الفاتيكان
02 كانون الأول 2022, 14:50

البابا فرنسيس: لاهوت البابا بندكتس السّادس عشر ليس للماضي بل هو خصب للمستقبل

تيلي لوميار/ نورسات
ترأّس البابا فرنسيس، صباح الخميس، حفل تسليم مؤسّسة راتزينغر الفاتيكانيّة جائزتها السّنويّة والّتي سلّمها إلى الأب ميشال فيدو والبروفيسور جوزيف هاليفي هوروفيتز فايلر في قاعة كليمنتينا في القصر الرّسوليّ، ملقيّا كلمة قال فيها بحسب "فاتيكان نيوز":

"يسعدني أن أترأّس حفل تسليم الجائزة هذا العام أيضًا. كما تعلمون، هناك دائمًا لحظات لقاء شخصيّ وأخويّ مع البابا الفخريّ. كذلك، نشعر جميعًا بحضوره الرّوحيّ ومرافقته في الصّلاة من أجل الكنيسة بأكملها. لكن هذه المناسبة مهمّة لإعادة التّأكيد على أنّ مساهمة عمله اللّاهوتيّ وفكره بشكل عامّ لا تزال خصبة وفاعلة.

لقد احتفلنا مؤخّرًا بالذّكرى السّتّين لافتتاح المجمع الفاتيكانيّ الثّاني. وكما نعلم، شارك فيه بندكتس السّادس عشر شخصيًّا كخبير ولعب دورًا مهمًّا في ولادة بعض الوثائق؛ ثمّ دُعي لقيادة الجماعة الكنسيّة في تنفيذها، إلى جانب القدّيس يوحنّا بولس الثّاني ومن ثمَّ كراعٍ للكنيسة الجامعة. لقد ساعدنا على قراءة الوثائق المجمعيّة بعمق، مقترحًا علينا تفسيرًا للإصلاح والاستمراريّة. حتّى في الآونة الأخيرة، أراد أن يسلّط الضّوء على كيفيّة ممارسة المجمع لوظيفته الحاسمة بطريقة دائمة، إذ أعطانا التّوجيهات اللّازمة لإعادة صياغة السّؤال المركزيّ لطبيعة الكنيسة ورسالتها في عصرنا.

بالإضافة إلى التّعليم البابويّ للبابا بندكتس، تُقدَّم مساهماته اللّاهوتيّة مجدّدًا لكي نتأمّل بها بفضل نشر الأعمال الكاملة له، الّتي شارفت نسختها الألمانيّة الآن على الانتهاء، بينما تستمرّ اللّغات الأخرى في التّقدّم. تقدّم لنا هذه المساهمات أساسًا لاهوتيًّا متينًا لمسيرة الكنيسة: كنيسة "حيّة"، علّمنا أن نراها ونعيشها كشركة، وهي في مسيرة- في "سينودس"- يقودها روح الرّبّ، ومنفتحة دائمًا على رسالة إعلان الإنجيل وخدمة العالم الّذي تعيش فيه. في هذا المنظور تندرج خدمة مؤسّسة جوزيف راتزينغر الفاتيكانيّة- بندكتس السّادس عشر، في الاقتناع بأنّ سلطتها التّعليميّة وفكرها ليسا موجّهين نحو الماضي، وإنّما هما خصبان للمستقبل، ولتطبيق المجمع الفاتيكانيّ الثّاني وللحوار بين الكنيسة وعالم اليوم، في أكثر المجالات الآنيّة، مثل الإيكولوجيا المتكاملة، وحقوق الإنسان، واللّقاء بين الثّقافات المختلفة. أغتنم هذه الفرصة لكي أشجّع أيضًا التّعاون مع المؤسّسات الفاتيكانيّة مؤسّسة الطّوباويّ يوحنّا بولس الأوّل ومؤسّسة القدّيس يوحنّا بولس الثّاني، لكي يتمّ تعزيز ذكرى وحيويّة رسالة هؤلاء الأحبار الثّلاثة في اتّحاد الأهداف في الجماعة الكنسيّة.

