الفاتيكان
04 تشرين الأول 2021, 10:20

البابا فرنسيس لشباب "اقتصاد فرنسيس": ربّما أنتم الجيل الأخير الّذي يمكنه أن ينقذنا!

تيلي لوميار/ نورسات
"آمل أن تتمكّنوا من أن تستخدموا مواهبكم لكي تُصلحوا أخطاء الماضي وتقودوننا نحو اقتصاد جديد أكثر تضامنًا واستدامة وإدماجًا"، من خلال "زرع قيم الأخوّة والتّضامن والعناية بأرضنا والخيور المشتركة في جميع هيكليّاتنا". هذه الدّعوة وجّها البابا فرنسيس في رسالته المصوّرة إلى الشّباب المشاركين في لقاء "اقتصاد فرنسيس" في أسيزي، قال فيها بحسب "فاتيكان نيوز":

"أحيّيكم بمودّة وأفرح للقائكم- حتّى وإن كان ذلك بشكل افتراضيّ- في لقائكم الثّاني هذا. لقد تلقّيت خلال هذه الأشهر الأخيرة الكثير من الأخبار عن الخبرات والمبادرات الّتي قمتم ببنائها معًا وأودّ أن أشكركم على الحماس الّذي تسيرون به قدمًا في هذه الرّسالة المتمثّلة في إعطاء روح جديدة للاقتصاد.

إنَّ جائحة فيروس الكورونا لم تكشف لنا عن التّفاوتات العميقة الّتي تصيب مجتمعاتنا فحسب، بل ضاعفتها. منذ ظهور فيروس متأتٍّ من عالم الحيوان، عانت جماعاتنا من الزّيادة الكبيرة في البطالة والفقر وعدم المساواة والجوع والاستبعاد من الرّعاية الصّحّيّة الضّروريّة. لا ننسينَّ أنّ قلّة قليلة قد استفادت من الوباء لكي تغتني وتنغلق في واقعها. جميع هذه الآلام تقع بشكل غير متناسب على إخوتنا وأخواتنا الأشدّ فقرًا.

لقد تواجهنا خلال هذين العامين مع جميع إخفاقاتنا في العناية بالبيت المشترك والعائلة المشتركة. غالبًا ما ننسى أهمّيّة التّعاون البشريّ والتّضامن العالميّ؛ غالبًا ما ننسى أيضًا وجود علاقة تبادل مسؤولة بيننا وبين الطّبيعة. إنَّ الأرض تسبقنا وقد أُعطيت لنا، وهذا عنصر أساسيّ في علاقتنا مع خيرات الأرض، وبالتّالي فهي مقدّمة أساسيّة لأنظمتنا الاقتصاديّة. نحن وكلاء على الخيرات، ولسنا سادة. ومع ذلك، فإنّ الاقتصاد المريض الّذي يقتل ينشأ من الافتراض بأنّنا نملك الخليقة، وقادرون على استغلالها لمصلحتنا ونموّنا. لقد ذكّرنا الوباء برابط المبادلة العميق هذا؛ ويذكّرنا أنّنا قد دُعينا إلى حماية الخيور الّتي يهبها الخالق للجميع؛ ويذكّرنا بواجبنا في العمل وتوزيع هذه الخيور لكي لا يتمَّ استبعاد أحد. ختامًا، يذكّرنا أيضًا أنّنا وإذ نغوص في بحر مشترك، علينا أن نقبل الحاجة إلى أخوَّة جديدة. هذا هو الوقت المناسب لكي نشعر مُجدّدًا أنّنا بحاجة إلى بعضنا البعض، وأنّه لدينا مسؤوليّة تجاه بعضنا البعض وتجاه العالم.

