البابا فرنسيس لجماعة إخوة المدارس الكاثوليكيّة: كونوا روّادًا لـ "ثقافة قيامة"
إنَّ رؤيته للمدرسة قد حملته لينضِّج بشكل أوضح القناعة بأنَّ التّعليم حقّ للجميع، حتّى للفقراء. لذلك لم يتردّد في التّخلّي عن إرث عائلته الغنيّ ليكرّس نفسه بالكامل ليعلِّم الفئة الاجتماعيّة الفقيرة. وبالتّالي أسّس جماعة من العلمانيّين ليحملوا قدمًا مثاله هذا، مقتنعًا أنّه لا يمكن للكنيسة أن تبقى بعيدة عن التّناقضات الاجتماعيّة للأزمنة الّتي دُعيت لتواجهها.
إنَّ اللّقاء اليوميّ مع عالم المدرسة قد نضّج فيه إدراك تحديد مفهوم جديد للمعلّم. لقد كان مقتنعًا في الواقع أنَّ المدرسة هي واقع جديّ ويحتاج لأشخاص مُعدِّين بشكل ملائم؛ ولكنّه كان يرى نصب عينيه جميع النّقائص الهيكليّة والوظيفيّة لمؤسّسة متداعية تحتاج للشّكل والنّظام. ففهم عندها أنَّ التّعليم لا يمكنه أن يكون مجرَّد مهنة بل هو رسالة، فأحاط نفسه بأشخاص ملائمين للمدرسة الشّعبيّة يملكون مواهب فطريّة للتّعليم وكرّس طاقته لينشِّئهم وأصبح بنفسه مثالاً ونموذجًا لهم إذ وجب عليهم أن يمارسوا خدمة كنسيّة واجتماعيّة في الوقت عينه وأن يجتهدوا ليعزِّزوا ما كان يصفه بـ"كرامة المعلِّم".
في محاولة إعطاء أجوبة لمتطلِّبات زمنه في إطار المدرسة، أطلق القدّيس جان باتيست دي لاسال إصلاحات شجاعة في أساليب التّعليم، إذ حرّكته في هذا الأمر واقعيّة تربويّة رائعة، فاستبدل اللّغة اللّاتينيّة الّتي كانت تُستعمل في التّعليم باللّغة الفرنسيّة، وقسّم التّلاميذ على مجموعات تعلُّم متجانسة في ضوء عمل أكثر فعاليّة، وأقام مراكز تنشئة للشّباب الّذين كانوا يريدون أن يصبحوا معلِّمين. لقد كان يحلم بمدرسة مفتوحة للجميع ولذلك لم يتردّد في مواجهة الضّرورات التّربويّة إذ أدخل أسلوب إعادة تأهيل من خلال المدرسة والعمل.
يا أبناء القدّيس جان باتيست دي لاسال الرّوحيّين، أحثّكم على التّعمُّق والتّشبّه بشغفه ومحبّته للأخيرين والمهمّشين. وعلى خطى شهادته الرّسوليّة كونوا روّادًا لـ "ثقافة قيامة" ولاسيّما في تلك الأطر الوجوديّة حيث تسود ثقافة الموت. ليتمكّن الدّفع للرّسالة التّربويّة الّذي جعل مؤسّسكم معلّمًا وشاهدًا للعديد من معاصريه وتعليمه اليوم أيضًا من أن يغذّيا مشاريعكم وعملكم. إن صورته الآنيّة على الدّوام تشكّل عطيّة للكنيسة وحافزًا ثمينًا لرهبانيّتكم المدعوّة لاتّباع متجدّد وحماسيّ للمسيح. بالنّظر إلى المعلّم الإلهيّ يمكنكم أن تعملوا بسخاء أكبر في خدمة بشارة جديدة تلتزم فيها الكنيسة اليوم. إنَّ أشكال إعلان الإنجيل تتطلّب أن تكون ملائمة للأوضاع الملموسة لأطر عديدة ولكنَّ هذا الأمر يتطلّب جهد أمانة للجذور لكي يتمكّن الأسلوب الرّسوليّ الخاصّ بعائلتكم الرّهبانيّة من أن يستمرّ في الإجابة على انتظارات النّاس.
قوموا برسالتكم هذه بقوّة متجدّدة بين الأجيال الشّباب بتلك الشّجاعة الّتي تميّز بها القدّيس جان باتيست دي لاسال، وأعلنوا للجميع إنجيل الرّجاء والمحبّة. لتعضدكم العذراء القدّيسة على الدّوام ولتنل لكم ثمارًا رسوليّة وافرة".