الفاتيكان
07 آذار 2022, 07:30

البابا فرنسيس: لتأمين ممرّات إنسانيّة في أوكرانيا

تيلي لوميار/ نورسات
"أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، تجري في أوكرانيا أنهار دماء ودموع، إنّ الأمر لا يتعلّق بمجرّد عمليّة عسكريّة وإنّما بحرب تزرع الموت والدّمار وبؤس. إنّ أعداد الضّحايا تزداد على الدّوام وكذلك عدد الأشخاص الّذين يهربون ولاسيّما الأمّهات والأطفال. في ذلك البلد المعذّب تنمو بشكل مأساويّ ساعة بعد ساعة ضرورة المساعدة الإنسانيّة، أوجّه ندائي لكي يتمَّ تأمين ممرّات إنسانيّة ويُضمن ويُسهَّل وصول المساعدات إلى المناطق المحاصرة من أجل تقديم المساعدة الحيويّة لإخوتنا وأخواتنا الّذين يعانون بسبب القنابل والخوف. أشكر جميع الّذين يستقبلون اللّاجئين وأتوسّل بشكل خاصّ أن تتوقّف الاعتداءات المسلّحة وتسود المفاوضات، ويسود حسن الإدراك والتَّمْيِيز ويتمَّ مجدّدًا احترام القانون الدّوليّ".

هكذا جدّد البابا فرنسيس نداء من أجل السّلام في أوكرانيا، في ختام صلاة التّبشير الملائكيّ ظهر الأحد، مطالبًا بفتح ممرّات إنسانيّة. وتابع كلمته شاكرًا "الصّحافيّين الّذين ولكي يضمنوا لنا المعلومات يخاطرون بحياتهم؛ شكرًا أيّها الإخوة والأخوات على خدمتكم هذه. خدمة تسمح لنا بأن نكون قريبين من مأساة هذا الشّعب وتسمح لنا أن نُقيِّم قساوة الحرب. شكرًا أيّها الإخوة والأخوات لنصلِّ معًا من أجل أوكرانيا كإخوة ولنرفع الصّلاة إلى العذراء سيّدة أوكرانيا".

وأكّد الأب الأقدس استعداد الكرسيّ الرّسوليّ للقيام بكلّ ما بوسعه في خدمة السّلام، مشيرًا إلى إرساله إلى أوكرانيا مسؤول مكتب الكرسيّ الرّسوليّ المعنيّ بأعمال المحبّة لصالح الفقراء بإسم الحبر الأعظم كراييفسكي والعميد الفخريّ للدّائرة الفاتيكانيّة المعنيّة بخدمة التّنمية البشريّة المتكاملة الكاردينال تشيرني، وذلك من أجل خدمة الشّعب وتقديم المساعدة، لافتًا إلى أنّ حضورهما في أوكرانيا لا يمثّله وحسب وإنّما يمثّل الشّعب المسيحيّ بأسره.

وكان البابا فرنسيس قد ألقى كلمة روحيّة قبيل الصّلاة، قال فيها بحسب "فاتيكان نيوز": "يحملنا إنجيل اليوم، الأحد الأوّل من الصّوم الكبير، إلى البرّيّة، حيث قاد الرّوح القدس يسوع لمدّة أربعين يومًا لكي يجربه الشيطان. ترمز البرّيّة إلى النّضال ضدّ إغراءات الشّرّ، لكي نتعلّم أن نختار الحرّيّة الحقيقيّة. في الواقع، يعيش يسوع خبرة البرّيّة قبل بدء رسالته العامّة. ومن خلال ذلك الصّراع الرّوحيّ بالتّحديد، هو يؤكّد بشكل حاسم أيّ نوع من المسيح ينوي أن يكون. لنلقِ نظرة عن كثب على التّجارب الّتي يحاربها.

