الفاتيكان
22 شباط 2021, 09:45

البابا فرنسيس: لا وجود للحوار أبدًا مع الشّيطان

تيلي لوميار/ نورسات
أطلّ البابا فرنسيس، ظهر الأحد، على المحتشدين في ساحة القدّيس بطرس، تاليًا معهم صلاة التّبشير الملائكيّ، متوجّهًا إليهم بكلمة روحيّة دعاهم فيها إلى التّفكير في الصّحراء "المكان الّذي يخاطب فيه الله قلب الإنسان وحيث يتدفّق جواب الصّلاة"، جازمًا أنّ الحوار مع الشّيطان أمر مستحيل، فقال بحسب "فاتيكان نيوز":

"يوم الأربعاء الماضي، مع رتبة الرّماد، بدأنا مسيرة الصّوم الكبير. واليوم، الأحد الأوّل من هذا الزّمن اللّيتورجيّ، ترشدنا كلمة الله إلى الدّرب لكي نعيش بأسلوب مثمر الأيّام الأربعين الّتي تقودنا إلى الاحتفال السّنويّ بعيد الفصح. إنّه الدّرب الّذي سلكه يسوع، والّذي لخّصه الإنجيل، بأسلوب الإنجيليّ مرقس الأساسيّ، بالقول إنّه قبل أن يبدأ بشارته، انفرد لأربعين يومًا في الصّحراء، حيث جرّبه الشّيطان. ويؤكّد الإنجيليّ أنّ "الرّوح أخرج يسوع إلى البرّيّة". لقد نزل عليه الرّوح القدس مباشرة بعد المعموديّة الّتي نالها من يوحنّا في نهر الأردنّ، والرّوح عينه يدفعه الآن للذّهاب إلى الصّحراء لكي يواجه المجرِّب. إنّ حياة يسوع بأكملها قد وُضعت تحت علامة روح الله، الّذي يحييها ويلهمها ويوجّهها.

لنفكّر في الصّحراء. لنتوقّف للحظة عن هذه البيئة الطّبيعيّة والرّمزيّة، المهمّة جدًّا في الكتاب المقدّس. الصّحراء هي المكان الّذي يخاطب فيه الله قلب الإنسان وحيث يتدفّق جواب الصّلاة. ولكنّه أيضًا مكان المحنة والتّجربة، حيث وإذ يستغلّ المجرِّب أيضًا الضّعف والاحتياجات البشريّة، يدسُّ صوته الكاذب، كبديل لصوت الله. في الواقع، خلال الأربعين يومًا الّتي عاشها يسوع في الصّحراء، بدأت "المبارزة" بين يسوع والشّيطان، الّتي تنتهي بالآلام والصّليب. إنّ خدمة المسيح بكاملها هي صراع ضدّ الشّرّير في مظاهره العديدة: شفاء الأمراض، طرد الأرواح الشّرّيرة، غفران الخطايا. بعد المرحلة الأولى الّتي أظهر فيها يسوع أنّه يتكلّم ويعمل بقوّة الله، يبدو أنّ الشّيطان قد غلب، عندما رُفض ابن الله وُترك، وفي النّهاية قُبض عليه وحُكم عليه بالموت. في الواقع- كما نعلم- كان الموت آخر "صحراء" وجب عليه عبورها من أجل التّغلّب على الشّيطان نهائيًّا وتحريرنا جميعًا من قوته.

كلّ سنة، في بداية الصّوم الكبير، يذكّرنا إنجيل تجارب يسوع في الصّحراء أنّ حياة المسيحيّ، هي على خطى الرّبّ، معركة ضدّ روح الشّرّ. يُظهر لنا أنّ يسوع قد واجه المجرّب طوعيًّا وغلبه؛ ويذكّرنا في الوقت عينه أنّ الشّيطان قد مُنح إمكانيّة التّصرّف فينا أيضًا بالإغراءات. وبالتّالي علينا أن ندرك حضور هذا العدوّ الماكر، الّذي يريد هلاكنا الأبديّ، وفشلنا، وأن نستعدَّ للدّفاع عن أنفسنا ضدّه ومحاربته. تؤكّد لنا نعمة الله، بالإيمان والصّلاة والتّوبة، الانتصار على العدوّ. لكنّني أرغب في أن أسلِّط الضّوء على أمر: في تجاربه لم يحاور يسوع الشّيطان أبدًا، كذلك في حياته لم يحاوره أيضًا إمّا كان يطرده من الممسوسين أو يُظهر خبثه ولكنّه لم يحاوره أبدًا. وفي الصّحراء يبدو لنا أنّ كان هناك حوار لأنّ الشّيطان قدّم له ثلاثة اقتراحات ويسوع قد أجاب ولكنّه لم يُجب بكلماته، وإنّما أجاب بكلمات الله بثلاثة مقاطع من الكتاب المقدّس. وهذا الأمر يصلح لنا جميعًا. ضعوا على الدّوام هذا الأمر في قلوبكم وأذهانكم: لا وجود للحوار أبدًا مع الشّيطان، إنّه أمر مستحيل.

في زمن الصّوم الكبير، يحثّنا الرّوح القدس أيضًا، على مثال يسوع، لكي ندخل الصّحراء. لقد رأينا أنّ الأمر لا يتعلّق بمكان مادّيّ، وإنّما بالبعد الوجوديّ الّذي ينبغي علينا فيه أن نصمت، ونصغي إلى كلمة الله، لكي يتمّ فينا الارتداد الحقيقيّ. نحن مدعوّون لكي نسير في دروب الله، ونجدِّد وعود معموديّتنا: وننبذ الشّيطان وجميع أعماله وجميع إغراءاته. لنوكل أنفسنا لشفاعة مريم العذراء الوالديّة".

بعد صلاة التّبشير، ذكّر البابا فرنسيس بظهورات يسوع للقدّيسة فوستينا كوفالسكا، فقال: "أحيّي بشكل خاصّ المؤمنين البولنديّين الموجودين هنا في المقدّمة. يتوجّه فكري اليوم إلى مزار Płock في بولندا حيث أظهر الرّبّ يسوع نفسه لتسعين سنة خلت للقدّيسة فوستينا كوفالسكا، وأوكل إليها رسالة خاصّة للرّحمة الإلهيّة. من خلال القدّيس يوحنّا بولس الثّاني وصلت هذه الرّسالة إلى العالم أجمع، وهي ليست سوى إنجيل يسوع المسيح الّذي مات وقام من بين الأموات وهو الّذي يمنحنا رحمة الآب. لنفتح قلوبنا ولنقل له بإيمان: "يا يسوع أنا أثق بك". ومن فضلكم لا تنسوا أن تصلّوا من أجلي."