الفاتيكان
13 آذار 2023, 08:50

البابا فرنسيس: لا ينقصنّ أبدًا اتّكالنا على الرّبّ ولا يتزعزعنّ أبدًا رجاؤنا!

تيلي لوميار/ نورسات
"أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، يوم الجمعة المقبل 17 آذار مارس والسّبت 18 آذار مارس ستتجدّد في الكنيسة بأسرها مبادرة "24 ساعة للرّبّ": وقت مخصّص لصلاة العبادة ولسرِّ المصالحة. بعد ظهر يوم الجمعة، سأذهب إلى رعيّة في روما للاحتفال برتبة التّوبة. لسنة خلت، في هذا السّياق، قمنا بفعل تكريس لقلب مريم الطّاهر، وطلبنا عطيّة السّلام. لا ينقصنَّ أبدًا اتّكالنا على الرّبّ ولا يتزعزعنَّ أبدًا رجاؤنا! إنَّ الرّبّ يُصغي على الدّوام إلى الصّلوات الّتي يرفعها إليه شعبه بشفاعة الأمّ. لنبقَ متّحدين في الإيمان والتّضامن مع إخوتنا الّذين يتألَّمون بسبب الحرب. ولا ننسينَّ بشكل خاصّ الشّعب الأوكرانيّ المُعذّب! أتمنى لكم جميعًا أحدًا مباركًا ومن فضلكم لا تنسوا أبدًا أن تصلّوا من أجلي!".

بهذه الكلمات، اختتم البابا فرنسيس كلمته عقب تلاوة صلاة التّبشير الملائكيّ مع المؤمنين المحتشدين في ساحة القدّيس بطرس، ظهر الأحد، مذكّرًا إيّاهم بمبادرة 24 ساعة للرّبّ، داعيًا إيّاهم إلى الاتّحاد بالإيمان والصّلاة من أجل المتألّمين بسبب الحرب.  

وكان الأب الأقدس قد تلا على مسامع المؤمنين كلمة روحيّة قبل الصّلاة، قال فيها بحسب "فاتيكان نيوز": "يقدّم لنا إنجيل هذا الأحد أحد أجمل وأروع لقاءات يسوع، اللّقاء مع المرأة السّامريّة. توقّف يسوع وتلاميذه بالقرب من بئر في السّامرة. فجاءَتِ امرَأَةٌ مِنَ السَّامِرَةِ تَستَقي. فقالَ لَها يسوع: "اِسْقيني". أودّ أن أتوقّف عند هذا التّعبير: اسقيني.

يظهر لنا المشهد يسوع عطشانًا ومُتعبًا، يسمح لامرأة سامريّة بأن تجده عند بئر السّامرة عند الظّهيرة، ومثل متسوّل يطلب منها أن تُسقيه. إنّها صورة لتنازل الله: في يسوع صار الله واحدًا منّا؛ عطشان مثلنا ويعاني من الحرّ مثلنا. من خلال التّأمّل في هذا المشهد، يمكن لكلّ فرد منّا أن يقول: "الرّبّ، والمعلّم، ذلك الّذي يتكلّم يطلب منّي أن أُسقيه. وبالتّالي هو يعطش مثلي، ولديه عطشي. أنت قريب منّي حقًّا يا ربّ! أنت مُرتبط بفقرتي... لقد أخذتني من الأسفل، من أدنى مستوى في نفسي، حيث لا يستطيع أحد أن يصل إليّ. إنّ عطش يسوع في الواقع، ليس جسديًّا فحسب، وإنّما هو يعبّر عن أعمق عطش في حياتنا: إنّه العطش لحبّنا بشكل خاصّ. وسيظهر في ذروة الآلام على الصّليب؛ وهناك، قبل أن يموت، سيقول يسوع: "أنا عطشان".

لكن الرّبّ الّذي يطلب أن يشرب هو الّذي يعطينا لكي نشرب: ففي لقائه مع المرأة السّامريّة، يحدّثها عن ماء الرّوح القدس الحيّ، ومن الصّليب يفيض من جنبه المطعون بالحربة دم وماء. إنَّ يسوع، المتعطّش للحبّ، يروي عطشنا بالحبّ. ويفعل معنا مثلما فعل مع المرأة السّامريّة: يأتي للقائنا في حياتنا اليوميّة، ويشاركنا عطشنا، ويعدنا بالماء الحيّ الّذي يجعل الحياة الأبديّة تتفجّر فينا.

إسقيني. هناك جانب ثان. هذه الكلمات ليست فقط طلب يسوع من المرأة السّامريّة، ولكنّها أيضًا نداء- صامت أحيانًا- يرتفع إلينا كلّ يوم ويطلب منّا أن نعتني بعطش الآخرين. إسقني يقولها لنا الأشخاص المُتعطِّشين- في العائلة، في العمل وفي الأماكن الأخرى الّتي نتردّد عليها- للقرب، والاهتمام، والإصغاء؛ ويقولها لنا أيضًا الأشخاص الّذين يتعطّشون لكلمة الله ويحتاجون لأن يجدوا في الكنيسة واحة يستقون منها. إسقني هو نداء مجتمعنا، حيث تولّد السّرعة وسباق الاستهلاك واللّامبالاة الجفاف والفراغ الدّاخليّ. ولا ننسينَّ ذلك أبدًا، اسقني هو صرخة الكثير من الإخوة والأخوات الّذين يفتقرون إلى الماء لكي يعيشوا، بينما نستمرّ في تلويث وتشويه بيتنا المشترك؛ الّذي وإذ قد أنهك واستُنفِدَ هو عطشان أيضًا.  

أمام هذه التّحدّيات، يقدّم إنجيل اليوم لكلّ واحد منّا الماء الحيّ الّذي يمكنه أن يجعلنا مصدر انتعاش للآخرين. وعندها، مثل المرأة السّامريّة، الّتي تركت جرّتها عند البئر وذهبت لتدعو أهل المدينة، لن نفكّر نحن أيضًا في إرواء عطشنا وحسب، وإنّما بفرح لقائنا بالرّبّ يمكننا أن نروي عطش الآخرين، وسنكون قادرين على فهم عطشهم ومشاركتهم الحبّ الّذي منحنا الرّبّ إيّاه. يبادر إلى ذهني سؤال لي ولكم: هل نحن قادرين على فهم عطش الآخرين؟ عطش العديد من الأشخاص في عائلاتنا وأحيائنا؟ لذلك يمكننا اليوم أن نسأل أنفسنا: هل أنا متعطّش إلى الله، وهل أدرك أنّني بحاجة إلى محبّته مثل الماء لكي أحيا؟ ومن ثمَّ: هل أقلق لعطش الآخرين؟ لعطشهم الرّوحيّ والمادّيّ؟ لتشفع بنا العذراء مريم ولتعضدنا في مسيرتنا".