الفاتيكان
04 تموز 2022, 09:30

البابا فرنسيس: لتعلّمنا العذراء مريم أن نعدّ الدّرب للرّبّ من خلال شهادة الأخوّة

تيلي لوميار/ نورسات
"إنَّ الرّسالة التّبشيريّة لا تقوم على النّشاط الشّخصيّ، أيّ على "العمل"، بل على شهادة الحبّ الأخوّي، وكذلك من خلال الصّعوبات الّتي يتضمّنها العيش معًا". هذا ما قاله البابا فرنسيس قبل تلاوة صلاة التّبشير الملائكيّ ظهر الأحد مع المحتشدين في ساحة القدّيس بطرس.

وفي تفاصيل الكلمة، قال البابا بحسب "فاتيكان نيوز": "نقرأ في الإنجيل الّدي تقدّمه لنا اللّيتورجيا هذا الأحد أنّ "الرَّبَّ أقام اثنَينِ وَسَبعينَ تِلميذًا آخَرين، وَأَرسَلَهُمُ اثنَينِ اثنَين، يَتَقَدَّمونَهُ إِلى كُلِّ مَدينَةٍ أَو مَكانٍ أَوشَكَ هُوَ أَن يَذهَبَ إِلَيه". لقد أُرسل التّلاميذ اثنين اثنين، وليس بشكل فرديّ. إنّ الذّهاب في رسالة اثنين اثنين، من وجهة نظر عمليّة، يبدو أنّ له مساوئ أكثر من المزايا. هناك خطر ألّا يتّفق الاثنان معًا، وأن يكون لهما وتيرة مختلفة، وأن يتعب أحدهما أو يمرض على طول الطّريق، فيُجبر الآخر على التّوقّف أيضًا. من ناحية أخرى، عندما تكون بمفردك، يبدو أنّ المسيرة تصبح أسرع وأكثر سلاسة. لكنّ يسوع لا يعتقد ذلك، وبالتّالي فهو لا يرسل أمامه أناسًا منعزلين، بل يرسل تلاميذًا يذهبون اثنين اثنين. لنسأل أنفسنا إذًا: ما هو سبب خيار الرّبّ هذا؟

إنّ مهمّة التّلاميذ هي المضيّ قدمًا إلى القرى وإعداد النّاس لكي يستقبلوا يسوع؛ والتّعليمات الّتي يقدّمها يسوع لهم لا تتعلّق كثيرًا بما يجب أن يقولوه، وإنّما بما يجب أن يكونوا عليه: حول الشّهادة الّتي يجب أن يعطوها أكثر من الكلمات الّتي عليهم أن يقولوها. في الواقع، هو يصفهم بالفعلة: أيّ أنّهم مدعوّون لكي يعملوا، ويبشِّروا من خلال سلوكهم. وأوّل عمل ملموس يقوم به التّلاميذ لتحقيق رسالتهم هو بالتّحديد أن يذهبوا اثنين اثنين. إنّهم ليسوا "عازفين منفردين"، أو واعظين لا يعرفون كيف يعطون الكلمة للآخر. إنّ حياة التّلاميذ بحدّ ذاتها هي الّتي تعلن الإنجيل: معرفتهم لكيفيّة العيش معًا، واحترامهم المتبادل، وعدم رغبتهم في أن يثبت أحدهم أنّه أفضل من الآخر، والإشارة بالإجماع إلى المعلّم الواحد.

