الفاتيكان
21 آذار 2022, 09:45

البابا فرنسيس: لا ننسينّ أبدًا أنّ الحرب وحشيّة وغير إنسانيّة ومدنّسة

تيلي لوميار/ نورسات
"أناشد الجهات الفاعلة في المجتمع الدّوليّ لكي تلتزم حقًّا بإنهاء هذه الحرب البغيضة"، قال البابا فرنسيس أمس الأحد بعد صلاة التّبشير الملائكيّ، مجدّدًا نداءه من أجل وقف "العدوان العنيف على أوكرانيا"، واصفًا إيّاها بـ"مذبحة لا معنى لها حيث تتكرّر الفظائع يوميًّا. ولا يوجد مبرّر لذلك."

وتابع البابا في هذا السّياق قائلاً بحسب "فاتيكان نيوز": "هذا الأسبوع أيضًا سقطت صواريخ وقنابل على مدنيّين ومسنّين وأطفال وحوامل. لقد ذهبت لرؤية الأطفال الجرحى الموجودين هنا في روما. فقد أحدهما ذراعه والآخر أصيب في رأسه... إنّهم أطفال أبرياء. أفكّر في ملايين اللّاجئين الأوكرانيّين الّذين اضطرّوا إلى الهرب تاركين وراءهم كلّ شيء وأشعر بألم شديد للّذين ليس لديهم حتّى إمكانيّة الهروب. إنَّ العديد من الأجداد، المرضى والفقراء، المنفصلين عن عائلاتهم، والعديد من الأطفال والأشخاص الضّعفاء لا زالوا يموتون تحت القصف، دون أن يتمكّنوا من الحصول على المساعدة ودون أن يجدوا الأمان حتّى في ملاجئ الغارات الجوّيّة. هذا كلّه غير إنسانيّ! بل هو أيضًا تدنيس لأنّه يتعارض مع قدسيّة الحياة البشريّة، ولاسيّما ضدّ الحياة البشريّة العزلاء، الّتي يجب احترامها وحمايتها، وليس القضاء عليها، والّتي تأتي قبل أيّ استراتيجيّة! لا ننسينَّ أبدًا: إنّها وحشيّة وغير إنسانيّة ومُدنِّسة. لنصلِّ بصمت من أجل الّذين يتألّمون.

يعزّيني أن أعرف أنّ الأشخاص الّذين لا زالوا تحت القصف لا ينقصهم قرب الرّعاة، الّذين يعيشون في هذه الأيّام المأساويّة إنجيل المحبّة والأخوَّة. لقد اتّصلت خلال هذه الأيّام بالبعض منهم، وعرفت مدى قربهم من شعب الله. شكرًا لكم، أيّها الإخوة الأعزّاء، وأيّتها الأخوات الأعزّاء، على هذه الشّهادة وعلى الدّعم الملموس الّذي تقدّمونه بشجاعة للعديد من الأشخاص اليائسين! أفكّر أيضًا في السّفير البابويّ، الّذي تمّ تعيينه حديثًا، المطران فيسفالداس كولبوكاس، الّذي بقي منذ بداية الحرب في كييف مع مساعديه، والّذي بحضوره يجعلني قريبًا كلّ يوم من الشّعب الأوكرانيّ المعذّب. لنكن قريبين من هذا الشّعب المعذّب، ولنعانقه بالمحبّة والالتزام الملموس والصّلاة. ورجاء، لا نعتدنَ أبدًا على الحرب والعنف، ولا نتعبنَّ من أن نستقبل بسخاء، كما نحن فاعلون: ليس فقط الآن، في حالة الطّوارئ، وإنّما أيضًا في الأسابيع والأشهر القادمة. لأنّكم تعلمون أنّنا في المرحلة الأولى، نبذل جميعًا قصارى جهدنا للاستقبال، ولكن بعد ذلك، تُبرّد العادة قلوبنا قليلاً وننسى. لنفكّر في هؤلاء الأطفال، وهؤلاء النّساء اللّواتي ومع مرور الوقت إذ انفصلنَ عن أزواجهنّ وهنَّ بدون عمل، سوف تبحث عنهنَّ نسور المجتمع. لنحميهنَّ من فضلكم.

أدعو كلّ جماعة وكلّ مؤمن للانضمام إليّ يوم الجمعة 25 آذار مارس، عيد بشارة العذراء مريم، في فعل تكريس البشريّة، ولاسيّما روسيا وأوكرانيا، لقلب مريم العذراء الطّاهر، لكي تنال لنا هي ملكة السّلام، السّلام للعالم."

