الفاتيكان
12 كانون الأول 2018, 11:15

البابا فرنسيس: كيف يعزّينا الرّبّ؟

ترأّس البابا فرنسيس القدّاس الإلهيّ صباح الثّلاثاء في كابلة بيت القدّيسة مرتا في الفاتيكان. وفي عظته تحدّث البابا عن "تعزية الله في عالم محا كلمة حنان من مرادفاته"، وحثّ المؤمنين "على أن يسمحوا لله بأن يعزّيهم وألّا يقاوموه" بحسب ما أورد "فاتيكان نيوز".

 

إستهلّ البابا فرنسيس عظته قائلًا: "عَزُّوا عَزُّوا شَعبي يَقولُ إِلهُكم، خاطِبوا قَلبَ أُورَشَليم ونادوها بأَن قد تَمَّ تجَنُّدُها وَغُفِرَ إِثمُها وَاستَوفَت مِن يَدِ الرَّبِّ ضِعفَينِ عن جَميعِ خَطاياها"؛ وبالتالي هي تعزية خلاص، تعزية البشرى السّارة بأنّنا خُلِّصنا. وهذا ما يفعله المسيح القائم من الموت مع تلاميذه خلال الأيّام الأربعين بعد القيامة: هو يعزّيهم. ولكنّنا غالبًا ما لا نريد أن نخاطر ونقاوم التّعزية كما ولو كنا أكثر أمانًا في مياه المشاكل العكرة ونراهن على اليأس والمشاكل والهزيمة، وبالتّالي فيما يعمل الرّبّ معنا بقوّة يجد مقاومة كبيرة؛ ويمكننا رؤية هذا الأمر أيضًا مع الرّسل في صباح الفصح: "أريد أن ألمسه لأتأكّد!" وذلك خوفًا من هزيمة أخرى.

غالبًا ما نتعلّق بهذا التّشاؤم الرّوحيّ، عندما يقدّم إليَّ بعض الأهالي أطفالهم لأباركهم، يبدأ البعض منهم بالبكاء لدى رؤيتهم لي، لأنّهم إذ يرون ثوبي الأبيض يعودون بفكرهم فورًا إلى الطّبيب أو الممرضة اللذين قد منحاهم اللّقاح وبالتّالي يفكّرون: "لقاح آخر لا!!" وهذه هي حالنا نحن أيضًا لكن الرّبّ يقول: "عَزُّوا عَزُّوا شَعبي".

وكيف يعزّينا الرّبّ؟ بالحنان. إنّها لغة لا يعرفها أنبياء المصائب. إنّها كلمة تلغيها جميع الرّذائل التي تُبعدنا عن الرّبّ: رذائل إكليروسيّة، أو رذائل مسيحيّين فاترين لا يريدون أن يتحرّكوا... هؤلاء يخيفهم الحنان. يقول لنا النّبيّ أشعيا: "هُوَذا السَّيِّدُ الرَّبُّ يَأتي بِقُوَّة، وذِراعُه مُتَسَلِّطَة: هُوَذا جَزاؤُه معَه، وعَمَلَهُ قُدَّامَه؛ يَرْعى قَطيعَه كالرَّاعي يَجمَعُ الحُمْلانَ بِذِراعِه ويَحمِلُها في حِضنِه". هذا هو أسلوب الرّبّ في التّعزية: الحنان. إنَّ الحنان يعزّي؛ وعندما يبكي الطّفل تهدِّؤه أمّه بواسطة تصرّفات حنان؛ كلمة قد محاها عالم اليوم من مرادفاته ومعاجمه.

يدعونا الرّبّ لكي نسمح له بأن يعزّينا وهذا الأمر يساعدنا أيضًا في استعدادنا لعيد الميلاد. لقد طلبنا اليوم في صلاة الجماعة نعمة الفرح البسيط والصّادق، لكنّني أقول إنَّ التعزية هي الحالة الاعتياديّة للمسيحيّ، حتّى في الأوقات السّيئة: لقد كان الشّهداء يدخلون إلى الكولوسيوم منشدين، وشهداء اليوم – أفكّر بالعمال الأقباط الذين قتلوا على شاطئ ليبيا – ماتوا وهم يهتفون اسم يسوع؛ وبالتّالي هناك تعزية داخليّة وفرح حتّى عند لحظة الاستشهاد. لذلك على التّعزية أن تكون الحالة الاعتياديّة للمسيحيّ ولا أعني التّفاؤل، لأنّ التّفاؤل هو أمر آخر؛ أمّا التّعزية فهي إيجابيّة.

خلال الأوقات التي نتألّم فيها لا نشعر أبدًا بالتّعزية ولكن لا يمكن للمسيحيّ أن يفقد السّلام لأنّه عطيّة من الرّبّ الذي يمنحه للجميع حتّى في الأوقات السّيئة.

ودعا البابا المؤمنين في هذا الأسبوع الثّاني من الاستعداد للميلاد "لعدم الخوف وللسّماح لله بأن يعزّيهم ولتكن صلاتنا: "أعطني يا ربّ أن أستعدّ لعيد الميلاد بالسّلام: سلام القلب وسلام حضورك وسلام حنانك"، قد يقول لي أحدكم: "ولكنّني خاطئ!" – "نعم وماذا يقول لنا إنجيل اليوم؟" إنَّ الرّبّ يعزّي كالرّاعي، وإن أضاع أحد أبنائه يذهب بحثًا عنه تمامًا كذلك الرّجل الذي كان له مِائةُ خَروف فضَلَّ واحِدٌ مِنها، فترك التِّسعَةَ والتِّسعينَ في الجِبال، ومضى في طَلَبِ الضَّالّ. هكذا يتصرّف الله مع كلِّ فرد منّا. قد يقول أحدكم: "لكنني لا أريد السّلام، أنا أقاوم السّلام والتّعزية" ولكنّه على الباب يقرع لكي نفتح له قلوبنا ونسمح له بأن يعزينا وأن يحلّ السّلام في داخلنا؛ ويقوم بذلك بلطف: يقرع بحنان!