يمكننا أن نضع خططًا رعويّة كاملة، وننفِّذ مشاريع جيّدة، وننظِّم حتّى أدقّ التّفاصيل؛ يمكننا أن ندعو حشودًا وأن يكون لدينا العديد من الوسائل؛ ولكن إذا لم يكن هناك جهوزيّة للأخوَّة، فإنّ الرّسالة الإنجيليّة لا تتقدم. ذات مرّة، أخبر أحد المرسلين أنّه غادر إلى أفريقيا مع أخٍ له. لكن بعد مرور بعض الوقت، انفصل عنه، وتوقَّف في قرية حيث قام بنجاح بسلسلة من نشاطات البناء لصالح الجماعة. وكان كلّ شيء يعمل بشكل جيّد. ولكن ذات يوم أصيب بصدمة: أدرك أنّ حياته كانت حياة رجل أعمال جيّد، دائمًا في وسط مواقع البناء وأوراق المحاسبة! عندها ترك الإدارة للآخرين والتحق بأخيه. وهكذا فهم لماذا أرسل الرّبّ التّلاميذ "اثنين، اثنين": إنَّ الرّسالة التّبشيريّة لا تقوم على النّشاط الشّخصيّ، أيّ على "العمل"، بل على شهادة الحبّ الأخويّ، وحتّى من خلال الصّعوبات الّتي يتضمّنها العيش معًا.

لذلك يمكننا أن نسأل أنفسنا: كيف نحمل للآخرين بشرى الإنجيل السّارّة؟ هل نقوم بذلك بروح وأسلوب أخويَّين، أم بأسلوب العالم، بالرّيادة والتّنافس والفعاليّة؟ لنسأل أنفسنا ما إذا كانت لدينا القدرة على التّعاون، وإذا كنّا نعرف كيف نأخذ القرارات معًا، ونحترم بصدق من هم حولنا ونأخذ بعين الاعتبار وجهة نظرهم. في الواقع، بهذه الطّريقة تُظهِر حياة التّلميذ حياة المُعلِّم، وتعلنه للآخرين حقًّا. لتُعلّمنا العذراء مريم، أُمَّ الكنيسة، أن نُعدَّ الدّرب للرّبّ من خلال شهادة الأخوَّة."

بعد تلاوة صلاة التّبشير الملائكيّ، حيّا البابا فرنسيس المؤمنين المحتشدين في ساحة القدّيس بطرس وقال: "أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، بالأمس في سان رامون دي لا نويفا أوران، في الأرجنتين، تمّ إعلان تطويب بيدرو أورتيز دي زاراتيه، كاهن أبرشيّ، وجيوفاني أنطونيو سوليناس، كاهن من الرّهبانيّة اليسوعيّة. هذان المرسلان، اللّذان كرّسا حياتهما لنقل الإيمان والدّفاع عن السّكّان الأصليّين، قُتلا عام 1683 لأنّهما حملا رسالة سلام الإنجيل. ليساعدنا مثال هذين الشّهيدين لكي نشهد للبشرى السّارّة دون مساومة، ونكرّس أنفسنا بسخاء لخدمة الأشخاص الأشدَّ ضعفًا.

نواصل الصّلاة من أجل السّلام في أوكرانيا وفي العالم بأسره. أناشد رؤساء الدّول والمنظّمات الدّوليّة لكي يردّوا على الميل إلى تأجيج النّزاع والمعارضة. إنَّ العالم بحاجة إلى السّلام. لا لسلام قائم على توازن التّسلّح وعلى الخوف المتبادل. لا، هذا الأمر ليس جيّدًا. هذا يعني أن نعيد التّاريخ سبعين سنة إلى الوراء. كان ينبغي على الأزمة الأوكرانيّة أن تكون، ولكن- إذا كانت هناك الرّغبة- لا يزال من الممكن أن تصبح تحدّيًا لرجال الدّولة الحكماء القادرين على أن يبنوا في الحوار عالمًا أفضل للأجيال الجديدة. بعون الله، هذا الأمر ممكن على الدّوام! لكن علينا أن ننتقل من استراتيجيّات القوّة السّياسيّة والاقتصاديّة والعسكريّة إلى مشروع سلام عالميّ: لا لعالم منقسم بين قوى متصارعة، نعم لعالم موحّد بين شعوب وحضارات تحترم بعضها البعض."