الفاتيكان
08 تشرين الأول 2020, 14:00

البابا فرنسيس: كم سيكون جميلاً أن نكتشف مجدّدًا احتياجات الأخ والأخت اللّذين يحيطان بي!

تيلي لوميار/ نورسات
وجّه البابا فرنسيس رسالة إلى المشاركين في الجمعيّة العامّة للأكاديميّة الحبريّة للعلوم، من السّابع وحتّى التّاسع من الجاري، كتب فيه فيها بحسب "فاتيكان نيوز":

"أحيّيكم وأعبر عن امتناني للأكاديميّة الحبريّة للعلوم لأنّها كرّست الجمعيّة العامّة لهذا العامّ لكي تضع البحث العلميّ الأساسيّ في خدمة سلامة كوكبنا وسكّانه، ولاسيّما الأشدّ فقرًا. كما أحيّي الخبراء والقادة المدعوّين، الّذين يتحمّلون جميعًا مسؤوليّات دوليّة كبيرة، وأتطلّع إلى مساهمتهم.

خلال هذه الأيّام، أصبح اهتمامي بعملكم أكبر، إذ خصّصتم الجمعيّة العامّة لما هو حقًّا موضوع اهتمام عميق للبشريّة جمعاء. أنتم تركّزون على فكرة العلم في خدمة البشر من أجل بقاء البشريّة على قيد الحياة في ضوء وباء سارس- كوفيد 19 والقضايا العالميّة الأخرى. في الواقع، إنَّ الوباء لم يُظهر ضماناتنا الخاطئة فحسب، بل أظهر أيضًا عدم قدرة بلدان العالم على العمل معًا. على الرّغم من الاتّصال الفائق بيننا، فقد شهدنا على تجزّؤٍ جعل أكثر صعوبة حلّ المشاكل الّتي تتعلّق بنا جميعًا. لذلك من الأهمّيّة بمكان أن تجمع هذه الجمعيّة العامّة الافتراضيّة للأكاديميّة العديد من التّخصّصات العلميّة المختلفة؛ وبهذا المعنى، هي تقدّم مثالاً على كيفيّة معالجة تحدّيات أزمة فيروس الكورونا من خلال الالتزام المنسّق في خدمة العائلة البشريّة بأكملها.

تتركّز جهودكم إلى حدّ كبير على دراسة مسارات مناعيّة وكيميائيّات مناعيّة جديدة من أجل تنشيط آليّات دفاع الجسم أو وقف تكاثر الخلايا المصابة. أنتم تدرسون أيضًا علاجات محدّدة أخرى، من بينها اللّقاحات الّتي يتمّ اختبارها الآن في المختبرات. كما نعلم، فإنّ الفيروس، الّذي يؤثّر على صحّة الاشخاص، قد أصاب أيضًا النّسيج الاجتماعيّ والاقتصاديّ والرّوحيّ بأكمله للمجتمع، وشلّ العلاقات الإنسانيّة والعمل والتّصنيع والتّجارة والعديد من النّشاطات الرّوحيّة أيضًا. كذلك له تأثير كبير على التّعليم. ففي أنحاء عديدة من العالم، لا يتمكّن العديد من الأطفال من العودة إلى المدرسة وهذا الوضع يتضمّن خطر ازدياد عمالة الأطفال والاستغلال وسوء التّغذية. باختصار، إنّ عدم القدرة على رؤية وجه الشّخص واعتبار الآخرين حاملين محتملين للفيروس هو استعارة مروّعة لأزمة اجتماعيّة عالميّة يجب أن تُقلِقَ جميع الّذين يهتمّون بمستقبل البشريّة.

