الفاتيكان
05 نيسان 2023, 13:20

البابا فرنسيس: لضمّ جراحنا إلى جراح يسوع لتصير هي أيضًا جراحًا تشعّ نورًا

تيلي لوميار/ نورسات
"على ضرورة النّظر إلى يسوع المصلوب، المعرّى والجريح، كي نتعلّم كيف نتخلّى عن الأقنعة وعمّا ليس ضروريًّا، وكي نضمّ جراحاتنا إلى جراحاته فتشع نورًا ويولد فينا الرّجاء من جديد"، شدّد البابا فرنسيس خلال المقابلة العامّة اليوم الّتي توقّف في مستهلّها عند مقطع إنجيل الأحد الماضي "الّذي حدّثنا عن آلام الرّبّ، وانتهى بعبارة "وختموا الحجر". وبدا أنّ كلّ شيء انتهى عند هذا الحدّ بالنّسبة للتّلاميذ وكأنّ الحجر أعلن نهاية الرّجاء. لقد صُلب المعلّم وقُتل بأقسى وأذلّ طريقة، معلّقًا على الصّليب خارج المدينة، وكأنّه فشلٌ علنيّ وأبشع نهاية ممكنة. وهذا الإحباط الّذي أصاب التّلاميذ ليس غريبًا عنّا اليوم إذ تراودنا نحن أيضًا الأفكار المظلمة ونشعر بالإحباط: لماذا هذه اللّامبالاة حيال الله؟ لماذا يوجد هذا الكمّ من الشّرّ في العالم؟ لماذا يستمرّ انعدام المساواة ولا يأتي السّلام المنشود؟ عندها تطغى الخيبة على قلوب النّاس، ويسود الشّعور بأنّ الأزمنة الغابرة كانت أفضل من اليوم، حتّى داخل الكنيسة، يبدو– اليوم أيضًا– أنّ الرّجاء خُتم تحت حجر انعدام الثّقة."

وطلب البابا من كلّ واحد من الحاضرين أن يسأل نفسه أين وضع رجاءه؟ وما إذا كان هذا الرّجاء يدفعه إلى السّير قدمًا، أم أنّه مجرّد ذكرى. وتابع بحسب "فاتيكان نيوز": "إنّ صورة الصّليب ظلّت محفورة في ذهن التّلاميذ، إذ فيه بدت نهاية كلّ شيء، لكن بعد ذلك بقليل اكتشفوا في الصّليب بداية جديدة. إنّ رجاء الله ينمو هكذا، يولد ويولد من جديد في الثّغرات السّوداء لتطلّعاتنا الّتي أصيبت بالخيبة، بيد أنّ هذا الرّجاء لا يخيّب أبدًا. لنفكّر بالصّليب: فمن أداة التّعذيب هذه استخرج الله أكبر علامة للحبّ. خشبة الموت هذه أصبحت شجرة حياة، وتذكّرنا بأنّ بدايات الله تبدأ من نهاياتنا: فهو يحبّ أن يصنع العجائب بهذه الطّريقة. فلننظر الآن إلى خشبة الصّليب كي يولد فينا الرّجاء، هذه الفضيلة اليوميّة، الفضيلة الصّامتة والمتواضعة، لأنّنا لا نستطيع العيش بدون رجاء. لننظر إلى خشبة الصّليب كي نُشفى من الحزن الّذي أصبنا به، ومن المرارة الّتي نلوّث بها الكنيسة والعالم. لننظر إلى المصلوب. ماذا نرى؟ نرى يسوع المعرّى والجريح.

إنّنا نرى بداية يسوع المعرّى. "ولمّا صلبوه اقتسموا ثيابه مقترعين عليها". إنّ الله الّذي يملك كلّ شيء ترك نفسه يُحرم من كلّ شيء. لكن هذا الإذلال هو درب الفداء. بهذه الطّريقة ينتصر الله على مظاهرنا. إنّنا نجد صعوبة في التّخلّي عمّا لدينا، ولإماطة اللّثام عن الحقيقة. نتستّر وراء المظاهر الخارجيّة الّتي نعتني بها، وراء الأقنعة الّتي تُظهرنا بشكل أفضل ممّا نحن عليه. نعتقد أنّ المهمّ هو الظّهور بشكل جيّد، كي يتحدّث عنّا الآخرون بالمديح. لكن بهذه الطّريقة لا نجد السّلام.

