الفاتيكان
14 آذار 2022, 12:50

البابا فرنسيس: لا نتعبنَّ من أن نكون خميرة أخوّة للكنيسة وللعالم

تيلي لوميار/ نورسات
بمناسبة السّنة الإغناطيّة والذّكرى المئويّة الرّابعة لإعلان قداسة القدّيس إغناطيوس دي لويولا والقدّيس فرنسيس كسفاريوس والقدّيسة تريزيا الأفيليّة والقديس إيزيدورو لابرادور والقدّيس فيليبو نيري، وبحضور البابا فرنسيس، ترأّس الرّئيسّ العامّ للرّهبانيّة اليسوعيّة الأب أرتورو سوزا عصر السّبت، القدّاس الإلهيّ في كنيسة الرّهبنّة اليسوعية في روما.

وللمناسبة ألقى الأب الأقدس عظة قال فيها بحسب "فاتيكان نيوز": "يخبرنا إنجيل التّجلّي الّذي سمعناه عن أربعة أفعال ليسوع، وسيفيدنا أن نتبع ما يقوم به الرّبّ، لكي نجد في تصرّفاته الإرشادات لمسيرتنا.

الفعل الأوّل هو أخذ معه: يقول النّصّ "مَضى يسوع بِبُطرسَ ويوحنَّا ويعقوبَ". هو الّذي يأخذ التّلاميذ، وهو الّذي أخذنا إلى جانبه: لقد أحبّنا واختارنا ودعانا. في البداية هناك سرّ النّعمة والاختيار. أوّلاً لسنا نحن الّذين اتّخذنا القرار، ولكنّه هو من دعانا، بدون استحقاق. وبالتّالي قبل أن نكون أولئك الّذين جعلوا من حياتهم عطيّة، نحن الّذين قد نالوا عطيّة مجّانيّة. تحتاج مسيرتنا، أيّها الإخوة، أن تبدأ يوميًّا من هنا، من النّعمة الأصليّة. لقد فعل يسوع معنا كما فعل مع بطرس ويعقوب ويوحنّا: دعانا بأسمائنا ومضى بنا. إلى أين؟ إلى جبله المقدّس، حيث يرانا منذ الآن معه إلى الأبد، وقد حوّلتنا محبّته. وهناك تقودنا النّعمة. لذلك، عندما نشعر بالمرارة وخيبة الأمل، وعندما نشعر بأنّ هناك من قلّل من شأننا أو أساء فهمنا، لا نَضيعَنَّ في الأسف والحنين إلى الماضي. إنّها تجارب تشل المسيرة، ودروب لا تقود إلى أيّ مكان. ولكن لنمسك حياتنا بأيدينا انطلاقًا من النّعمة، ولنقبل هبة أن نعيش كلَّ يوم كجزء من الدّرب نحو الهدف.

أخذ معه بطرس ويعقوب ويوحنّا: لقد أخذ الرّبّ التّلاميذ معًا، أخذهم كجماعة. إنَّ دعوتنا متجذّرة في الشّركة. ولكي ننطلق مجدّدًا كلّ يوم، بالإضافة إلى سرّ اختيارنا، علينا أن نعيد إحياء نعمة أنّنا قد أُخذنا في الكنيسة، أمّنا المقدّسة، ومن أجل الكنيسة، عروستنا. نحن ليسوع، ونحن كذلك كرهبانيّة. فلا نتعبنَّ إذًا من أن نطلب القوّة لكي نبني الشّركة ونحافظ عليها، ومن أن نكون خميرة أخوّة للكنيسة وللعالم. نحن لسنا عازفين منفردين يبحثون عمّن يُصغي إليهم، ولكنّنا إخوة في جوقة. لنشعر مع الكنيسة، ولنرفض تجربة السّعي وراء النّجاحات الشّخصيّة والتّحالفات. ولا نسمحنَّ بأن ننجرف في الإكليروسيّة الّتي تجعلنا نتصلّب والأيديولوجيّات الّتي تُقسِّم. إنَّ القدّيسين الّذين نذكرهم اليوم كانوا أعمدة الشّركة. ويذكّروننا أنّنا مدعوّين في السّماء، على الرّغم من تنوّع شخصيّاتنا ووجهات نظرنا، لنكون معًا. وإذا كنّا سنكون متّحدين إلى الأبد هناك، فلماذا لا نبدأ منذ الآن من هنا؟ لنقبل جمال أنّ يسوع قد أخذنا معًا!

