الفاتيكان
14 أيلول 2020, 08:45

البابا فرنسيس: كم من الحروب يمكننا تجنّبها لو كانت المغفرة والرّحمة أسلوب حياتنا!

تيلي لوميار/ نورسات
"لنوكل أنفسنا إلى شفاعة أمِّ الله ولتساعدنا لكي ندرك كم نحن مدينون لله، ولكي نتذكّر ذلك على الدوام فنفتح قلوبنا على الرحمة والصلاح" هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في كلمته قبل تلاوة صلاة التبشير الملائكي تلا البابا فرنسيس ظهر الأحد صلاة التّبشير الملائكيّ مع المؤمنين والحجّاج المحتشدين في ساحة القدّيس بطرس، وقبل الصّلاة ألقى الأب الأقدس كلمة قال فيها بحسب "فاتيكان نيوز":

"في المثل الّذي نقرؤه في إنجيل اليوم، مثل الملك الرّحيم، نجد لمرّتين هذا الطّلب: "أَمهِلني أُؤَدِّ لَكَ كُلَّ شَيء". في المرّة الأولى يقولها العبد الّذي عَلَيهِ عَشرَةُ آلافِ وَزنَة لسيّده، إنّه مبلغ كبير. أمّا المرّة الثّانية فيكرّرها عبدٌ آخر للسّيّد عينه، هو أيضًا كان مدينًا، ولكن ليس لسيّده وإنّما للعبد الّذي كان عليه ذلك الدّين الكبير. لكن دينه كان صغيرًا جدًّا.

جوهر المثل هو المغفرة الّتي أظهرها السّيّد إزاء العبد الّذي كان له عليه الدّين الأكبر. ويشدّد الإنجيليّ: "أَشفَقَ مَولى ذَلِكَ العَبد، وَأَطلقَهُ وَأَعفاهُ مِنَ الدَّين". دين كبير وبالتّالي، عفو كبير أيضًا! لكن ذلك العبد، بعد ذلك فورًا، أثبت أنّه بلا رحمة مع رفيقه، الّذي يدين له بمبلغ متواضع. لم يسمع له، بل هجم عليه وَأَلقاهُ في السِّجن، إِلى أَن يُؤَدِّيَ دَينَهُ. عرف السّيّد بذلك، وإذ شعر بالاستياء دعا الخادم الشّرّير وأدانه.

نجد في المثل موقفين مختلفين: موقف الله- الّذي يمثّله موقف السّيّد- وموقف الإنسان. في الموقف الإلهيّ سادت الرّحمة على العدالة، بينما اقتصر الموقف البشريّ على العدالة. يحثّنا يسوع لكي ننفتح بشجاعة على قوّة المغفرة لأنّه لا يمكن حلُّ كلّ شيء في الحياة بواسطة العدالة. هناك حاجة لتلك المحبّة الرّحيمة الّتي هي أيضًا أساس جواب الرّبّ على سؤال بطرس الّذي يسبق المثل: "يا رَبّ، كَم مَرَّةً يَخطَأُ إِلَيَّ أَخي وَأَغفِرَ لَهُ؟ أَسَبعَ مَرّات؟" فَقالَ لَهُ يَسوع: "لا أَقولُ لَكَ: سَبعَ مَرّات، بَل سَبعينَ مَرَّةً سَبعَ مَرّات". في لغة الكتاب المقدّس الرّمزيّة يعني هذا الأمر أنّنا مدعوّين لكي نغفر على الدّوام.

كم من المعاناة، وكم من الجراح، وكم من الحروب يمكننا تجنّبها، لو كانت المغفرة والرّحمة هما أسلوب حياتنا! من الضّروريّ أن نطبِّق المحبّة الرّحيمة في جميع العلاقات الإنسانيّة: بين الأزواج، بين الوالدِين والأبناء، داخل جماعاتنا وداخل المجتمع أيضًا والسّياسة. يساعدنا مثل اليوم لكي نفهم بالكامل معنى تلك الجملة الّتي نتلوها في صلاة الأبانا: "وأَعْفِنا مِمَّا علَينا فَقَد أَعْفَينا نَحْنُ أَيْضًا مَن لنا عَلَيه" (متّى 6، 12). هذه الكلمات تحتوي على حقيقة حاسمة. لا يمكننا أن ندّعي مغفرة الله لنا إن لم نمنح بدورنا مغفرتنا للقريب. إن لم نجتهد لكي نغفر ونحبّ فلن نُحبَّ ولن يُغفر لنا أيضًا.

لنوكل أنفسنا إلى شفاعة أمِّ الله ولتساعدنا لكي ندرك كم نحن مدينون لله، ولكي نتذكّر ذلك على الدّوام فنفتح قلوبنا على الرّحمة والصّلاح."

وبعد صلاة التّبشير، وجّه البابا نداء قال فيه: "خلال الأيّام الماضية اجتاحت سلسلة من الحرائق مخيّم موريا للّاجئين في جزيرة لسبوس، تاركة آلاف الأشخاص بلا مأوى. لا تزال حيّة في داخلي ذكرى زيارتي إلى هناك والنّداء الّذي أطلقته مع البطريرك المسكونيّ برتلماوس ورئيس أساقفة أثينا هيرونيموس من أجل ضمان استقبال إنسانيّ وكريم لنساء ورجال مهاجرين وللّاجئين وطالبي اللّجوء في أوروبا. أعبّر عن تضامني وقربي من جميع ضحايا هذه الأحداث المأساويّة.

في هذه الأسابيع أيضًا، نشهد في جميع أنحاء العالم على العديد من المظاهرات الشّعبيّة للاحتجاجات الّتي تعبّر عن القلق المتزايد للمجتمع المدنيّ في مواجهة المواقف السّياسيّة والاجتماعيّة الحرجة بشكل خاصّ. وفيما أحثّ المتظاهرين على تقديم طلباتهم بطريقة سلميّة، دون الاستسلام لتجربة العداوة والعنف، أناشد جميع الّذين لديهم مسؤوليّات عامّة وحكوميّة أن يصغوا إلى صوت مواطنيهم وأن يجيبوا على تطلّعاتهم العادلة من خلال ضمان الاحترام الكامل لحقوق الإنسان والحرّيّات المدنيّة. ختامًا، أدعو الجماعات الكنسيّة الّتي تعيش في مثل هذه السّياقات أن تجتهد تحت إرشاد رعاتها لصالح الحوار على الدّوام.

بسبب الحالة الّتي يسبّبها الوباء، تمّ نقل حملة التّبرّعات التّقليديّة للأراضي المقدّسة هذا العام من الجمعة العظيمة إلى اليوم، عشيّة عيد ارتفاع الصّليب المقدّس. في السّياق الحاليّ، لا تزال حملة التّبرّعات هذه علامة رجاء وتضامن مع المسيحيّين الّذين يعيشون في الأرض الّتي صار فيها الله جسدًا ومات وقام من أجلنا. واليوم نقوم بحجّ روحيٍّ، بالرّوح، والخيال، والقلب، إلى القدس، حيث نجد مصدرنا كما يقول المزمور. ولنقم بتصرّف سخاء من أجل تلك الجماعات."