البابا فرنسيس: لتساعدنا العذراء مريم لكي نتبع يسوع بفرح على درب الخدمة
"يصف لنا إنجيل اليوم يسوع الذي، ولمرّة أخرى وبصبر كبير، يحاول أن يُصلح تلاميذه لكي يتحوّلوا من ذهنيّة العالم إلى ذهنية الله. وتأتيه هذه المناسبة من الأخوين يعقوب ويوحنّا إذ فيما كانوا يسيرون نحو أورشليم دنا إليه الأخوان وسألاه بشجاعة: "إِمنَحنا أَن يَجلِسَ أَحَدُنا عَن يَمينِكَ، وَالآخَرُ عَن شِمالِكَ في مَجدِكَ".
كان يسوع يعرف أنَّ حماسًا كبيرًا يحرّك يعقوب ويوحنّا من أجله ومن أجل الملكوت، ولكنّه كان يعرف أيضًا أنّ انتظاراتهما وغيرتهما يفسدهما روح العالم؛ ولذلك يجيب: "إِنَّكُما لا تَعلَمانِ ما تَسأَلان". وفيما هما يتحدّثان عن عروش مجد يجلسان عليها بالقرب من المسيح الملك هو يتحدّث عن كأس عليه أن يشربها ومعموديّة عليه أن يقبلها أي عن آلامه وموته. أجاب يعقوب ويوحنّا بدفع كبير: نعم، "نَستَطيع"! ولكنّهما هنا أيضًا لا يدركان فعلاً ما يقولانه. فيعلن لهما يسوع أنَّ الكَأسَ الَّتي يشرَبُها سَوفَ يشرَبانِها، وَالمَعمودِيَّةَ الَّتي يقبَلُها سَوفَ يقبَلانِها، أيّ أنّهما وكسائر الرّسل سيشاركان في صليبه عندما تحين ساعتهما، ولكن – يختتم يسوع قائلاً – "وَأَمّا الجُلوسُ عَن يَميني أَو شِمالي، فَلَيسَ لي أَن أَمنَحَهُ، وَإِنَّما هُوَ لِلَّذينَ أُعِدَّ لَهُم".
وقد تنبّه يسوع بعدها أنّه لَمّا سَمِعَ العَشرَةُ ذَلِكَ الكَلام، اغتاظوا مِن يَعقوبَ وَيوحَنّا، مظهرين هكذا أنّهم يملكون ذهنيّة العالم عينها، وهذا الأمر يقدّم له الفرصة ليعطيهم درسًا يصلح لمسيحيّي كلِّ زمن ويقول: "تَعلَمونَ أَنَّ الَّذينَ يُعَدّونَ رُؤَساءَ الأُمَمِ يَسودونَها، وَأَنَّ أَكابِرَها يَتَسَلَّطونَ عَلَيها. فَلَيسَ الأَمرُ فيكُم كَذَلِك. بَل مَن أَرادَ أَن يَكونَ كَبيرًا فيكُم، فَليَكُن لَكُم خادِمًا. وَمَن أَرادَ أَن يَكونَ الأَوَّلَ فيكُم، فَليَكُن لِأَجمَعِكُم عَبدًا". هذه هي قاعدة المسيحيّ! إنَّ رسالة المعلّم واضحة فيما يبني عظماء الأرض عروشًا لسلطتهم يختار الله عرشًا مزعجًا: الصّليب الذي من خلاله يملك باذلاً حياته: "لِأَنَّ ابنَ الإِنسانِ لَم يَأتِ لِيُخدَم، بَل لِيَخدُمَ وَيَفدِيَ بِنَفسِهِ جَماعَةَ النّاس".
وإنّ درب الخدمة هي التّرياق الأكثر فعاليّة ضدّ مرض البحث عن المقامات الأولى الذي يعدي العديد من الأطر البشريّة ولا تسلم منه حتّى الكنيسة. لذلك، وكتلاميذ للمسيح لنقبل هذا الإنجيل كدعوة إلى التّوبة لكي نشهد بشجاعة وسخاء لكنيسة تنحني عند أقدام الأخرين لتخدمهم بمحبّة وبساطة.
ولتساعدنا العذراء مريم، التي أطاعت مشيئة الله بشكل كامل وبتواضع، لكي نتبع يسوع بفرح على درب الخدمة، الدّرب الأساسيّة التي تقودنا إلى السّماء."