الفعل الثّاني هو: صعد. صعد يسوع الجبل. إنَّ درب يسوع ليس نزولاً، إنّه صعود. ونور التّجلّي لا يصل في السّهل، وإنّما بعد مسيرة متعبة. وبالتّالي لكي نتبع يسوع، علينا إذًا أن نترك سهول الضّحالة ومنحدرات الرّاحة؛ علينا أن نترك عاداتنا الآمنة لكي نقوم بحركة خروج. في الواقع، بعد أن صعد يسوع إلى الجبل، تحدّث مع موسى وإيليّا "على رَحيلِه الَّذي سَيتِمُّ في أُورَشَليم". إنَّ موسى وإيليّا قد صعدا إلى جبل سيناء أو جبل حوريب بعد خروجَين في الصّحراء؛ والآن هما يتحدّثان مع يسوع عن رحيله النّهائيّ، أيّ عن فصحه. أيّها الإخوة، وحده صعود الصّليب يؤدّي إلى هدف المجد. هذا هو الطّريق: من الصّليب إلى المجد. إنَّ التّجربة الدّنيويّة هي طلب المجد دون العبور بالصّليب. نحن نريد دروبًا معروفة ومستقيمة ومستوية، ولكن لكي نجد نور يسوع علينا أن نخرج باستمرار من ذواتنا ونصعد خلفه. فالرّبّ الّذي، كما سمعنا، منذ البداية قد "أخرج" إبراهيم، يدعونا نحن أيضًا لكي نخرج ونصعد.

بالنّسبة لنا نحن اليسوعيّين، يتبع الخروج والصّعود مسارًا محدّدًا يرمز إليه الجبل بشكل جيّد. في الكتاب المقدّس، تُمثّل قمّم الجبال الحدّ بين الأرض والسّماء. ونحن مدعوّون لكي نخرج ونذهب إلى هناك، إلى الحدود بين الأرض والسّماء، حيث "يواجه" الإنسان الله بصعوبة؛ لكي نشاركه بحثه غير المريح وشكّه الدّينيّ. يجب أن نكون هناك ولكي نفعل ذلك نحتاج أن نخرج ونصعد. فيما يريد عدوّ الطّبيعة البشريّة أن يقنعنا بأن نعود دائمًا إلى الخطوات عينها، خطوات التّكرار العقيم، والرّاحة، وما قد رأيناه في السّابق، يقترح الرّوح القدس علينا الانفتاح ويمنحنا السّلام دون أن يتركنا أبدًا بسلام لأنّه يرسل التّلاميذ إلى أقصى الحدود. لنفكّر بالقدّيس فرنسيس كسفاريوس.

يجد تلميذ يسوع في كلِّ زمن نفسه عند مفترق طرق. ويمكنه أن يفعل مثل بطرس، الّذي بينما كان يسوع يتكلّم عن الخروج، قال: "حَسَنٌ أَن نَكونَ ههُنا". هناك على الدّوام خطر وجود إيمان جامد و"متوقّف". الخطر هو أن نعتبر أنفسنا تلاميذًا "صالحين"، ولكنّنا في الواقع لا نتبع يسوع بل نبقى جامدين وخاملين، مثل التّلاميذ الثّلاثة في الإنجيل، الّذين وبدون أن يُدركوا أَثقَلَهُمُ النُّعاس. حتّى في الجتسماني، نام هؤلاء التّلاميذ أيضًا. أيّها الإخوة، بالنّسبة للّذين يتبعون يسوع، هذا ليس الوقت المناسب لكي ننام ونسمح لأرواحنا بأن تتبنّج، ونسمح للجوِّ الاستهلاكيّ وفردانيّة اليوم بأن يخدّراننا، فتكون الحياة على ما يرام إذا كانت جيّدة بالنّسبة لي؛ ونتكلّم ونُنظِّر، لكنّنا نغفل عن جسد الإخوة، جوهر الإنجيل. إنّ أحد مآسي عصرنا هو إغلاق أعيننا عن الواقع والالتفات إلى الجهة الأخرى. لتساعدنا القدّيسة تريزيا الأفيليّة لكي نخرج من ذواتنا ونصعد الجبل مع يسوع، لنتنبّه أنّه يُظهر نفسه أيضًا من خلال جراح الإخوة، وتعب البشريّة، وعلامات الأزمنة.