وقبيل الصّلاة، ألقى البابا كلمة قال فيها: "نحن في قلب مسيرة الصّوم، واليوم يقدّم لنا الإنجيل يسوع وهو يعلّق على بعض الأحداث الّتي حصلت. وبينما كانت لا تزال حيّة ذكرى ثمانية عشر شخصًا ماتوا تحت انهيار أحد الأبراج، أخبروه عن بعض الجليليّين الّذين قتلهم بيلاطس. وهناك سؤال يبدو أنّه يصاحب هذه الأخبار المأساويّة: من المسؤول عن هذه الأحداث الفظيعة؟ ربّما كان هؤلاء مذنبين أكثر من غيرهم ولذلك عاقبهم الله؟ إنّها أسئلة آنيّة على الدّوام. عندما تُثقِّل علينا أخبار الجريمة ونشعر بالعجز إزاء الشّرّ، نسأل أنفسنا غالبًا: هل هو ربّما عقاب من الله؟ هل هو الّذي يرسل حربًا أو جائحة ليعاقبنا على خطايانا؟ ولماذا لا يتدخّل الرّبّ؟

علينا أن نكون حذرين: عندما يُثقِّل علينا الشّرّ، نواجه خطر أن نفقد الوضوح في الرّؤية والتّفكير، ولكي نجد إجابة سهلة لما لا يمكننا تفسيره، ينتهي بنا الأمر بإلقاء اللّوم على الله. كم من مرّة ننسب مصائبنا ومصائب العالم إلى الله، هو الّذي يتركنا أحرارًا على الدّوام وبالتّالي لا يتدخّل أبدًا بفرض نفسه، وإنّما فقط من خلال اقتراح نفسه؛ هو الّذي لا يستخدم العنف أبدًا، بل يتألّم لأجلنا ومعنا! إنَّ يسوع، في الواقع، يرفض ويناقش بشدّة فكرة أن نُسند شرورنا إلى الله: أولئك الأشخاص الّذين قتلوا والّذين ماتوا تحت البرج لم يكونوا مذنبين أكثر من الآخرين وليسوا ضحايا لإله طاغية وانتقاميّ، وغير موجود! لا يمكن للشّرِّ أن يأتي أبدًا من الله لأنّه "لا يعاملنا بحسب خطايانا"، بل بحسب رحمته.

وبدلاً من أن نلوم الله، يقول لنا يسوع، إنّه علينا أن ننظر إلى داخلنا: لأنَّ الخطيئة هي الّتي تسبّب الموت؛ وأنانيّتنا هي الّتي تمزّق العلاقات؛ وخياراتنا الخاطئة والعنيفة هي الّتي تطلق العنان للشّرّ. عند هذه النّقطة يقدّم لنا الرّبّ الحلّ الحقيقيّ، الارتداد: "إِن لَم تَتوبوا– يقول– تَهِلكوا بِأَجمَعِكُم كَذَلِك". إنّها دعوة مُلحّة، لاسيّما في زمن الصّوم هذا. لنقبلها بقلب مفتوح. ولنتحوّل عن الشّرّ، ونتخلّى عن الخطيئة الّتي تغرينا، ولننفتح على منطق الإنجيل: لأنّه حيث يسود الحبّ والأخوَّة، لا يعود للشّرّ قوّة!

ولكنَّ يسوع يعلم أنّ الارتداد ليس أمرًا سهلاً، وأنّنا كثيرًا ما نرتكب الأخطاء والخطايا عينها، فنشعر بالإحباط ويبدو لنا أنّ التزامنا بالخير لا فائدة منه في عالم يبدو أنّ الشّرّ يسود فيه. وبالتّالي، وبعد ندائه، يشجّعنا بمَثَلٍ يخبرنا عن صبر الله تجاهنا. ويقدّم لنا الصّورة المعزيّة لشجرة تين لم تُثمر في الفترة المحدّدة، ولكنّها لم تُقطع: بل مُنحت المزيد من الوقت، وفرصة أخرى. هكذا يفعل الرّبّ معنا: فهو لا يفصلنا عن محبّته، ولا ييأس، ولا يملّ من منحنا ثقته مجدّدًا وبحنان. أيّها الإخوة والأخوات إنَّ الله يؤمن بنا! ويثق بنا ويرافقنا بصبر. هو لا يفقد عزيمته، بل يضع فينا رجاءه مجدّدًا على الدّوام. الله هو أب وينظر إليك كأب: وكأفضل الآباء، هو لا يرى النّتائج الّتي لم تحقّقها بعد، وإنّما الثّمار الّتي ما زال بإمكانك أن تحملها؛ فهو لا يأخذ نواقصك بعين الاعتبار، ولكنّه يشجّع إمكانيّاتك؛ هو لا يتوقّف عند ماضيك، بل يراهن بثقة على مستقبلك.

لنطلب إذًا من العذراء مريم أن تبعث فينا الرّجاء والشّجاعة، وأن تشعل فينا الرّغبة في الارتداد."