وفي هذا الصّدد، علينا أن نهتمَّ جميعًا بشأن تأثير الأزمة على فقراء العالم. إنّها في الواقع، بالنّسبة للعديد منهم، مسألة بقاء على قيد الحياة. وبالتّالي وبالإضافة إلى العلوم، تتطلّب احتياجات الأفراد الأشدّ فقرًا في عائلتنا البشريّة حلولاً عادلة من قبل الحكومات وجميع الّذين يملكون سلطة اتّخاذ القرار. فعلى سبيل المثال تحتاج أنظمة الرّعاية الصّحّيّة إلى أن تصبح أكثر إدماجًا وفي متناول الفقراء وجميع الّذين يعيشون في البلدان المنخفضة الدّخل. وبالتّالي إذا وُجب تفضيل شخص ما، فيجب أن يكونوا الأشخاص الأكثر عوزًا وضعفًا بيننا. وبالطّريقة عينها، عندما تتوفّر اللّقاحات، يجب ضمان الحصول العادل عليها بغضّ النّظر عن الدّخل، وانطلاقًا من الأخيرين على الدّوام. تتطلّب المشاكل العالميّة الّتي نواجهها استجابات تعاونيّة ومتعدّدة الأطراف. ولذلك يجب احترام ودعم المنظّمات الدّوليّة مثل الأمم المتّحدة ومنظّمة الصّحّة العالميّة ومنظّمة الأغذية والزّراعة وغيرها من المنظّمات الّتي تمّ إنشاؤها من أجل تعزيز التّعاون والتّنسيق العالميّين، لكي تتمكّن من تحقيق أهدافها لصالح الخير العامّ العالميّ.

إنّ تفشّي الوباء، في السّياق الأوسع للاحتباس الحراريّ، والأزمة البيئيّة والفقدان المأساويّ للتّنوّع البيولوجيّ، يشكّل دعوة لعائلتنا البشريّة لإعادة التّفكير في مسارها، والتّوبة والقيام بارتداد بيئيّ. إرتداد يستقي من جميع المواهب الّتي يمنحنا الله إيّاها، من أجل تعزيز "إيكولوجية بشريّة" جديرة بكرامتنا الطّبيعيّة ومصيرنا المشترك. هذا هو الرّجاء الّذي عبّرت عنه في رسالتي العامّة "Fratelli tutti" حول الأخوّة والصّداقة الاجتماعيّة. كم سيكون جميلاً لو كان نمو ّالابتكارات العلميّة والتّكنولوجيّة يتوافق أيضًا مع زيادة الإنصاف والاندماج الاجتماعيّ! كم سيكون جميلاً، فيما نكتشف كواكب بعيدة جديدة، أن نكتشف مجدّدًا احتياجات الأخ والأخت اللّذين يحيطان بي!

تثير تأمّلات جمعيّتكم العامّة حول العلوم وبقاء البشريّة على قيد الحياة أيضًا مسألة السّيناريوهات المماثلة الّتي قد تكون قد نشأت في أكثر مختبرات الفيزياء والبيولوجيا تقدّمًا. فهل يمكننا أن نبقى هادئين في مواجهة مثل هذه الآفاق؟ مهما كانت مسؤوليّة السّياسيّين كبيرة، لكنّها لا تعفي العلماء من الاعتراف بمسؤوليّاتهم الأخلاقيّة في محاولة وقف إنتاج الأسلحة النّوويّة وحيازتها واستخدامها، وإنّما أيضًا تطوير الأسلحة البيولوجيّة، وقدرتها على تدمير مدنيّين أبرياء، وبالتّالي شعوب بأكملها.

أيّها الأصدقاء الأعزّاء أشكركم مرّة أخرى على أبحاثكم وجهودكم لمناقشة هذه القضايا الجادّة بروح من التّعاون والمسؤوليّة المشتركة من أجل مستقبل مجتمعاتنا. خلال الأشهر الأخيرة، اعتمد العالم كلّه عليكم وعلى زملائكم في تقديم المعلومات، وبثّ الرّجاء، وفي حالة العديد من العاملين الصّحّيّين، الّذين اعتنوا بالمرضى والمتألِّمين، وغالبًا ما كان ذلك على حساب حياتهم. وإذ أجدّد امتناني لكم وأقدّم أمنياتي الصّادقة لقرارات جمعيّتكم العامّة، أستمطر عليكم وعلى عائلاتكم وزملائكم بركات الله للحكمة والقوّة والسّلام. وأسألكم من فضلكم أن تذكروني في صلواتكم".