونا إلى وضع الثقة والرجاء بالله وهو يمنح بركاته ويقول: "يا بَيتَ إِسْرائيلَ اتَّكِلوا على الرّب ... يا بَيتَ هارونَ اْتَكِلوا على الرّب ... أَيُّها المُتقون لِلرَّب اِتّكِلوا على الرّب .... الرّب ذَكَرَنا ويُبارِكُنا" (مزمور 115، 9-12). ولفت فرنسيس إلى أن الله يتذكرنا دائما، حتى في الأوقات العصيبة. وهذا هو رجاؤنا، الرجاء الذي لا يخيّب أبدا. فالأوثان تخيّب دائما لأنها مجرد أوهام وبعيدة كل البعد عن الواقع.
وختم البابا فرنسيس تعليمه الأسبوعي موضحًا أن الإتكال على الرّب يجعلنا مثله، لأن بركاته تجعلنا أبناء له يقاسمون حياته. إن الرجاء يجعلنا ندخل، إذا صح التعبير، في دائرة عمل ذكراه إذ يباركنا ويخلصنا. وهكذا ينبع الـ"هللويا"، التسبيح لله الحي والحقيقي الذي وُلد لنا من مريم ومات على الصّليب وقام بالمجد.