الفاتيكان
02 تشرين الثاني 2020, 08:50

البابا فرنسيس: كلّ فرد منّا بإمكانه أن يسير في درب القداسة

تيلي لوميار/ نورسات
تأمّل البابا فرنسيس، قبل صلاة التّبشير الملائكيّ ظهر الأحد، بالتّطويبين الثّاني والثّالث: "طوبى للمحزونين فإنّهم يعزّون"، و"طوبى للودعاء فأنّهم يرثون الأرض"، ليدعو في سياق حديثه المحتشدين في ساحة القدّيس بطرس إلى الاقتداء بجميع القدّيسين في عيدهم، فقال بحسب "فاتيكان نيوز":

"في عيد جميع القدّيسين تدعونا الكنيسة للتّأمّل حول الرّجاء الكبير الّذي يقوم على قيامة المسيح. إنّ القدّيسين والطّوباويّين هم أكثر الشّهود النّافذين للرّجاء المسيحيّ، لأنّهم عاشوه على أكمل وجه في حياتهم، وسط أفراح وآلام، محقّقين التّطويبات الّتي بشّر بها يسوع والّتي يتردّد صداها اليوم في اللّيتورجيا. إنّ التّطويبات الإنجيليّة هي، في الواقع، الطّريق إلى القداسة. سأتوقّف الآن عند تطويبين، الثّاني والثّالث.

التّطويب الثّاني هو: "طوبى لِلمَحزونين، فَإِنَّهُم يُعَزَّون". تبدو هذه الكلمات متناقضة، لأنّ البكاء ليس علامة فرح وسعادة. إنّ أسباب البكاء والمعاناة هي الموت والمرض والشّدائد الأخلاقيّة والخطيئة والأخطاء: ببساطة الحياة اليوميّة، الهشّة، والضّعيفة والمطبوعة بالصّعوبات. حياة تُجرح أحيانًا ويُجرِّبها الجحود وسوء التّفاهم. ويسوع يعلن الطّوبى للّذين يبكون بسبب هذه الوقائع، وعلى الرّغم من هذا كلّه، يثقون في الرّبّ ويضعون أنفسهم تحت ظلّه. فهم ليسوا غير مبالين، ولا يقسون قلوبهم من الألم، لكنّهم يرجون بصبر عزاء الله، ويختبرون هذا العزاء في هذه الحياة.

يؤكّد يسوع في التّطويب الثّالث: "طوبى لِلوُدَعاء، فَإِنَّهُم يَرِثونَ الأَرض" أنّ الوداعة هي سمة يسوع الّذي يقول عن نفسه: "تَتَلمَذوا لي فإِنِّي وَديعٌ مُتواضِعُ القَلب". الودعاء هم الّذين يعرفون كيف يسيطرون على ذواتهم، ويتركون مكانًا للآخر، ويصغون إليه ويحترمونه في أسلوب حياته، واحتياجاته وطلباته. فهم لا ينوون إخضاعه أو التّقليل من شأنه، ولا يريدون الهيمنة والسّيطرة على كلّ شيء، ولا أن يفرضوا أفكارهم ومصالحهم على حساب الآخرين. هؤلاء الأشخاص، الّذين لا تقدّرهم ذهنيّة العالم، هم ثمينون في عيني الله، الّذي يمنحهم أرض الميعاد كميراث، أيّ الحياة الأبديّة. هذا التّطويب أيضًا يبدأ هنا على الأرض ويكتمل في السّماء.

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، أن نختار الطّهارة والوداعة والرّحمة؛ وأن نسلّم ذواتنا للرّبّ في فقر الرّوح والضّيق؛ ونلتزم في سبيل العدالة والسّلام، جميع هذه الأمور تعني السّير بعكس التّيّار نسبة لذهنيّة هذا العالم، وثقافة الامتلاك، والمتعة الّتي لا معنى لها، والغطرسة تجاه الأشدَّ ضعفًا. لقد سار القدّيسون والطّوباويّون هذا الدّرب الإنجيليّ. وإحتفال اليوم، الّذي نحتفل به بجميع القدّيسين، يذكّرنا بالدّعوة الشّخصيّة والعالميّة إلى القداسة، ويقدّم لنا نماذج أكيدة لهذه المسيرة، الّتي يقوم بها كلّ فرد بطريقة فريدة لا تتكرّر. يكفي أن نفكّر في التّنوّع الّذي لا ينضب للمواهب والقصص الملموسة الموجودة بين القدّيسين والقدّيسات: فهم ليسوا متشابهين ومتطابقين، لكلٍّ منهم شخصيّته وقد طوّر القداسة في حياته بحسب شخصيّته؛ وكلّ فرد منّا بإمكانه أن يفعل ذلك وأن يسر في هذه الدّرب.

هذه العائلة الهائلة من تلاميذ المسيح المخلّصين لديها أمّ، مريم العذراء، ونحن نكرّمها بلقب سلطانة جميع القدّيسين، لكنّها أوّلاً وقبل كلّ شيء الأمّ، الّتي تعلم كلّ فرد منّا أن يقبل أبناءها ويتبعهم. لتساعدنا لكي نغذّي الرّغبة في القداسة، ونسير في درب التّطويبات."

بعد تلاوة صلاة التّبشير الملائكيّ حيا الأب الأقدس المؤمنين وقال: "بالأمس في هارتفورد بالولايات المتّحدة الأميركيّة، تمّ إعلان تطويب مايكل ماك جيفني، كاهن أبرشيّ مؤسّس فرسان كولومبوس. إذ التزم في البشارة، بذل قصارى جهده لتلبية احتياجات المحتاجين، وتعزيز المساعدة المتبادلة. ليحفّزنا مثاله جميعًا لنشهد أكثر فأكثر لإنجيل المحبّة.

دعونا لا ننسى في هذا العيد، ما يحدث في ناغورنو كاراباخ حيث تتبع الاشتباكات المسلّحة بعضها البعض في هدنات هشّة، مع زيادة مأساويّة في الخسائر ودمار في المنازل والبنى التّحتيّة وأماكن العبادة، لتطال السّكّان المدنيّين بشكل متزايد. إنّه أمر مأساويّ. أجدّد ندائي الصّادق لقادة الأطراف المتنازعة لكي يتدخّلوا في أقرب وقت ممكن من أجل وقف إراقة دماء الأبرياء. ولكي لا يفكّروا في حلّ الخلاف بواسطة العنف وإنّما من خلال الالتزام في مفاوضات صادقة بمساعدة المجتمع الدّوليّ. من جهتي، أنا قريب من جميع الّذين يعانون، وأدعوكم لطلب شفاعة القدّيسين من أجل سلام مستقرّ في المنطقة. نصلّي أيضًا من أجل شعوب منطقة بحر إيجه الّتي ضربها زلزال قويّ منذ يومين.

بعد ظهر غد، سأحتفل بالقدّاس الإلهيّ من أجل راحة نفس الموتى في مقبرة مدينة الفاتيكان. وبهذه الطّريقة أتّحد روحيًّا مع جميع الّذين خلال هذه الأيّام وفي مراعاة التّدابير الصّحّيّة، يذهبون للصّلاة عند قبور أحبّائهم في مختلف أنحاء العالم. أتمنّى للجميع عيدًا سعيدًا برفقة القدّيسين الرّوحيّة. ومن فضلكم لا تنسىوا أن تصلّوا من أجلي".