توجّه إليه الشّيطان مرّتين قائلاً: "إن كنت ابن الله...". بعبارة أخرى، يقترح عليه استغلال منصبه: أوّلاً لكي يلبّيَ الاحتياجات المادّيّة الّتي يشعر بها؛ ثمّ لكي ينمِّيَ سلطته؛ وأخيرًا لكي يحصل على آية من الله. كما ولو كان يقول له: "إن كنت ابن الله فاستغلّ هذا الأمر!" أيّ "فكّر في ربحك". إنّه اقتراح مغرٍ، لكنّه يحمل إلى استعباد القلب: فيجعلنا مهووسين بالرّغبة في الامتلاك، ويختزل كلّ شيء إلى امتلاك الأشياء، والسّلطة، والشّهرة. هذا هو جوهر التّجارب. إنّه "سمّ الأهواء" الّذي يتجذّر فيه الشّرّ.

لكن المسيح يعارض بأسلوب منتصر مقوّمات الشّرّ. كيف يقوم بذلك؟ بالإجابة على التّجارب بكلمة الله، الّتي تقول لنا ألا نستفيد من الله والآخرين والأشياء ونستخدمهم لأنفسنا، وألّا نستغلَّ مكانتنا لكي نحصل على امتيازات. لأنّ السّعادة الحقيقيّة والحرّيّة لا تكمنان في الامتلاك بل في المشاركة؛ ولا في الاستفادة من الآخرين، وإنّما في محبّتهم؛ ولا في هوس السّلطة وإنّما في فرح الخدمة.

أيّها الإخوة والأخوات، هذه التّجارب ترافقنا أيضًا في مسيرة الحياة. علينا أن نسهر، لأنّها غالبًا ما تقدّم ذاتها ظاهريًّا تحت شكل الخير. في الواقع، إنَّ الشّيطان الماكر يستخدم الخداع على الدّوام. لقد أراد أن يجعل يسوع يعتقد أنّ اقتراحاته كانت مفيدة لكي يُظهر حقًّا أنّه ابن الله، وهذا ما يفعله معنا نحن أيضًا: غالبًا ما يصل إلينا "بعيون لطيفة"، و"بوجه ملائكيّ"؛ حتّى أنّه يعرف كيف يتنكّر بدوافع مقدّسة ودينيّة في الظّاهر!

إذا استسلمنا لإطراءآته، ينتهي بنا الأمر إلى تبرير زيفنا، وإخفائه بالنّوايا الحسنة، كم مرّة سمعنا على سبيل المثال "لقد قمت بأمور غريبة، ولكنّني ساعدت الفقراء"؛ "لقد استفدت من دوري، ولكن من أجل أمرٍ خيِّرٍ أيضًا"؛ "لقد استسلمت لغرائزي، لكنّني في العمق لم أؤذِ أحدًا"، هذه التّبريرات وهكذا دواليك. من فضلكم: لا تُساوموا مع الشّرّ! لا يجب أن نتحاور مع التّجربة، ولا يجب أن نقع في نوم الضّمير الّذي يجعلنا نقول: "في العمق، ليس الأمر خطيرًا، الكلّ يفعل هكذا"! لننظر إلى يسوع الّذي لا يبحث عن مساومات ولا يبرم اتّفاقات مع الشّرّ. بل يقاوم الشّيطان بكلمة الله الّتي هي أقوى من الشّيطان ويتغلّب هكذا على التّجارب.

ليكن زمن الصّوم هذا أيضًا زمن برّيّة بالنّسبة لنا. لنأخذ فسحات صمت وصلاة نتوقّف خلالها وننظر إلى ما يقلقنا في قلوبنا. ولنصنع وضوحًا داخليًّا، ونضع أنفسنا أمام كلمة الله في الصّلاة، لكي تُحدث فينا صراعًا مفيدًا ضدّ الشّرّ الّذي يستعبدنا، نضالًا من أجل الحرّيّة. لنطلب من العذراء القدّيسة أن ترافقنا في برّيّة الصّوم وتساعدنا في مسيرة ارتدادنا."