الفاتيكان
17 تشرين الثاني 2021, 06:00

البابا فرنسيس: لقد حان الوقت لبيت مشترك مؤلّف من شعوب متآخية

تيلي لوميار/ نورسات
هذا ما شدّد عليه البابا فرنسيس في رسالة افتتاحيّة وجّهها لمناسبة الذّكرى السّنوية الأربعين على تأسيس مركز "أستالي" وافتتاح معرض "Volti al futuro"، جاء فيها بحسب "فاتيكان نيوز":

"إنَّ رقم أربعين في الكتاب المقدّس، هو رقم مهمّ يذكّر بالعديد من الأمور، لكنّني إذ أفكّر فيكم بالتّأكيد يبادر إلى ذهني شعب إسرائيل الّذي سار لمّدة 40 عامًا في الصّحراء، قبل أن يدخل أرض الميعاد. بعد التّحرّر من العبوديّة، استغرقه الأمر جيلاً لكي يؤسّس نفسه كشعب، مع العديد من الصّعوبات. حتّى السّنوات الأربعين الأخيرة من تاريخ البشريّة لم تكن تقدّمًا خطّيًّا: إنَّ عدد الأشخاص الّذين أجبروا على الهرب من أراضيهم يستمرُّ في النّموّ.

لقد اضطرّ الكثير منكم إلى الهروب من ظروف معيشيّة شبيهة بظروف العبوديّة نجد في أساسها مفهومًا للشّخص البشريّ المحروم من كرامته والّذي تتمّ معاملته كشيء. تعرفون كيف يمكن أن تكون الحرب رهيبة وحقيرة، وتعرفون ما يعنيه العيش بدون حرّيّة وحقوق، وتقفون عاجزين بينما تجفّ أرضكم، وتتلوّث مياهكم وليس لديكم خيارًا آخرًا سوى أن تنطلقوا في مسيرة إلى مكان آمن تحقّقون فيه الأحلام والتّطلّعات الّتي توظّفون فيها المواهب والقدرات. لسوء الحظّ، لم يشكّل الانطلاق في مسيرة في كثير من الحالات تحرّرًا حقيقيًّا، فغالبًا ما تصطدمون بصحراء بشريّة، ولا مبالاة أصبحت عالميّة وتُجفّف العلاقات بين البشر.

خلال العقود الأخيرة، أظهر التّاريخ بوادر عودة إلى الماضي: اشتعلت الصّراعات مجدّدًا في أجزاء مختلفة من العالم (وأصولكم تخبرنا عن ذلك جيّدًا)، وعادت القوميّات والشّعبويّة للظّهور في خطوط العرض المختلفة، وبدا بناء الجدران وعودة المهاجرين إلى أماكن غير آمنة الحلّ الوحيد بالنّسبة للحكومات لإدارة التّنقّل البشريّ. ومع ذلك، في هذه السّنوات الأربعين وفي هذه الصّحراء، كان هناك العديد من علامات الرّجاء الّتي تسمح لنا أن نحلم بالسّير معًا كشعب جديد "نحو نحن أكثر شموليّة". أنتم، أوّلاً، أيّها اللّاجئون، علامة ووجه لهذا الرّجاء. وتحملون في داخلكم التّوق إلى حياة كاملة وسعيدة تعضدكم لكي تواجهوا بشجاعة الظّروف الملموسة والصّعوبات الّتي قد تبدو مستعصية لكثيرين. وبالتّالي عندما تُعطى لكم الفرصة، أنتم تقدّمون لنا كلمات أساسيّة لكي نعرف ونفهم فلا نكرّر أخطاء الماضي ونغيّر الحاضر ونبني مستقبل سلام.

تشكّل أيضًا علامة لهذا الرّجاء عينه قصص العديد من النّساء والرّجال ذوي الإرادة الصّالحة الّذين منحوا في هذه السّنوات الأربعين الوقت والطّاقة لمركز أستالي: آلاف الأشخاص المختلفين عن بعضهم البعض ولكنّهم متّحدون بالرّغبة في عالم أكثر عدالة تكون فيه الكرامة والحقوق للجميع حقًّا. وكما ذكرت في الرّسالة العامّة "Fratelli Tutti": إنَّ قصّة السّامريّ الصّالح تتكرّر؛ لأنّ يسوع لا يقدّم طرقًا بديلة... هو يثق في أفضل جزء من الرّوح البشريّة وفي هذا المثل يشجّعها لكي تتبع الحبّ وتستعيد المتألِّم وتبني مجتمعًا يليق بهذا الاسم. هذا هو النّظر إلى المستقبل بثقة، والحلم بالقدرة على العيش معًا كشعب حرّ لأنّه متضامن، يعرف كيف يكتشف مجدّدًا بعد الحرّيّة الجماعيّ، كشعب موحّد غير متطابق، ومتنوّع في غنى الثّقافات المختلفة. لقد حان الوقت الآن لنعيش نحن أيضًا في أرض الميعاد، أرض التّضامن الّتي تضعنا في خدمة بعضنا البعض، لقد حان الوقت لبيت مشترك مؤلّف من شعوب متآخية.

تعبّر وجوه النّساء والرّجال الّذين تتتابع في هذا المعرض، والّتي تشير إلى أسماء وقصص دقيقة لأشخاص تمّ استقبالهم في مركز أستالي ويظهرون لمحة عن الخطوط العريضة غير الواضحة لبعض الأماكن في مدينة روما، والرّغبة في أن يكونوا جزءًا نشطًا في المدن كمكان للحياة المشتركة؛ روّاد يتمتّعون بمواطنة كاملة مع العديد من الرّجال والنّساء الآخرين في بناء جماعات متضامنة. إنّ الأمنية الصّادقة في هذه الذّكرى هي أن تتحقّق "ثقافة اللّقاء" حقًّا، وأن تشغفنا كشعب الرّغبة في اللّقاء، والبحث عن نقاط الاتّصال، وبناء الجسور، والتّخطيط لشيء يشمل الجميع. ليصبح هذا الأمر طموحًا وأسلوبًا للحياة كما ذكرت في الرّسالة العامّة "Fratelli Tutti". وستكون هذه أرض الميعاد للجميع. ليسهر الأب أروبيه عليكم جميعًا وعلى مركز أستالي وعلى الهيئة اليسوعيّة لخدمة اللّاجئين."