الفاتيكان
26 حزيران 2023, 08:45

البابا فرنسيس: لتساعدنا العذراء مريم لكي نكون حكماء وشجعان في الخيارات التي نقوم بها

تيلي لوميار/ نورسات
تلا البابا فرنسيس ظهر الأحد صلاة التّبشير الملائكيّ مع وفود الحجّاج والمؤمنين المحتشدين في ساحة القدّيس بطرس.

وقبل الصّلاة ألقى الأب الأقدس كلمة دعا فيها إلى عدم تضييع الخير الأعظم: الحياة، وقال بحسب "فاتيكان نيوز":  

"في إنجيل اليوم، يكرّر يسوع لتلاميذه ثلاث مرّات: "لا تخافوا". وقبل ذلك بقليل كان قد تحدّث إليهم عن الاضطهادات الّتي سيتعرّضون لها في سبيل الإنجيل، واقع لا يزال آنيًّا: في الواقع، ومنذ نشأتها، عرفت الكنيسة، بالإضافة إلى الأفراح، العديد من الاضطهادات. يبدو الأمر متناقضًا: إنّ إعلان ملكوت الله هو رسالة سلام وعدالة، تقوم على المحبّة الأخويّة والمغفرة، ولكنّه مع ذلك يواجه معارضة وعنفًا واضطهادًا. لكنَّ يسوع يقول لا تخافوا: ليس لأنّ كلّ شيء في العالم سيكون على ما يرام، وإنّما لأنّنا ثمينون بالنّسبة للآب ولا شيء ممّا هو صالح سيضيع أبدًا. لذلك يقول لنا ألا نسمح للخوف بأن يعيقنا بل أن نخاف من شيء واحد فقط. ولكن ما هو الشّيء الّذي يقول لنا يسوع إنّه علينا أن نخاف منه؟

نكتشف ذلك من خلال صورة يستخدمها يسوع اليوم: صورة "جهنَّم". لقد كان وادي "جهنّم" مكانًا يعرفه سكّان أورشليم جيّدًا: كان مكبّ النّفايات الكبير في المدينة. ويتحدّث يسوع عنه لكي يقول إنّ الخوف الحقيقيّ الّذي يجب أن يكون لدينا هو أن نُضيِّع حياتنا. كمن يقول: لا يجب أن نخاف من أن نتعرّض لسوء الفهم والانتقادات، أو من أن نفقد الهيبة والمزايا الاقتصاديّة الّتي لدينا لكي نبقى أمناء للإنجيل، وإنّما من أن نضيّع حياتنا في السّعي وراء أشياء تافهة لا تملأ الحياة بالمعنى.

وهذا أمرٌ مهمّ أيضًا بالنّسبة لنا. فاليوم أيضًا، في الواقع، قد نتعرّض للسّخرية والتّمييز إذا لم نتبع بعض النّماذج العصريّة، والّتي غالبًا ما تضع في المحور حقائق ثانويّة: الأشياء بدلاً من الأشخاص، الأداء بدلاً من العلاقات. لنأخذ بعض الأمثلة. أفكّر في الوالدين الّذين يحتاجون إلى العمل لكي يعيلوا عائلاتهم، ولكن لا يمكنهم أن يعيشوا فقط من أجل العمل: هم بحاجة أيضًا للوقت الضّروريّ لكي يكونوا مع أبنائهم. أفكّر أيضًا في الكاهن أو في الرّاهبة: عليهما أن يلتزما في خدمتهما، ولكن دون أن ينسيا أن يكرّسا الوقت لكي يكونا مع يسوع، وإلّا فسيقعان في الدّنيويّة الرّوحيّة ويفقدان معنى ما هما عليه. كذلك، أفكّر في شابّ أو شابّة لديهما آلاف الالتزامات والهوايات: المدرسة والرّياضة والاهتمامات المختلفة والهواتف المحمولة ووسائل التّواصل الاجتماعيّ، ولكنّهما بحاجة لأن يلتقيا بالأشخاص ويحقّقا أحلامًا كبيرة، بدون أن يُضيِّعا الوقت في أمور تزول ولا تترك بصمة.

هذا كلّه يتضمّن بعض التّخلّي إزاء أصنام الفعاليّة والاستهلاك، ولكنّه ضروريّ لكي لا نضيع في الأشياء، الّتي يتمّ التّخلّص منها بعد ذلك، كما كان يحدث في وادي جهنّم في ذلك الوقت. أمّا اليوم فغالبًا ما ينتهي الأمر بالأشخاص في جهنّم: لنفكّر في  الأخيرين الّذين غالبًا ما يتمّ التّعامل معهم كأنّهم نفايات وأشياء غير مرغوب فيها. أن نبقى أُمناء لما يهمّ هو أمر مُكلف، مُكلف أيضًا هو السّير في عكس التّيّار، والتّحرّر من تكييف الفكر المشترك، وأن يتمَّ وضعنا جانبًا من قبل الّذين "يتبعون الموجة". لكن لا يهم، يقول يسوع: إنّ ما يهم هو ألّا نُضيّع الخير الأعظم: الحياة. وهذا الأمر وحده يجب أن يخيفنا.

لنسأل أنفسنا إذًا: ما الّذي أخاف منه؟ ألا يكون لديّ ما يعجبني؟ ألا أبلُغ الأهداف الّتي يفرضها المجتمع؟ من حكم الآخرين؟ أم من عدم إرضاء الرّبّ وعدم وضع إنجيله في المرتبة الأولى؟ لتساعدنا مريم، العذراء الحكيمة، لكي نكون حكماء وشجعان في الخيارات الّتي نقوم بها.

بعد صلاة التّبشير الملائكيّ حيا البابا فرنسيس المؤمنين المحتشدين في ساحة القدّيس بطرس وقال: "أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، لقد أحزنني كثيرًا ما حدث قبل أيّام قليلة في سجن تمارا للنّساء في هندوراس. إذ قد زرع العنف الرّهيب بين العصابات المتناحرة الموت والألم. أُصلّي من أجل الّذين فقدوا أرواحهم وأصلّي من أجل عائلاتهم. لتساعد العذراء مريم سيّدة سويابا، وأم هندوراس، القلوب لكي تنفتح على المصالحة وتفسح المجال لتعايش أخويّ، حتّى داخل السّجون.

تصادف هذه الأيّام الذّكرى السّنويّة الأربعين لوفاة إيمانويلا أورلاندي. أرغب في أن أستغلّ هذا الظّرف لكي أعبّر مرّة أخرى عن قربي لعائلتها، ولاسيّما لأمّها وأؤكِّد لها صلاتي. كما يمتدُّ ذكري إلى جميع العائلات الّتي تعيش ألم فقدان شخص عزيز".