نجتمع اليوم لتكريم اثنين من الشّخصيّات البارزة لعملهما المتميّز في مجالي الدّراسة والتّدريس. إنّهما حقلين مختلفين، لكن كلاهما قد عزّزهما جوزيف راتزينغر واعتبرهما ذات أهمّيّة حيويّة. الأب ميشال فيدو أستاذ في اللّاهوت المسيحيّ. في حياته المكرّسة للدّراسة والتّعليم، تعمّق بشكل خاصّ في أعمال آباء الكنائس الشّرقيّة والغربيّة، وتطوّر الكريستولوجيا على مرّ القرون. لكن نظرته لم تنغلق على الماضي. بل غذت معرفة تقليد الإيمان فيه فكرًا حيويًّا، عرف كيف يواجه أيضًا المواضيع الحاليّة في مجال المسكونيّة وفي مجال العلاقات مع الأديان الأخرى. فيه نعترف ونكرّم وريثًا جديرًا ومكمِّلًا للتّقليد العظيم للّاهوت الفرنسيّ، الّذي أعطى الكنيسة معلّمين مثل الأب هنري دي لوباك ومشاريع ثقافيّة صلبة وشجاعة مثل "les Sources Chrétiennes"، الّتي بدأ نشرها لثمانين سنة خلت. لولا مساهمة هذا اللّاهوت الفرنسيّ، لما كان ممكنًا غنى وعمق واتّساع التّأمّل الّذي تغذّى منه المجمع الفاتيكانيّ الثّاني، ولا بدّ لنا من أن نأمل أن يستمرّ في إعطاء ثمار من أجل تطبيقه على المدى الطّويل.

البروفيسور فايلر هو أوّل شخصيّة يهوديّة تُمنح جائزة راتزينغر، الّتي كانت تُمنح حتّى الآن لعلماء ينتمون إلى طوائف مسيحيّة مختلفة. أنا سعيد بذلك حقًّا. في مرحلة صعبة، تمَّ فيها التّشكيك في ذلك، أكّد البابا بندكتس بإصرار واعتزاز أنّه "منذ البداية، كان أحد أهداف عمله اللّاهوتيّ الشّخصيّ هو مقاسمة وتعزيز جميع خطوات المصالحة بين المسيحيّين واليهود الّتي تمَّ القيام بها منذ المجمع الفاتيكانيّ الثّاني". وقد تعدّدت المناسبات الّتي طبّق فيها هذه النّيّة خلال حبريّته، وليس هناك حاجة لتعدادها هنا. وقد تابعت في دوري على المنوال عينه، وبخطوات إضافيّة، بروح الحوار والصّداقة مع اليهود الّتي لطالما حرّكتني أثناء خدمتي في الأرجنتين. إنَّ الانسجام بين البابا الفخريّ والبروفيسور فايلر يتعلّق في مواضيع معيّنة ذات أهمّيّة جوهريّة: العلاقة بين الإيمان والعقل القانونيّ في العالم المعاصر؛ أزمة الوضعيّة القانونيّة والصّراعات النّاتجة عن الامتداد اللّامحدود للحقوق الفرديّة؛ الفهم الصّحيح لممارسة الحرّيّة الدّينيّة في ثقافة تميل إلى إبعاد الدّين إلى المجال الخاصّ. لطالما اعتبر البابا بندكتس هذه المواضيع مركزيّة في حوار الإيمان مع المجتمع المعاصر. ولم يجر البروفيسور فايلر دراسات معمّقة عنها فحسب، بل اتّخذ أيضًا مواقف شجاعة، حيث انتقل، عند الضّرورة، من المستوى الأكاديميّ إلى مستوى المناقشة- ويمكننا أن نقول التّمييز أيضًا- من أجل البحث عن إجماع على القيم الأساسيّة والتّغلّب على النّزاعات من أجل الخير العامّ. وبالتّالي فإنّ اتّحاد المؤمنين اليهود والمسيحيّين بهذا هو علامة رجاء عظيم.

إنّ هاتين الجائزتين، بالإضافة إلى كونهما تمثّلان تقديرًا مستحقًّا، هما تقدّمان مؤشّرًا على خطوط التزام ودراسة وحياة مهمّة، تثير إعجابنا وتطلب منّا أن نقترحها على انتباه الجميع. أُجدّد تهانيَّ للفائزَين وأتمنّى لهما كلّ التّوفيق للاستمرار في التزامهما. وأستمطر بركة الرّبّ عليهما، وعلى عائلتيهما وأصدقائهما، وعلى أعضاء ومؤيّدي مؤسّسة راتزينغر وعلى جميع الحاضرين. وأسألكم من فضلكم أن تصلّوا من أجلي."