البابا فرنسيس: لكي ندخل قلب يسوع علينا أن نشعر بالحاجة للشّفاء وأن نثق به
"يقدّم لنا إنجيل اليوم آيتين صنعهما يسوع ويصفهما كمسيرة انتصار نحو الحياة. يُخبر الإنجيليّ أولاً عن رجل اسمه يائيرس، أحد رؤساء المجمع، جاء إلى يسوع يتوسّله بأن يذهب إلى بيته لأنَّ ابنته البالغة من العمر اثنَتَي عَشْرَةَ سَنَة كانت مشرفة على الموت. قبِل يسوع وذهب معه، ولكن فيما كانا لا يزالان في الطّريق بلغهما خبر موتها. يمكننا أن نتخيّل ردّة فعل ذلك الأب، لكنَّ يسوع قال له: "لا تَخَفْ، آمِنْ فحَسبُ". ولما وصلوا إلى بيت يائيرس، أخرج يسوع النّاس ودخل الغرفة مع الوالدين وثلاثة تلاميذ وإذ توجّه إلى الميتة قال لها: "يا صَبِيَّة أَقولُ لكِ: قومي!". وللحال قامت الصّبيّة كمن يستيقظ من سبات عميق.
وداخل رواية هذه الأعجوبة يُدخل مرقس أعجوبة أخرى: شفاء امرأة نازفة شُفيت بمجرَّد لمسها لرداء يسوع. وهنا يهزُّنا واقع أنَّ إيمان هذه المرأة يجذب القوّة الإلهيّة المخلِّصة الموجودة في المسيح، الذي وإذ شعر بأن قوّة خرج منه حاول أن يفهم من لمسه. وعندما تقدّمت المرأة بخجل واعتَرفَت بالحَقيقَةِ كُلِّها. قالَ لها: "يا ابنَتي، إِيمانُكِ أَبرَأَكِ".
إنّهما روايتان ذات محور واحد: الإيمان؛ وتُظهران يسوع كينبوع حياة وكالذي يعطي الحياة مجدّدًا للذي يثق به بالكامل. إنَّ الشخصيّتين الأساسيّتين أيّ أب الصّبيّة والمرأة المريضة ليسا تلميذَين ليسوع ولكنَّها استُجيبا لإيمانهما. من هنا نفهم أنّ الجميع يُقبلون على درب الرّبّ: فلا يجب لأحد أن يشعر بأنّه دخيل أو أنّ لا حقَّ له. ولكي ندخل إلى قلب يسوع هناك مُتطلِّب واحد: أن نشعر بأنّنا بحاجة للشّفاء ونثق به. ويسوع يذهب بين الجمع ليرى من هم هؤلاء الأشخاص ويسحبهم من حالة المجهول ويحرّرهم من الخوف من العيش والمجازفة، وذلك بواسطة نظرة وكلمة تعيدانهم مجدّدًا إلى المسيرة بعد الكثير من الآلام والإهانات.
نحن أيضًا مدعوّون لنتعلّم هذه الكلمات التي تحرّر وهذه النّظرات التي تعيد الرّغبة في الحياة لمن حُرم منها.
يتداخل في نصّ الإنجيل هذا موضوع الإيمان، وموضوع الحياة الجديدة، التي جاء المسيح ليقدّمها للجميع. وإذ دخل البيت حيث كانت الصّبيّة أخرج الذين كانوا يبكون ويعولون؛ وقال: "لم تَمُتِ الصَّبِيَّة، وإِنَّما هيَ نائمة". يسوع هو الرّبّ، وأمامه يكون الموت الجسديّ كالنّوم وبالتّالي فلا دافع لكي نيأس. هناك موت آخر علينا أن نخاف منه، وهو موت القلب الذي قسّاه الشّرّ! ولكنَّ الخطيئة أيضًا بالنّسبة ليسوع لا تملك الكلمة الأخيرة أبدًا لأنّه قد حمل لنا رحمة الآب اللّامتناهية. وحتّى إن سقطنا إلى أسفل يبلغنا صوته الحنون والقويّ القائل: " أَقولُ لك: قُمّ!". وما أجمل أن نسمع كلمات يسوع هذه موجّهة لنا: " أَقولُ لك: قُمّ!".
ولنطلب من العذراء مريم أن ترافق مسيرة إيماننا ومحبّتنا الملموسة، ولاسيّما نحو المعوزين. ولنتوسّل شفاعتها الوالديّة لإخوتنا الذين يتألّمون في الجسد والرّوح."