البابا فرنسيس: لا يمكننا اتّباع يسوع بواسطة الأفكار وإنّما يجب أن نكون فاعلين
يحدِّثنا الله اليوم عن الانتصار والهزيمة. وفي القراءة الأوّلى يقدِّم القدّيس يوحنا الإيمان كـ"الغلبة التي غلبت العالم" (راجع يوحنّا ٥، ٤) فيما ينقل إلينا الإنجيل قول يسوع: "مَن أَحَبَّ حياتَهُ فقَدَها" (يوحنّا ١٢، ٢٥). هذه هي الهزيمة: يخسر من يحبّ حياته. لماذا؟ بالتّأكيد ليس لأنّه ينبغي علينا أن نكره الحياة بل يجب أنّ نحبّها وندافع عنها لأنّها عطيّة الله الأوّلى؛ ولكن ما يحمل إلى الهزيمة هي المحبّة الأنانيّة لحياتنا أيّ أن نعيش لأنفسنا فنخسر.
علينا إذًا أنّ نختار: محبّة أو أنانيّة. إنَّ الأناني يفكّر فقط بالاعتناء بحياته ويتعلّق بالأشياء والمال. وحياة كهذه تنتهي بشكل سيء على الدّوام: فيبقى الإنسان وحده، يملأه الفراغ. تمامًا كما لو أن حبّة القمح التي يخبرنا عنها الإنجيل بقيت منغلقة على نفسها فتبقى وتموت تحت الأرض؛ أمّا إذا انفتحت وماتت فستنمو وتحمل ثمارًا. قد تقولون لي إنَّ بذل الذّات والحياة في سبيل الله والآخرين هما تعب بلا جدوى لأنَّ العالم لا يسير على هذا النّحو، إذ للسّير قدمًا لا تنفع حبوب القمح وإنّما المال والسّلطة. لكنَّ الله لا يمارس السّلطة ليحلَّ مشاكل عالمنا بل دربه هي على الدّوام درب الحبّ المتواضع: وحده الحبّ يحرِّر من الدّاخل ويمنح السّلام والفرح، ولذلك فالسّلطة الحقيقيّة بحسب الله هي الخدمة.
أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، نحن مدعوّون اليوم لنختار الجانب الذي نريد اتّخاذه: أن نعيش لأنفسنا أو أنّ نبذل حياتنا. وحده بذل الحياة يغلب الشّرّ، وهذا ما كان يعلِّمه الأبّ بينو: لم يكن يعيش لكي يراه النّاس ولا لكي يطلق نداءات ضدّ المافيا كما وأنّه لم يكتفِ بأنّه لم يكن يسبب الأذى لأحد بل كان يزرع الخير على الدّوام. لقد كان منطقه يبدو خاسرًا ولكنه كان محقًّا لأنَّ منطق الإله-المال هو الخاسر. لننظر إلى داخلنا. الإمتلاك يدفعنا على الدّوام لنرغب في المزيد وهذا إدمان سيّء. من يمتلئ بالأمور المادّيّة ينفجر أمّا من يُحبّ فيجد نفسه ويكتشف كم هي جميلة مساعدة الآخرين وخدمتهم ويجد الفرح الدّاخليّ والابتسامة الخارجيّة، تمامًا كالأبّ بينو.
ينتهي إنجيل اليوم بدعوة يسوع: "مَن أَرادَ أَن يَخدُمَني، فَليَتبَعني". فليتبعني أيّ لينطلق في المسيرة. لا يمكننا اتّباع يسوع بواسطة الأفكار وإنما يجب أن نكون فاعلين، وبهذا الصّدد كان الأبّ بينو يكرّر على الدّوام "إنّ فعل كلٌّ منّا شيئًا ما فسنتمكّن من فعل الكثير!". كم من الأشخاص بيننا يعيشون كلماته هذه؟ لنسأل اليوم أنفسنا أمامه: "ماذا يمكنني أن أفعل؟ ماذا يمكنني أن أفعل من أجل الآخرين وأجل الكنيسة؟". لا تنتظر الكنيسة لكي تفعل لك شيئًا بل ابدأ بنفسك. ولا تنتظر المجتمع بل ابدأ بنفسك! لا تفكّر بنفسك ولا تهرب من مسؤوليّاتك بل اختر الحبّ!
هكذا فعل الأبّ بينو، الفقير بين فقراء أرضه. لقد كان الكرسيّ في مكتبه مكسورًا، ولكنَّ الكرسيّ لم يكن محور حياته لأنّه لم يكن يجلس ليرتاح بل كان يعيش في مسيرة ليُحبّ. هذه هي الذُهنيّة الرّابحة. هذا هو انتصار الإيمان الذي يولد من بذل الذّات اليوميّ. هذا هو انتصار الإيمان الذي يحمل ابتسامة الله إلى دروب العالم. هذا هو انتصار الإيمان الذي يولد من عار الاستشهاد إذ "لَيسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعظمُ مِن أَن يَبذِلَ نَفَسَه في سَبيلِ أَحِبَّائِه". إنّ كلمات يسوع هذه المكتوبة على قبر الأبّ بوليزي تذكّرنا جميعًا بأنّ بذل الحياة كان سرُّ انتصاره، سرُّ حياة جميلة. ونحن نختار اليوم أيضًا حياة جميلة."