تعتمد نوعيّة تطوّر الشّعوب والأرض في المقام الأوّل على الخيور المشتركة. لذلك علينا أن نبحث عن طرق جديدة لتجديد الاقتصاد في حقبة ما بعد فيروس الكورونا لكي يكون أكثر عدالة واستدامة وتضامنًا، أيّ مُشتركًا بشكل أكبر. نحن بحاجة إلى المزيد من العمليّات الدّائريّة، لكي نُنتج ولا نُهدر موارد أرضنا وإلى أساليب أكثر إنصافًا لبيع وتوزيع الخيور وتصرّفات أكثر مسؤوليّة عندما نستهلك. هناك أيضًا حاجة إلى نموذج متكامل جديد قادر على تنشئة أجيال جديدة من الاقتصاديّين ورجال الأعمال، في الاحترام لترابطنا مع الأرض. أنتم، في "اقتصاد فرنسيس" كما هو الحال في العديد من مجموعات الشّباب الأخرى، تعملون من أجل الغرض عينه. يمكنكم أن تقدِّموا هذه النّظرة الجديدة لهذا المثال الخاصّ باقتصاد جديد.

إنَّ أمّنا الأرض تئنُّ اليوم وتحذّرنا من أنّنا نقترب من عتبات خطيرة. ربّما أنتم الجيل الأخير الّذي يمكنه أن ينقذنا: أنا لا أبالغ في ذلك. في ظلّ هذه الحالة الطّارئة، يتحمّل إبداعكم ومرونتكم مسؤوليّة كبيرة. آمل أن تتمكّنوا من أن تستخدموا مواهبكم لكي تُصلحوا أخطاء الماضي وتقودوننا نحو اقتصاد جديد أكثر تضامنًا واستدامة وإدماجًا. لكنَّ مهمة الاقتصاد هذه تتضمّن تجديد جميع أنظمتنا الاجتماعيّة، وبالتّالي من خلال زرع قيم الأخوّة والتّضامن والعناية بأرضنا والخيور المشتركة في جميع هيكليّاتنا، يمكننا أن نواجه أكبر تحدّيات زمننا، من الجوع وسوء التّغذية إلى التّوزيع العادل للقاحات ضدّ فيروس الكورونا. علينا أن نعمل معًا ونحلم بشكل كبير. إذا حدَّقنا النّظر إلى يسوع فسنجد الإلهام لكي نصمِّم عالمًا جديدًا والشّجاعة لكي نسير معًا نحو مستقبل أفضل.

لكم، أيّها الشّباب، أجدّد مهمّة وضع الأخوَّة في محور الاقتصاد. لم نشعر أبدًا كما في هذا الوقت بالحاجة إلى شباب يعرفون كيف يُظهرون، من خلال الدّراسة والممارسة، وجود اقتصاد مختلف. لا تيأسوا: إسمحوا بأن تقودكم محبّة الإنجيل الّتي هي القوّة الدّافعة وراء كلّ تغيير وتحثّنا على الدّخول في جراح التّاريخ والنّهوض. واسمحوا لأنفسكم بأن تنطلقوا بإبداع في بناء أزمنة جديدة، وإذ تتأثّرون بصوت الفقراء التزموا بإشراكهم في بناء مستقبلنا المشترك. يحتاج زمننا، نظرًا لأهمّيّة الاقتصاد وإلحاحه، إلى جيل جديد من الاقتصاديّين الّذين يعيشون الإنجيل داخل الشّركات والمدارس والمصانع والبنوك وداخل الأسواق. إتبعوا شهادة هؤلاء التّجّار الجدد الّذين لم يطردهم يسوع من الهيكل، لأنّكم أصدقاءه وحلفاء لملكوته.

أيّها الشّباب الأعزّاء، أظهروا أفكاركم وأحلامكم واحملوا من خلالها للعالم والكنيسة وللشّباب الآخرين النّبوءة والجمال اللّذين يمكنكم تحقيقهما. أنتم لست المستقبل، أنتم الحاضر. حاضر آخر، والعالم يحتاج لشجاعتكم!".