إنّ المسيح الّذي جُرّد من كلّ شيء يذكّرنا بأنّ الرّجاء يولد من جديد من خلال التّعامل مع أنفسنا بالحقيقة، والتّخلّي عن الازدواجيّة، والتّحرّر من التّعايش السّلميّ مع واقعنا الزّائف. فلا بدّ من العودة إلى ما هو جوهريّ، إلى حياة بسيطة، مجرّدة من أمور كثيرة غير مجدية. إنّنا بحاجة اليوم إلى البساطة وإلى إعادة اكتشاف قيمة الرّصانة والتّخلّص من كلّ ما يلوّث القلب ويجعلنا تعساء. وكلّ واحد منّا يستطيع أن يفكّر بشيء غير مجد يمكن أن يتحرّر منه".

ولفت البابا إلى أنّ "المقيمين في بيت القدّيسة مارتا قرّروا، لمناسبة أسبوع الآلام، أن يتبرّعوا بالثّياب الّتي لا يرتدونها لصالح الفقراء"، وطلب من المؤمنين أن ينظروا في الخزانة ليتخلّوا عن كلّ ما لا يلزمهم، وأن ينظروا إلى حزانة النّفس أيضًا، ليتخلّوا عن كلّ ما هو غير نافع، وليعودوا إلى الأمور الأصيلة والحقيقيّة.

ثمّ قال: "لنوجّه نظرة ثانية إلى الصّليب فنرى يسوع الجريح. الصّليب يُظهر المسامير الّتي اخترقت يديه ورجليه، ويُظهر جنبه المفتوح. لكن تضاف إلى جراحات الجسد، جراحاتُ النّفس. كان يسوع وحيدًا، تعرّض للخيانة وسُلّم ونكره تلاميذه، وحكمت عليه السّلطات الدّينيّة والمدنيّة، وشعر حتّى بتخلّي الله عنه. وظهر على الصّليب أيضًا سببُ الحكم عليه "هذا هو يسوع ملك اليهود". إنّه ضرب من الاستهزاء. لقد هرب عندما حاولوا أن يجعلوه ملكًا، وحُكم عليه لأنّه اعتُبر ملكًا، ومع أنّه لم يرتكب أيّ ذنب، أحصي بين المجرمين، وتمّ اختيار باراباس مكانه. كان يسوع إذًا مجروحًا في الجسد وفي النّفس. بأيّ طريقة يمكن أن يساعد هذا الأمر رجاءنا؟

نحن أيضًا مجروحون اليوم. من منّا لا يحمل ندبات خيارات الماضي، وسوء الفهم والآلام الّتي تظلّ بداخلنا ونجد صعوبة في تخطّيها؟ ندبات الظّلم الّذي تعرّضنا له والكلمات الجارحة والأحكام الّتي لا ترحم؟ إنّ الله لا يخفي عنّا الجراح الّتي أصابته في الجسد والنّفس. إنّه يُظهرها لنا ليقول إنّه في الفصح يمكن أن تُفتح درب جديدة: أن تتحوّل جراحنا إلى فتحات يشعّ منها النّور. تمامًا مثل يسوع الّذي أحبّ على الصّليب وغفر لمن جرحوه، وهكذا حوّل الشّرّ إلى خير، والألم إلى محبّة."

أمّا عمّا يمكن أن نفعله بجراحنا، الصّغيرة والكبيرة والّتي تترك أثرًا في جسدنا وفي نفسنا أيضًا، فقال: "يمكن أن نتركها تلتهب نتيجة الحقد والحزن، أو يمكن أن نضمّها إلى جراح يسوع، لتصير هي أيضًا جراحًا تشعّ نورًا. لنفكّر بالعديد من الشّبّان الّذين لا يتحمّلون جراحهم ويبحثون عن مخرج في الانتحار أو في تعاطي المخدّرات. يمكن أن تتحوّل جراحنا إلى مصدر للرّجاء عندما نجفّف دموع الآخرين عوضًا عن البكاء على أنفسنا، عندما نعتني باحتياجات الآخرين عوضًا عن الشّعور بالغضب نتيجة ما حُرمنا منه، عندما ننحني على المتألّمين عوضًا عن التّفكير مطوّلاً بأنفسنا، عندما نروي عطش من يحتاج إلينا عوضًا عن العطش إلى محبّة أنفسنا. وبهذه الطّريقة تندمل جراحنا بسرعة، ويُزهر الرّجاء من جديد."