أوروبا
06 أيار 2019, 05:53

البابا فرنسيس: لا تخافوا من أن تكونوا القدّيسين الّذين تحتاجهم هذه الأرض

ترأّس البابا فرنسيس عصر الأحد، في باحة الملك ألكسندر الأوّل في صوفيا- بلغاريا، القدّاس الإلهيّ حيث كانت له عظة قال فيها بحسب "فاتيكان نيوز":

 

"أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، المسيح قام! رائعة هي التّحيّة الّتي يتبادل من خلالها المسيحيّون في بلدكم فرح القائم من الموت في هذا الزّمن الفصحيّ. إنَّ الحدث الّذي سمعناه، يسمح لنا بالدّخول بهذا الفرح الّذي يدعونا الرّبّ لننقله للآخرين ويذكِّرنا بثلاثة حقائق رائعة تطبع حياتنا كتلاميذ: الله يدعو، الله يفاجئ والله يحبّ.

الله يدعو. كلّ شيء يحدث عن شاطئ بحيرة الجليل، حيث كان يسوع قد دعا بطرس. كان قد دعاه ليترك مهنته كصيّاد سمك ليصبح صيّاد بشر. والآن بعد كلِّ المسيرة وبعد خبرة رؤية موت المعلّم وبالرّغم من إعلان قيامته، يعود بطرس إلى حياته الأولى: "أَنا ذاهِبٌ لِلصَّيد" قال للآخرين، فقالوا له: "ونَحنُ نَذهَبُ معَكَ". يبدو أنّهم يقومون بخطوة إلى الوراء. لقد أصبح ثقل الألم وخيبة الأمل والخيانة حتّى، حجرًا يصعب إزالته عن قلب التّلاميذ. إنَّ الرّبّ يعرف كم هي قويّة بالنّسبة لنا تجربة العودة إلى الأمور السّابقة. إزاء خبرات الفشل والألم وحتّى إزاء واقع أنَّ الأمور ليست كما كنّا نتوقَّع، تظهر على الدّوام التّجربة الخفيّة والخطيرة الّتي تدعو إلى الإحباط والاستسلام. إنّها سيكولوجيا القبر الّتي تستقي كلَّ شيء من الاستسلام وتجعلنا نتعلّق بحزن مرير يفسد كالعثِّ كلَّ رجاء.

لكن هناك بالذّات، في فشل بطرس، يصل يسوع ويبدأ من جديد ويخرج بصبر للقائه ويقول له: "يا سِمْعانُ": اسمه قبل الدّعوة. إنَّ الرّبّ لا ينتظر أوضاعًا أو حالات نفسيّة مثاليّة بل يخلقها. لا يتوقّع أن يلتقي بأشخاص بدون مشاكل ويأس وخطايا ومحدوديّة. فقد واجه هو نفسه الخطيئة واليأس ليذهب للقاء كلّ كائن حيّ ويدعوه للسّير. أيّها الإخوة إنَّ الرّبّ لا يتعب أبدًا من دعوتنا. إنّه قوة الحبّ الّتي قلبت كلَّ انتظار وتعرف كيف تبدأ من جديد. بيسوع يسعى الله لأن يعطي إمكانيّة على الدوام: يدعونا يوميًّا لنعيش مجدّدًا قصّة حبّنا معه. في كلِّ صباح يبحث عنّا حيث نكون ويدعونا للنّهوض، وللقيامة على كلمته والنّظر إلى الأعلى والإيمان بأنّنا قد خُلقنا للسّماء وليس للأرض؛ لسموّ الحياة وليس لوضاعة الموت: لِماذا تَبحَثون عن الحَيِّ بَينَ الأَموات؟

الله يفاجئ. إنّه ربّ المفاجآت الّذي لا يدعونا إلى الدّهشة وحسب، وإنّما لنحقّق أيضًا أمورًا مُدهشة. الرّبّ يدعو، وعندما وجد التّلاميذ مع الشّباك الفارغة واقترح عليهم أمرًا غير اعتياديّ: أن يصطادوا في النّهار، أمرٌ غريب على تلك البحيرة. أعاد إليهم الثّقة وحرّكهم ودفعهم لكي يخاطروا مجدّدًا. إنّه ربّ المفاجآت الّذي يكسر الانغلاق الّذي يشلّ ويعيد الشّجاعة القادرة على تخطّي الشّكّ وغياب الثّقة والخوف. الله يفاجئ عندما يدعو ويطلب أن نلقي لا الشّباك وحسب وإنّما أنفسنا أيضًا في عرض التّاريخ وأن ننظر إلى الحياة والآخرين وإلى أنفسنا أيضًا بعينيه.

نصل هكذا إلى اليقين الثّالث. الله يدعو، والله يفاجئ لأنّه يحبّ، والحبّ هو لغته. لذلك يطلب من بطرس ومنّا أن ننسجم مع لغته: "أتحبّني؟". لقد قبل بطرس الدّعوة وبعد الوقت الّذي قضاه مع يسوع فهم أنّ الحبّ يعني ألّا نكون في المحور، وبالتّالي هو لم يعد ينطلق من نفسه وإنّما من يسوع ويجيب: "أَنتَ تَعلَمُ كُلَّ شَيء". يعترف بأنّه ضعيف ويفهم أنّه لا يمكنه المضيّ قدمًا بقواه وحسب؛ ويتّكل على الرّبّ وعلى قوّة محبّته حتّى النّهاية. هذه هي قوّتنا الّتي نُدعى يوميًّا لنجدِّدها: الرّبّ يحبّنا. أن نكون مسيحيّين هي دعوة لنثق بأنَّ محبّة الله هي أكبر من كلّ محدوديّة وخطيئة.

هذه هي معجزة الله الّتي تحوّل حياتنا إلى تحفة فنّيّة إن سمحنا لمحبّته أن تقودنا. إنّ الكثير من شهود الفصح في هذه الأرض المباركة قد قاموا بأعمال عظيمة يلهمها إيمان بسيط ومحبّة كبيرة. وبتقديم حياتهم شكّلوا علامات حيّة للرّبّ وعرفوا أن يتخطّوا اللّامبالاة بشجاعة ويقدّموا جوابًا مسيحيًّا على القلق الّذي كان يواجههم. واليوم نحن مدعوّون لننظر ونكتشف ما فعله الرّبّ في الماضي ليطلقنا معه نحو المستقبل، عالمين أنّه، في النّجاح وفي الأخطاء، سيعود دائمًا ويدعونا ويطلب منّا أن نلقي الشّباك. ما قلته للشّباب في الإرشاد الرّسوليّ الجديد الّذي كتبته، أرغب في قوله لكم أيضًا. الكنيسة الشّابّة لا لعمرها وإنّما لقوّة الرّوح القدس تدعونا لنشهد لمحبّة المسيح، محبّة تحثّنا وتحملنا لنكون مستعدّين للكفاح من أجل الخير العامّ، وخدّامًا للفقراء وروّادًا لثورة المحبّة والخدمة، قادرين على مقاومة أمراض الفردانيّة الاستهلاكيّة والسّطحيّة. فلا تخافوا من أن تكونوا القدّيسين الّذين تحتاجهم هذه الأرض، فالقداسة لن تسلبكم القوّة أو الحياة أو الفرح وإنّما على العكس لأنّكم ستبلغون مع أبناء هذه الأرض لتصبحوا ما حلم به الآب عندما خلقكم".