صعد يسوع إلى الجبل، كما يقول الإنجيل، "ليصلّي". وهذا هو الفعل الثّالث، الصّلاة. و"بَينَما هو يُصَلِّي،- يتابع النّصّ– تَبَدَّلَ مَنظَرُ وَجهه". إنَّ التّجلّي يولد من الصّلاة. لنسأل أنفسنا، ربّما بعد سنوات عديدة من الخدمة الكهنوتيّة، ما هي الصّلاة بالنّسبة لنا اليوم. ربّما قد دفعتنا قوّة العادة ورتابة معيّنة إلى الاعتقاد بأنّ الصّلاة لا تغيّر الإنسان والتّاريخ. لكنَّ، الصّلاة هي تغيير الواقع. إنّها رسالة فاعلة، وشفاعة مستمرّة. إنّها ليست ابتعاد عن العالم، بل هي تغيير العالم. الصّلاة هي أن نحمل نبضات الأحداث إلى الله لكي يُشرّع نظره على التّاريخ.

من الجيّد أن نسأل أنفسنا ما إذا كانت الصّلاة تغمرنا في هذا التّحوّل. وإذا كانت تلقي نورًا جديدًا على الأشخاص وتغيّر الأوضاع. لأنّه إذا كانت الصّلاة حيّة، و"تنبعث من الدّاخل"، فهي ستُنعش نار الرّسالة، وتعيد إحياء الفرح، وستحُثّنا على الدّوام لكي نسمح لصرخة ألم العالم بأن تُقلقنا. لنسأل أنفسنا كيف نحمل في صلاتنا الحرب الدّائرة. ولنفكّر في صلاة القدّيس فيليبو نيري، الّتي كانت توسِّع قلبه وتجعله يفتح الأبواب لأطفال الشّوارع. أو بالقدّيس إيزيدورو، الّذي كان يصلّي في الحقول ويحمل الأعمال الزّراعيّة في الصّلاة.

أن نمسك بيدنا يوميًّا دعوتنا الشّخصيّة وتاريخنا الجماعيّ، ونصعد نحو الحدود الّتي أشار إليها الله بالخروج من ذواتنا؛ ونصلّي لتغيير العالم الّذي نعيش فيه. وهناك في الختام الفعل الرّابع، الّذي يظهر في الآية الأخيرة من إنجيل اليوم: "بَقِيَ يَسوعُ وَحدَهُ". بقي هو، بينما زال كلُّ شيء فيما كان يتردّد صدى "وصيّة" الآب: "لَه اسمَعوا". ينتهي الإنجيل مُعيدًا إيّانا إلى الجوهريّ. غالبًا ما نتعرّض في الكنيسة وفي العالم، في الرّوحانيّات كما في المجتمع، لتجربة أن نجعل الكثير من الاحتياجات الثّانويّة أوليَّة. بمعنى آخر، نجازف بالتّركيز على العادات والتّقاليد الّتي تثبت القلب على ما يزول وتجعلنا ننسى ما يبقى. كم هو مهمٌّ أن نعمل على قلوبنا لكي تعرف كيف تميّز ما هو بحسب الله، ويبقى، ممّا هو بحسب العالم، ويزول!

أيّها الإخوة الأعزّاء، ليساعدنا أبانا القدّيس إغناطيوس لكي نحافظ على التّمييز، ميراثنا الثّمين، والكنز الآنيّ على الدّوام الّذي علينا أن نفيضه على الكنيسة والعالم. فهو يسمح لنا بأن نرى جميع الأشياء جديدة في المسيح. إنّه أمر جوهريّ بالنّسبة لنا وللكنيسة، لأنّه وكما كتب بيترو فافر، "لنصنع كلّ الخير الّذي يمكننا أن نحقّقه ونفكّر به أو ننظّمه بروح صالح وليس بروح شرّير".